ثورات شكلت وجه التاريخ.. فكيف تغير العالم بفضل أحراره؟

الثورات، هذه الزلازل التاريخية التي تُغير مسار الأمم وتُحدد وجهة الحضارات، لطالما كانت محوراً رئيسياً في سرد قصص البشرية على مر العصور. قمنذ أن خرج الإنسان من ظلمة الجهل وسعى نحو النور والحرية، وهو يسعى إلى إسقاط كل قيد يحد من حريته ويكبل طموحه. من ساحات باريس التي هزتها أصداء "حرية، مساواة، وأخوة"، إلى شوارع بتروغراد التي غنت لحلم أكتوبر، هذه الثورات التي لا تمحوها السنون، تُحفر في صفحات التاريخ بحروف من نار.

كانت الأوضاع الاقتصادية في عهد الملك لويس السادس عشر كارثية، حيث تدهورت أعمال الزراعة جراء النظام الإقطاعي الذي سلب الكثير من أبناء الطبقة الكادحة حقوقهم في التمتع بريع أراضيهم، وحصول الطبقة الأرستقراطية من النبلاء ورجال الدين (الإكليروس) في فرنسا على كثير من الحقوق والصلاحيات في تلك الأراضي. مما أدى إلى نقص شديد في الموارد وحالة من الغضب الشعبي المتصاعد.

لم تكن الأوضاع السياسية أفضل حالًا في فرنسا، فقد صاحب التدهور الاقتصادي، اعتقالات غير مبررة للمفكرين والكتاب الفرنسيين وفرضًا للضرائب على العمال الذين لم يستطيعوا تحمل الواجبات الإقطاعية المفروضة عليهم بعد الآن. وكانت القشة التي قسمت ظهر البعير وأشعلت غمار الثورة الفرنسية، هي قيام الملك بإقالة وزير المالية المحبوب من قبل الشعب نيكر، وارتفاع أسعار الخبز في البلاد بعد ذلك لأرقام لم تشهدها فرنسا من قبل، مما اعتبره الشعب وسيلة للضغط ورفضًا لمطالبات الثوار في ضمان الحقوق للفلاحين والعمال. 

أُنشئت الجمعية العامة بعد ذلك، وهي جمعية تمثل وظيفة البرلمان في زمننا الحالي من توصيل صوت الشعب إلى الحكومة وأصحاب القرارات في البلاد، وساهمت هذه الجمعية في تحويل النظام الملكي في الدولة إلى جمهوري انتخابي وإلغاء النظام الإقطاعي والحقوق الفيودالية، واستبدالها بمنشور حقوق الإنسان الذي تم رفضه سابقًا من قبل الملك. 

أقيمت الثورة الفرنسية على 3 مراحل، فشكلت المرحلة الأولى التي أقيل فيها الملك من منصبه، والانتفاضة التي أسست الجمعية العامة وأعادت الأمور إلى موازينها بإلغاء النظام الإقطاعي ووضع أول دستور للبلاد. أما المرحلة الثانية فكانت فيها الروح الثورية متأججة وساخطة على كافة مظاهر الاستبداد والظلم وتم فيها إعدام الملك ومئات العائلات الأرستقراطية التي كانت تحاول تشكيل ثورات مضادة بالتعاون مع ألمانيا والنمسا في فرساي، وذلك بقيادة سفاح الثورة الفرنسية دانتون Danton. 

شكلت المرحلة الأخيرة مرحلة استقرار ووسطية، أقيمت فيها دولة ديمقراطية نسبية تقوم على البرجوازية والسياسات الباردة، كما قام في نهايتها نابليون بانقلاب عسكري واضعًا الحد للثورة المتأججة في البلاد بعد 10 أعوام من بداية الحركة الثورية.

كلمة هايتي هي كلمة فرنسية أطلقت فيما بعد على  الجزء الثاني من مقاطعة هيسبانيولا التي كانت مستعمرة من قبل الأسبانيين بعد اكتشافها على يد كريستوفر كولومبس، فيما شكلت جمهورية الدومينيكان الجزء المتبقي منها. تنازل الإسبانيين عن المقاطعة فيما بعد للفرنسيين الذين منحوا الجزيرة اسمها الحالي هايتي والذي يعني "أرض الجبال العالية". 

وفي أعقاب الثورة الفرنسية عام 1791م، أدرك العبيد السود من سكان الجزيرة مدى ضعف المستعمر في الفترة الحالية، واتفق زعماء الثورة، ومن أهمهم دوتي بوكمان وتوسان لوفرتير على قيام ثورة هايتي بعد 8 ايام فقط من الاجتماع مع الثوار، وسرعان ما بادر العبيد بإحراق المزارع وقتل أصحابها من السادة المستبدين الذين تمتعوا من عرق جبينهم لسنوات وسنوات، واستطاع الثوار الاستيلاء على مدينة سان دونيجو وإعلان الانقلاب على المستعمر الفرنسي. 

وفي عام 1799، وبقيادة نابليون الأول ملك فرنسا، استطاعت فرنسا الاستيلاء على الحكم من جديد في جزيرة تاهيتي التي كانت تعد أغنى جزيرة في بحر الكاريبي،. ولكن لم يستمر الحكم الفرنسي كثيرًا في البلاد، واستطاع الثوار استعادة بلادهم مرة أخرى بعد 7 سنوات إثر انتشار الحمى الصفراء بين قادة الجيش الفرنسي.

