تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

أنت مطرود من العائلة.. احذر الأثر السام لاعتبار مكان العمل عائلة!

الأثر السام لاعتبار مكان العمل عائلة
داليا عبد الكريم
داليا عبد الكريم

6 د

“أسرة شركة X، تطلب موظفين للعمل لديها”، تبدأ بتصفح الشروط وتجد أنها تنطبق عليك، سيغريك استخدام كلمة “أسرة”، وستهرع للتقديم مدفوعًا بعاطفة غريبة، انتبه يا صديقي! والدتك موجودة في المنزل، كذلك زوجك أو زوجتك، وحتى أبناؤك وأشقاؤك، احذر كثيرًا قبل أن تؤمن بفكرة العائلة خارج حدود منزلك، ستعاني كثيرًا وستصبح عبدًا للعمل، وشيئًا فشيئًا ستدرك الأثر السام لاعتبار مكان العمل عائلة، تحديدًا حين تأتيك فرصة عمل أفضل، براتبٍ أعلى ومجهودٍ أقل، حينها سترفض العرض وتستمر في ذلك المكان الذي تعتبره عائلة، لست أبالغ، أتحدث عن تجربة شخصية هنا.

يستغل معظم أصحاب العمل الناحية العاطفية لدينا نحن الشرقيين، فيستخدمون عبارة “أسرة العمل” بكثرة في طلبات التوظيف، لاحقًا ستمضي أكثر وقتك في العمل، وإن كنت لا تمتلك ذكاءً عاطفيًا بدرجةٍ مقبولة، ستخسر كثيرًا، مثلي تمامًا، خصوصًا حين تدرك أن ذلك الذي اعتبرته شقيقًا، وتلك التي تراها بمثابة أم، يرمون عليك ثقل أعمالهم ويورطونك بالمزيد من العمل، تطبيقًا لمبدأ العائلة والانتماء للعمل، في الحقيقة وبعد سنوات من الخبرة المجتمعية، لا أعتقد أن العيب فيهم، بل فيك أنت!


الأثر السام لاعتبار مكان العمل عائلة

الأثر السام لاعتبار مكان العمل عائلة

يقضي البعض منا أكثر من ثلث وقته في العمل يوميًا، ليس من الخطأ تحويل مكان العمل لمكانٍ مريح نفسيًا وجسديًا، وخلق علاقاتٍ لطيفة مع الزملاء، ربما لاحقًا تتطور بعض تلك العلاقات إلى صداقة، حسنًا حتى هذه اللحظة الأمور بخير، ربما تضطر للتغطية عليهم قليلًا عند تقصيرهم لظرفٍ ما، أيضًا لا مشكلة والأمور حتى اللحظة طبيعية وتحت السيطرة، فالعلاقات الإنسانية أمرٌ بالغ الأهمية في تكويننا البشري ومن المهم الحفاظ عليها.


لا تعرف كيف تقول لا

يبدأ الخطأ الذي ترتكبه بحق نفسك باعتبار مكان العمل عائلة، حين تبدي مرونة كبيرة في التعاطي مع زملائك، وتجعلهم يعتادون على فكرة أنك أنت الذي لا يقول لهم لا، على أيٍ من مطالبهم المتكررة، انتبه جيدًا! لا أقصد هنا المطالب المتعلقة بك كموظف، لتأدية الواجبات المترتبة عليك، بل أقصد نوعًا آخر من الطلبات.

تعال نعود قليلًا بالذاكرة إلى سنوات الدراسة الجامعية، هل سبق وعانيت أو شاهدت استغلال بعض الطلاب لزملائهم، لكتابة فروضهم الجامعية أو حلقات بحثهم، وغالبًا ما كان ذلك الاستغلال يتم عبر عبارات تحفيزية، مثل “أنت مجتهد ورائع كثيرًا ليتني مثلك، ما رأيك أن تساعدني؟”، ومن ثم ينتشي ذلك الطالب أو الطالبة ويبدأ بإنجاز فروض زملائهم، وهكذا تستمر الحكاية ليسرق أحدٌ آخر تعبه وجهده.

