تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

ترقب الموت.. موت من نوع آخر: ألبير كامو والفلسفة الوجودية للموت

الفلسفة الوجودية للموت لدى ألبير كامو
ياسمين احمد
ياسمين احمد

4 د

لم أخض التجربة أبداً، لكن أقر أنني شهدت الموت البطيء لأحد أقربائي. أذكر أنه اكتشف مرضه ولا ندري كيف تدهورت حالته بعد ذلك، كيف تطورت الأمور ليصل إلى مرحلة الاحتضار حيث كان وكنا نستيقظ يومياً لنرى هل غادرته الروح فعلاً أم لا. بحكم عمله كطبيب وإيمانه بالعلم ومعرفته بالحالة كان يعلم أنه سيموت، والحق أقول إنه لم يكن خائفاً أو حزيناً. كان يتقبل كل شيء وكل المحاولات بصبر ولكنه في أعماقه كان يترقب الموت ويتعجله. كان يشعر بعبثية كل شيء. ما فائدة أن تفعل شيئاً وأنت على دراية تامه بعدم جدواه.


المصير النهائي

على جانب آخر، كان هناك سلسلة أفلام أمريكية ذات إنتاج ضخم تسمى “المصير الحتمي” (Final Destination) ومن رأى السلسلة أو جزءاً منها يعرف أنها كلها تدور عن حتمية الموت. الموت هو المصير النهائي لمن جاء دوره ووقع عليه الاختيار. أنت بالتأكيد لا تملك أن تغير قدرك. ولكن ماذا عن انتظارك له بلا حيلة؟ ماذا عن محاولتك الهرب؟ ماذا عن محاولة تغيير خططك؟ ماذا عن التفكير في الرجوع إلى الخلف؟ ترتيب القرارات من جديد ومراجعة أوراقك.

ماذا عن عبثية حياة من يجد نفسه في موقف كهذا؟ فكرة الفيلم العامة تناقش فكرة ترقب الموت ومحاولة الهرب منه بشتى الطرق ثم معرفة أنه قد يأتي من أتفه سبب. كان يبدأ برؤيه البطل المستقبلية لحادث كارثي يتسبب في موته مع مجموعه من أصدقائه بتسلسل معين. في الفيلم يحاول أن يتخذ إجراء لمنع الحادث فيفشل، فيترك هو ومجموعة من أصدقائه مكان الحادث. يحدث الحادث بالفعل فيبدأ الموت يطارده هو وأصدقائه بنفس الترتيب المقدر لهم في وقت الحادث.


المدرسة الوجودية في الفلسفة

الواقع إنني لا أعرف هل قرأ كاتب الفيلم لـ سارتر وكامو مثلاً ففكر في أن يناقش فكرة عبثية مجابهة شيء غامض وخطير كالموت. من قرأ لكامو يعرف أنه فاق كل كتاب وفلاسفة الوجودية والعبث في التفكير في الموت. بل إنه كان يملك ميولاً شديدة للانتحار والدعوة إليه.


مقصلة ألبير كامو

في كتاب (المقصلة) يقدم ألبير كامو بحثاً وافياً ودراسة مفصلة عن أحكام قوانين العقاب التي تنص على إعدام القاتل. لا من الناحية القانونية بل من الناحية الإنسانية وكيف أثر هذا القانون على المجتمع وأفراده. في الكتاب تناول (كامو) بعض قصص الإعدام التي هزت المجتمع الفرنسي وقتها. ووصف بدقه أحاسيس المحكوم عليه بالإعدام من لحظة إصدار الحكم. وانتظاره للموت في مكان محدد ومغلق بلا حيلة. إلى أن يصل إلى وصف مشاعره وخلجات نفسه عند معرفة موعد التنفيذ ولحظة التنفيذ ذاتها.

في كتابه ألقى (كامو) باللوم على المجتمع وكيف أنه بشكل ما أحد أطراف الجريمة التي يحاكم عليها في النهاية فرد واحد. وكيف أن المجتمع يمهد للجرائم بإباحته لكثير من دواعي الانحراف والفساد والعبث والمجون. ويفتح السبيل إلى العديد من الجرائم، بل ويكاد يخلق الظروف التي تؤدي إلى الجريمة العنيفة المروعة ثم يعود فيستنكرها ويصب غضبه على مرتكبيها. يلقي الضوء على دور المجتمع بنظامه وتقاليده وعاداته وأخطائه في حدوث الجريمة. وكيف يمكن وضع قواعد رادعة دون إهدار لكرامة الإنسان.

في الوجودية، اعتبر كامو أن كل شيء في حياة الانسان سيصبح عدمياً إذا ما شعر الفرد بعبثية الحياة من حوله. وتحدث كثيراً عن أن الوجود يسبق الماهية. وربما هذا ما يبرر تفكير الوجوديين كثيراً في الموت وأسبابه ودواعيه. وعلى الرغم من أن جذور وأساس الوجودية يعود إلى ما قبل سارتر وكامو. إلا أنها انتشرت بشدة أثناء الحرب العالمية الثانية عندما شعر الإنسان العادي المسالم بالوحدة والعجز بعد أن ساد الموت والدمار وشعرت العامة فعلاً بعبثية الحياة.

تطور الموت أو وسائل الإعدام عبر التاريخ أيضاً جدير بفلسفة من نوع آخر. ففي العصور الوسطى كان يتم أعدام المذنبين من العامة بالتقطيع حتى الموت في حين كان يتم إعدام النبلاء بقطع الرأس. الأمر الذي يدعو إلى السخرية فالتفرقة والعنصرية موجدان منذ الأزل ويطبقان حتى في المصير الحتمي لكل المخلوقات الحية، يطبقان في الموت. وهذا ما جعل اختراع دكتور (جلوتين) الرهيب المسمى بالمقصلة يستحق الاحتفاء فلقد تساوى الجميع أخيراً بفضله في طريقة الموت سواء كانوا نبلاء أم عوام.

لكن مقصلة كامو كانت من نوع آخر. كانت مقصلة إنسانية لجعل المجتمع والمذنب والجلاد في طرف واحد. لرصد مشاعر من يترقب الموت حتى لو كان يستحقه. في الكتاب لا يرفض كامو الموت كنهاية. ولكنه يرفض إهدار كرامة الإنسان حتى ولو كانت لتطبيق القانون، حتى لو كانت كرامة مهدرة ضمن الأعراف والتقاليد.

ذو صلة

ولحسن الحظ أنه لم يعش ليرى من يفجر نفسه ضمن مجموعة من الأبرياء مدعياً البطولة. أو من يذبح غيره بدم بارد أمام الكاميرات خالقاً قانوناً خاصاً لا يحترم للإنسان وجود وللحياة عبثية. لدرجة أن الضحية الآن لم تعد هي من تترقب الموت بل كل من يشاهد موتها الاستعراضي. أصبحنا نترقب الموت ونحن نشاهد التلفاز ونتابع مواقع التواصل الاجتماعي. أصبحنا نترقبه في كل ما يحيط بنا من أخبار عن طعام فاسد وهواء فاسد ومياه ملوثة. نشاهده في عيون الكثير من المرضى من خلال دعايات جمع التبرعات. الجميع الآن يترقب موته ويقف على حد المقصلة.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

المقال بحاجة إلى تنظيم في الطرح من حيث تصنيف الفلسفات الوجودية حول الموت وكيف تداولها الإنسان منذ بدء الخليقة العاقلة على سطح الأرض، وكيف تعاملت معها الحضارات المتلاحقة فتناولت موضوع الموت بحرص شديد وأولته جل اهتماماتها بحيث وصلتنا أفكارهم وعقائدهم محفورة في صخور أو على شكل قبور وكتابات وطقوس تحدثنا عن فلسفتهم في الموت، وذلك بوضع قيمة اسمية له وتصويره على انه كائن لا يمكن تجاهله مهما بلغت حدة الأفكار العبثية تتلاعب بالعقول. كما أن المقال يفتقد أو يتجاهل الأسس العقائدية التي بنيت عليها فلسفة الوجود والعدم، ومن الخاطئ في الطرح تناول وجهة نظر فردية كرافد للفكرة من خلال استعراض مختصرات فكرية من طرف واحد حول موضوع الدراسة أو الاستدلال بأفكار فلسفة أحادية في كتاب أو فيلم، العبثية والعدمية والهيبية لها روادها ممن تنكروا للرؤى الدينية تجاه الموت والحياة، وحاولوا قولبة هذه الأسس بأشكال فكرية يعجز الإنسان عن اثبانها أو نفيها الا من خلال العودة من الموت، وهذا لن يحدث بالطبع، مما يدعو العقل التشبث بما هو أكثر موضوعية ومنطقية.
الموضوع طويل والمقال غير واف، لكنه جدير بالتأمل والتدبر.

صراحة شعرت بأنّ المقال غير مترابط كثيراً، وتشعّب من سرد واقعي الى عرض لمبادئ فلسفية، ونهايته كذلك كانت سريعة وغير حاسمة.

ذو صلة