“لا تصدّق عينيك”.. أنظمة الشركات تواجه إيصالات مصمّمة بخداع مثالي عبر الذكاء الاصطناعي
3 د
تواجه الشركات موجة فواتير مزيفة تُنشأ بالذكاء الاصطناعي بسهولة.
ارتفعت محاولات التزوير بنسبة 30% مع تطور نماذج الذكاء الاصطناعي.
الاحتيال المالي يتزايد، مُستهدفًا أقسام الحسابات والدفع بالمؤسسات.
تستثمر الشركات في تقنيات كشف التزوير وتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي.
ينشأ سباق بين تحسين تقنيات الذكاء الاصطناعي وضرورة تعزيز الأمان الرقمي.
في الأشهر الأخيرة، وجدت شركات عدة حول العالم نفسها أمام موجة جديدة من الخداع المالي: فواتير ومصاريف وهمية جرى توليدها بالكامل عبر أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي. ما كان يتطلّب سابقاً مهارات تحرير صور أو التعامل مع بائعين في السوق السوداء، بات اليوم ممكناً بكبسة زر، بفضل انتشار برامج توليد الصور من شركات مثل “غوغل” و“أوبن إيه آي”.
تفاصيل الظاهرة الجديدة
بحسب تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز”، فقد شهدت منصات إدارة المصاريف مثل AppZen وRamp وMedius ارتفاعاً غير مسبوق في الفواتير الزائفة. شركة AppZen على سبيل المثال كشفت أن 14% من الوثائق المخادعة التي راجعتها الشهر الماضي تم إنشاؤها عبر الذكاء الاصطناعي، بعدما كانت النسبة صفراً في العام الماضي. أما منصة Ramp فاستطاعت خلال 90 يوماً فقط كشف فواتير مزيفة تزيد قيمتها على مليون دولار.
وهذا النمو المفاجئ يربط بين تطوّر أجيال النماذج البصرية الجديدة في الذكاء الاصطناعي وسهولة استغلالها. فبعد إطلاق نموذج GPT‑4o من “أوبن إيه آي”، لاحظ خبراء محاسبة في بريطانيا والولايات المتحدة ارتفاعاً واضحاً في محاولات التزوير، بنسبة قاربت 30%. أحد مديري شركة SAP Concur، كريس جونو، قال بوضوح إن “الفواتير المزيفة أصبحت دقيقة لدرجة أننا نحذر عملاءنا من الثقة بأعينهم فقط”.
من التزوير اليدوي إلى الاحتيال المؤتمت
التحوّل الأساسي هنا يكمن في السرعة والمعقولية؛ فالوثائق التي كانت تُصنّع سابقاً بجهد يدوي صارت تولَّد خلال ثوانٍ بتعليمات نصيّة قصيرة موجهة إلى روبوت دردشة. بعض النماذج تنتج صوراً لفواتير تحتوي على تفاصيل دقيقة مثل تجاعيد الورق وتوقيعات الموظفين والعناوين المتطابقة مع مطاعم ومتاجر حقيقية. هذا ما جعل المصارف وأقسام المالية في المؤسسات ترفع من استثماراتها في تقنيات كشف التلاعب والصور المزيفة.
وهنا يظهر ارتباط مباشر بين الاستخدام السليم للذكاء الاصطناعي وتنامي مخاطر الجرائم الإلكترونية. فبينما تعزّز الشركات أدائها عبر الأتمتة والتحليل الذكي، يلجأ مجرمو الإنترنت إلى الأدوات ذاتها لتصميم سيناريوهات احتيالية يصعب تمييزها.
الاحتيال المالي في عصر الذكاء الاصطناعي
تقارير مراكز أبحاث مالية، مثل PYMNTS Intelligence، تُظهر أنّ أقسام الحسابات والدفع (Accounts Payable) أصبحت الأهداف المفضَّلة لتلك الهجمات. أكثر من ثلثي المؤسسات واجهت العام الماضي محاولات اختراق أو تزوير فواتير. ومع تطور وسائل مثل تقليد الأصوات في المكالمات، واستخدام تقنية “الديب فيك” لانتحال شخصيات قيادية، أصبحت عمليات الموافقة على التحويلات البنكية عرضة لمخاطر غير مسبوقة.
هذا الواقع الجديد يدفع قطاعات كاملة إلى تبنّي أدوات تحقق رقمية متقدمة، مثل تحليل بيانات الميتاداتا المضمّنة في الصور وتتبّع مصدرها الأصلي. أوبن إيه آي بدورها أكدت أنّها تُضمّن في الصور الصادرة عن برامجها بيانات تعريف تساعد المنصات على رصد المحتوى المُنشأ آلياً، وتتخذ إجراءات بحق المستخدمين الذين يخالفون سياساتها.
سباق بين الابتكار والأمان
إنّ ما يجري اليوم أشبه بسباق مفتوح بين المبدعين والمخترقين؛ فكلما تقدمت تقنيات الذكاء الاصطناعي في دقة توليد الصور والمعطيات، ازدادت الحاجة إلى خوارزميات تحقق أكثر ذكاءً تستطيع كشف التلاعب بسرعة. وتبدو الشركات الكبرى مضطرة إلى استثمار موارد ضخمة في تطوير أنظمة استشعار قادرة على التفريق بين الفاتورة الأصلية والمصطنعة.
في النهاية، يطرح انتشار الفواتير الزائفة سؤالاً جوهرياً حول مسؤولية الاستخدام: كيف يمكن توظيف الذكاء الاصطناعي كقوة إنتاج حقيقية دون تحويله إلى سلاح بيد المحتالين؟ ومع اقترابنا من عام 2026، يبدو أنّ تحدي “الثقة الرقمية” سيتحول إلى محور رئيسي في إدارة الأعمال الحديثة، تماماً كما كانت الثورة الصناعية يوماً محور النقاش حول الأمان والجودة.
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.