في العمل، وتحديدًا ذلك العمل الذي يتم النظر إليه على أنّه عائلة، يتجسّد ذلك المثال حرفيًا لدى البعض، المستغلّون موجودون في كل مكان، يستطيعون استثمار مواهبهم في الاستغلال، للنيل منك بينما أنت تشكرهم وتشعر بالفخر لكونهم قد اختاروك.

بعبارة أخرى، زميلتك، أخبرتك أن طفلها الصغير مريض، ولن تستطيع الحضور إلى العمل هذا اليوم، طالبةً منك أن تقوم بأعباء عملها، من دون أي تذمر ستقبل، وستقول في نفسك، ماذا لو أنها شقيقتي أو زوجتي، بالتأكيد سأساعد، ستقبل دون قيدٍ أو شرط، وزميلتك ستعيد الكرة، وستقبل مجددًا، وأنت لن تتمكن من وضع حدود لهذا الاستغلال، وسيستمر فقط لأنك صدقت بوجود مكان يدعى العائلة في العمل!

ستقول لي هناك إدارة لن تقبل غيابها المتكرر، وسأرد عليك بأن الإدارات غالبًا في وقتنا الحالي تكون مرنة كثيرًا، هدفها النهائي الحصول على المنتج أيًا كان نوعه وبطريقة احترافية، ولا يهمها أي الموظفين قد أنجزه، وغالبًا فإن هذا النمط من الإدارات متواجد في كافة أنظمة العمل عن بعد، التي يعمل فيها غالبيتنا، والتي يكثر فيها الاستغلال أيضًا، والأهم من كل هذا، لا تنتظر من أحد أن ينتصر لك ولحقوقك، فأنت المعني بها أولًا وأخيرًا، يا صديقي العزيز.


فقدان الفرص بحجة الانتماء

أنت لا تستطيع لوم الشركة التي تعلن عن نفسها كعائلة لموظفيها، فهي تحاول خلق أجواء مهنية محفزة وإيجابية، والأخطر من ذلك كله، أن مثل هذا الجو يقودك من حيث لا تدري إلى ربط نفسك عاطفيًا في الشركة التي تعمل بها، وبالتالي فقدان أي فرصة مهمة قد تأتيك لاحقًا.

الانتماء إلى مكان العمل، ليس خطأً بالتأكيد، على العكس قد يدفعك لتحقيق التميز، ويجعلك تنال التقدير المعنوي والمادي من مدرائك، لكنه وفي حال كان مبالغًا به من قبلك، سيفقدك أي فرصة عملٍ مستقبلية، قد تكون أفضل ماديًا ومعنويًا من وظيفتك الحالية.

بمعنى آخر، ربما ستشعر بالخجل من مغادرة مكان العمل العائلة كما تحب أن تسميه، إلى مكانٍ آخر أفضل ماديًا ومعنويًا، وربما يتملّكك الشعور بالخيانة فقط لمجرّد التفكير في الفرصة، وستبقى مرتبطًا بهذا العمل كما ترتبط بعائلتك تقريبًا، وهذا قد يؤدي بك إلى خساراتٍ كبيرة، خصوصًا حين لا تكون تمتلك أي فرصة في تطوير عملك الحالي وتحقيق ذاتك به سواء ماديًا أو معنويًا، تعال وخذ بنصيحتي، مكان العمل لا يمكن أبدًا أن يكون عائلة، هل سمعت بمدير سهر الليالي على موظفيه لأن حرارتهم قد ارتفعت!


استباحة منطقة الراحة لديك

في العائلة وخلال فترة راحتك، إن شعر أحد أفراد أسرتك بالحاجة إليك لأي طارئٍ ما، فإنك ستستنفر فورًا بدون تفكيرٍ بنفسك، وهذا إلى حدٍّ ما شعورٌ طبيعي في الأسرة، لكنّه أمرٌ مستهجن كثيرًا في مكان العمل، فوقت العمل للعمل، ووقت الراحة للراحة، وهذا ما لن تستطيع النجاح به أبدًا في مكان العمل الذي تسميه عائلة.