توالت بعد ذلك محاولات السيطرة على الجزيرة الغنية بالموارد من قبل أمريكا وعلى مدار سنوات طوال، استطاعت خلالها الجزيرة من إعلان استقلالها عام 1996م  بشكل نهائي إثر انسحاب القوات الأمريكية من البلاد، بعد 192 عام من قيام ثورة العبيد الأشهر في العالم.

لم تبنى سمعة أمريكا كرمز للحرية وحقوق الإنسان لأنها تحتوي على تمثال الحرية، بل كانت أمريكا أيقونة للحرية بجدارة، كونها استطاعت الاستقلال بمقاطعاتها الثلاثة عشر عن الدولة المستعمرة الأقوى في التاريخ بريطانيا. وذلك عام 1775م حين قام قائد الجيش القاري والجنرال الرسمي للثورة في البلاد جورج واشنطن بإعلان الانقلاب على الاستعمار البريطاني والرغبة في الاستقلال بشكل نهائي عن الحكم الإنجليزي. 

ساهم العديد من المفكرين والدبلوماسيين في إنجاح تلك الثورة من خلال تعزيز روح الحرية والاستقلال في نفوس الثوار، وإرساء العلاقات الدبلوماسية الأوروبية مع فرنسا، تلك التي قامت بتمويل الثورة ضد الإنجليز. ومن بين هؤلاء الثوار: توماس جيفرسون ثالث رئيس أمريكي، وبنجامين فرانكلين أحد أشهر مؤسسي الدولة الأمريكية الذي شارك في كتابة الدستور الأمريكي القائم إلى الآن، وجون آدامز الذي عمل كمندوب بين أمريكا وفرنسا أثناء الثورة، وغيرهم الكثير ممن شاركوا في استقلال أمريكا أخيرًا ورسميًا عن بريطانيا في الرابع من يوليو عام 1976، والذي بات عيدًا سنويًّا يذكر المواطنين بأن حرية الفرد أمر ينبغي الثورة من أجله. 

لطالما كانت أفكار كارل ماركس الشيوعية وقودًا للعمال الكادحين في حربهم على الأنظمة الديمقراطية والرأسمالية الجشعة والسالبة حقوقهم في الحصول على حياة كريمة لأسرهم الفقيرة. وبعد ضعف الإنتاج المحلي بمعدل %36 عما كان عليه منذ 5 سنوات، وانخفاض أجور العمال إلى النصف بينما تتمتع الطبقات العليا والاوتوقراطية في البلاد بما تبقى من خيراتها، ينتفض الغالبية العظمى من العمال في حركة مفاجئة بثت الرعب في نفوس المسؤولين الإقطاعيين في البلاد.

سرعان ما حاول النظام الحاكم استرضاء العمال الغاضبين للعودة إلى أشغالهم باستقالة القيصر نيقولا الثاني من منصبه. ولكن لم يفلح ذلك في إطفاء شعلة الثورة التي ظلت مستمرة حتى استسلم رئيس وزراء البلاد تشارلز كرينسكي، وفقد الأمل في حل النزاع الدائم بين مختلف الأحزاب الاشتراكية والديمقراطية في البلاد، وفرّ هاربًا من روسيا إلى فرنسا ثم إلى لندن، حيث ألّف الأعمال العديدة عن الثورات والأوضاع السياسية المعقدة في روسيا الشيوعية. 

بعد قيام ثورة فبراير على يد 90 ألف من العمال الروس الساخطين على نظام الحكم القيصري الفاحش في استبداده للطبقات الكادحة، لم يكن أمام الحزب الشيوعي الاشتراكي في روسيا إلّا أن يقدم كل ما لديه لاستغلال الغضب الشعبي والإطاحة بنظام الحكم الذي استمر لثلاثة قرون كاملة في روسيا. وفي السابع من نوفمبر لعام 1917، أعلن فلاديمير لينين رئيس الحزب البلشفي في البلاد الثورة.

سرعان ما عمت الفوضى في العاصمة بطرسبرج حيث سيطر الثوار على قصر الملك نيقولا الثاني وتم إعدامه بالرصاص، بعدما كان قد أعلن استسلامه إبان ثورة فبراير مع جميع أفراد الأسرة الحاكمة لضمان القضاء على الحكم القيصري الذي أدخل البلاد في دوامة من الفقر والديون التي وصلت وقتها إلى 50 مليار روبل وكادت أن تعلن البلاد إفلاسها.

سميت ثورة أكتوبر بذلك الاسم رغم حدوثها في شهر نوفمبر، لتغيير التقويم المتبع في جمهورية روسيا الاشتراكية من التقويم اليولياني الذي كان يشير إلى شهر أكتوبر وقتها، إلى التقويم الميلادي الذي نشأت فيه الثورة في شهر نوفمبر. 

غيرت ثورة أكتوبر العالم فور نشوئها، وذلك بإنهائها فترة حكم القياصرة، أحد أطول العائلات التي حكمت في العالم. وقام على نجاحها الاتحاد السوفيتي عام 1922م، الذي لعب دورًا هامًا في الطريقة التي آلت إليها الأمور في الحربين العالمية الأولى والثانية.