على سبيل المثال، وخصوصًا في العمل عن بعد، قد تجد هاتفك المحمول يرن ليطلب إليك مديرك مساعدته في أمرٍ عاجل، حسنًا لا بأس ربما تكون مرّةً واحدة كل شهر لأجل طارئٍ ما، لكن أن يتكرر ذلك الموقف بشكلٍ يومي أو أسبوعي، فهنا تكمن المشكلة.

ستجد نفسك دائمًا مضطرًا للعمل، وبذل الجهود، مدفوعًا بالانتماء لعائلة العمل، وهذا يعتبر من أشد الآثار السامة للأمر، فأنت هنا ستصبح عبدًا لذلك العمل، ستقدّم ما عليك من واجبات دون أن تحصل على حق الراحة، بعض المدراء لا يقدرون أبدًا أنه يوم عطلتك، أو أن دوامك قد انتهى، سيستمرّون في إلقاء الأوامر والطلبات، وأنت لن تستطيع أن تقول لهم لا، هل تعرف لماذا؟ لأنه وببساطة طالما أن مكان العمل عائلة بالنسبة إليك، فإن المدراء بمثابة آباء أو أمهات، وأنت غالبًا لا تستطيع أن تقول لا لوالدك أو والدتك.


الأثر السام لاعتبار مكان العمل عائلة

أنت مطرود من “العائلة”!

في عائلتك الحقيقية، أنت لن تسمع أبدًا عبارة “أنت مطرود من العائلة”، لكن في العمل الذي دخلته انطلاقًا من إعلان “أسرة شركة X تبحث عن..”، توقع أن تخرج منه لاحقًا بعبارة “أنت مطرود من العمل!”.

حسنًا، وقتها فقط ستشعر كم كنت مستغلًا، وكم أن شعارات الانتماء مزيفة والغرض الوحيد منها فقط هو استغلالك، والأهم أنّك ستعرف أنّك خسرت عملك فقط لأنّك اعتبرته عائلة ورتّبت على نفسك التزاماتٍ كثيرة، لم يكن هناك من داعٍ لها.

دعني أوضّح لك الأمر أكثر، حين تفقد فترة الراحة المخصصة لديك، وحين ترهق ذاتك في إنجاز أعمالك وأعمال زملائك، وحين تعمل كماكينة سريعة بدون روح، وحين تعتقد أنك سوبرمان دون أن تدرك بأنّك كائنٌ بشري عادي، للأسف ستقلّ جودة الخدمات التي تؤديها للشركة حيث تعمل، وحينها لن يشفع لك انتماؤك، فصاحب الشركة يريد إيرادات، يريد نتائج جيدة، عواطفك وانتمائك للشركة لا يهمّانه أبدًا، أساسًا هو استغل تلك النقطة العاطفية لديك ليأخذ أكبر قدرٍ من الإنتاج الجيد وليس لأيّ هدفٍ آخر، فهل فهمت اللعبة؟

ذو صلة

أنت الآن تدرك، ماهية الأثر السام لاعتبار مكان العمل عائلة، تمامًا كما بتّ تدرك المخاطر المحتملة منه، عليك التصرّف بوعيٍ أكبر، والانطلاق اعتبارًا من مصالحك أولًا وأخيرًا، لا ترفض مدّ يد العون لمن يحتاجها من زملائك، ولا تبخل على مكان عملك بأيّ جهد، لكن بالمقابل، لا تسمح باختراق خصوصيتك ومنطقة راحتك ومستقبلك، العمل لصاحب العمل، وحياتك لك، والعائلة الحقيقية الوحيدة في الحياة، هي الأم والأب والأولاد والأشقاء والزوج أو الزوجة، احذروا من الخديعة والشعارات الزائفة يا أصدقاء.

اقرأ أيضًا: لأصحاب العمل ومن يهمه الأمر: الصحة النفسية في مكان العمل حق للعامل وازدهار للعمل وليست ترف

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة