مسلسل Medici من نيتفلكس: ملحمة المال والسياسة في رحاب إيطاليا الساحرة!

أنتجت نيتفلكس العديد والعديد من الأفلام والمسلسلات الأصلية التي تُعتبر نقلة نوعية في عالم الفن المرئي، فأنتجت Stranger Things الذي نترقب الموسم الثالث منه في أبريل القادم على أحر من الجمر. ولم تنتج نيتفلكس هذا المسلسل فقط كعلامة فارقة، فقد أنتجت أيضًا مسلسل Medici الذي يدور في فلك الدراما السياسية المحبوبة من قبل الجميع، في أجواء فلورنسية إيطالية ساحرة.

كلنا نعرف بالتأكيد مسلسل Game of Thrones، إذا أحببتم هذا المسلسل، فمسلسل Medici: Masters of Florence يُعتبر مماثلًا له في أجواء العائلات النبية والصراعات الداخلية التي تنشأ بين العائلات من أجل الحصول على القوّة والجاه والسيطرة. لكن Medici واقعي أكثر منه فانتازي، فليس به White Walkers، لكن به حنكة، جنس، والكثير والكثير من العملات الذهبية المنثورة هنا وهناك!

أقرأ أيضًا: الإعلان عن موعد الموسم الثالث من مسلسل Stranger Things!

* المراجعة ليس بها حرق على الإطلاق لأحداث المسلسل *

في يوم من الأيام قرر (جوفاني) أن يخرج من تحت رداء العامل المسكين بطاحونة بالقرب من الميناء بفلورانسا، ويخلع على نفسه عباءة أغنى الرجال في إيطاليا، وصاحب أكبر وأفضل بنوك أوروبا بأسرها.

بدأ (جيوفاني ميديتشي) هذه العائلة، وبفضله صارت العائلة المُسيطرة على فلورانسا من الخفاء، وذلك بفضل بنك (ميديتشي) الذي اختاره بابا الفاتيكان شخصيًّا ليكون المصرف الذي تتعامل معه جميع كنائس إيطاليا في هذا الوقت. مما جعل نفوذ العائلة على الصعيد الاقتصادي لا يُستهان به أبدًا، وبذلك صارت عائلة (ميديتشي) قوة تُحدد مقاليد الأمور في تلك البقعة الساحرة من الأرض.

تبدأ القصة فعليًّا عندما يتوفى السيد (جوفاني ميديتشي)، ليصير الاختيار بين (كوزيمو ميديتشي) و(لوريتزيو ميديتشي)، وَلدا الراحل (جوفاني)، ليترأس أحدهما قيادة العائلة في الفترة القادمة.

ووقع الاختيار على (كوزيمو)، ذلك الفتى الذي كان يحلم بأن يغدو فنانًا عظيمًا عندما يكبر، ولا يريد أن ينخرط في حياة البنوك والأموال والسياسية والسلطة. الآن عليه أن ينخرط رغمًا عن أنفه، والآن باتت تقع على عاتقه مسؤولية أكبر بنوك إيطاليا وأعرق عائلة ذات صيت اقتصادي وثراء فاحش حصرًا. فهل سيأخذ عائلته نحو المجد؟ أم للقدر مخططات أخرى؟ هذا ما ستعرفوه عند مشاهدة المسلسل!

قليلة هي تلك المسلسلات التي تتناول التاريخ، وإذا تناولته تحاول بشكلٍ ما أن تُدخل فيه عوامل غير واقعية تزيد من ملحمية الأحداث، وأيضًا تجذب المُشاهد. ولدينا في هذه الفئة Game of Thrones الذي صنع ملحمة خيالية بها فانتازيا ووحوش وموتى أحياء من نوع خاص. لكن Medici لم يتطرق إلى الفانتازيا لتقوية حبكته، بل إلى القصة وأسلوب التقديم والكادرات الإخراجية المميزة جدًا. فدائمًا الاستناد إلى التاريخ بشكلٍ واقعي، يُعطي رونقًا خاصًا للعمل الفني، حيث هنا هو يحترم عقلية المشاهد، ويُقدم له وجبة تراثية ووثائقية شيقة إلى أقصى حد، مما يشبع نهمه للتاريخ.

المسلسل استند إلى عائلة (ميديتشي) الحقيقية التي بدأت تظهر بطريقة قوية جدًا على الساحة في منتصف القرن الخامس عشر، وبذلك فرضت سيادة اقتصادية مهولة على كامل أوروبا في فترة وجيزة جدًا. فلذلك مسلسل Medici يتناول قصة تلك العائلة.

لكن هنا يجب أن أوضح أمرًا بعينه: لا يجب أن نحكم على العمل الفني التاريخي بمدى صحة المعلومات التي قيلت فيه!

الأعمال المرئية بالمُجمل هدفها تقديم حبكة يتقبلها المشاهد، وذلك لا يشترط بالضرورة أن تكون كل معلومة ذُكرت فيه حقيقية وتاريخية 100%. فلذلك صناعة الأعمال الفنية التاريخية تعتمد على ما يُسمى (الاستقراء) وليس (الاستشهاد). فالاستقراء يكون رؤية الكاتب للأحداث التاريخية، حيث هو (يقرأ) التاريخ فقط، وذلك يسمح له بالتعديل فيه بعض الشيء كي يناسب أجواء الشاشة، وهذا ما يُمثله مسلسل Medici. بينما الاستشهاد هو الاستناد الكامل والدقيق لكل حدث تم تاريخيًّا، وهذا للأسف يجعل من الأعمال التاريخية مملة بعض الشيء، وهذا لا يوجد في مسلسل Medici.

مقتل (جيوفاني) ظل لغزًا حتى نهاية المسلسل. من الذي قتله؟ وهل الذي نشك فيه هو فعلًا الذي قام بتلك الفعلة؟ إذًا لماذا يتصرف على منوال غير الذي نتوقعه؟ هل القاتل حقًا أبعد شخص عن الشكوك؟

الكثير والكثير من الأسئلة سوف تُغرق عقلك وأنت تشاهد الحلقة تلو الأخرى منتظرًا النهاية التي سوف تشفي غليلك. في الواقع مسلسل Medici يُذكرني بروايات (أغاثا كريستي) التي لا تعرف فيها القاتل حتى نهاية القصة، ودائمًا الشخص الذي هو أبعد عن الشكوك تمامًا، يكون هو القاتل الذي يتظاهر بالولاء والطاعة والبراءة التي تنخدع بها مباشرة.

أقرأ أيضًا: أهم الأفلام الهندية في 2017

حسنًا، هنا يجب أن أُشيد ببراعة نسج تلك الشخصيات. كل شخصية قصة، وكل قصة لها أبعاد وماضي وحاضر ومستقبل سيأتي مبني على أفعالها في الحاضر. الشخصيات من الجيد جدًا أنها متنوعة، وكل منها له دوافعه وآماله الخاصة التي تتقاطع مع دوافع وآمال الشخصيات الأخرى، مما يجعل القصة لا تسير على محور خطي واحد للشخصيات، وإنما شبكة معقدة من الشخصيات يتمتع بيها مسلسل Medici الرائع.

وبذلك مسلسل Medici لا يتمحور حول شخصية البطل فقط، بل المَشاهد تنتقل من شخصية لشخصية لتنقل حدثًا مختلفًا في كل مرة، يرتبط بعائلة (ميديتشي) أجل، لكن لا يرتبط بـ (كوزيمو ميديتشي) على وجه الخصوص.

مسلسل Medici من إخراج 4 مخرجين، وكل منهم له لمسته الخاصة في المشاهد التي يقوم بها. 2 منهم للموسم الأول، و 2 منهم للموسم الثاني. تميز الإخراج بالمُجمل بالمشاهد الواسعة التي تُصور بالداخل والخارج بشكلٍ متساوٍ. فدائمًا بعد أن تجد مشهدًا تم تصويره بداخل كاتدرائية مهيبة، يوجد مشهد جديد ينتقل بك إلى الخارج من أجل تصوير مشهد واسع الكادر أيضًا.

بالطبع ذلك الأسلوب الانتقالي ساعد على تحويل المسلسل إلى قطعة فنية من الطراز الرفيع لجميع عشّاق الرسم والنحت والفنون الإيطالية الساحرة. كما أن الانتقال بين المشاهد كان سريعًا، وهذا قلل من نسبة الملل التي غالبًا ما تطال الأعمال التاريخية عندما لا يتمكن المخرج من الإمساك بزمام الأمور بشكلٍ جيّد.

المسلسل من بطولة Richard Madden، الذي اشتهر بدوره في مسلسل Game of Thrones بكونه ابن (نيد ستارك) الذي انخرط في منازعات العائلة مع باقي العائلات على الشمال ومعارك الشمال. أنا أجد أن دور البطولة مناسب له (بشكلٍ ما)، لكن لدي تعليق.

الأسلوب التمثيلي لـ Richard Madden يبدو أنه لا يتغير، لا يستطيع أن يتقولب مع الشخصية التي يقوم بتأديتها بطريقة تدفعه لإخراج المشاعر بشكلٍ أفضل من ذلك. أقول على (ريتشارد) أنه ممثل ذو نمط واحد – Monotonic Actor. بينما كان ليليق الدور بـ (بيندكت كمبرباتش) على سبيل المثال. أسلوبه التمثيلي قادر على تجسيد قائد عائلة بتلك القوة والعراقة دون أدنى شك.

والجدير بالذكر أن تمثيل Annabel Scholey لدور (كونتسينا) زوجة (كوزيمو) كان جديرًا بالإعجاب حقًا، وفي بعض الأحيان شعرت أنها فاقت البطل في الأداء، وتُعتبر نسخة “حنونة” من شخصية (سيرسي) في مسلسل صراع العروش. بينما التمثيل لباقي الشخصيات كان متواضعًا وليس لدي تعليق عليه.

أقرأ أيضًا: أفلامُ عادل إمام القديمة وكوميديا الضحك من أجل الضحك

أكتب لكن هذه الكلمات الآن وأنا أستمع إلى اللحن الأساسي للمسلسل، اللحن الذي تشعر معه بالأجواء الفيكتورية الأوروبية التي لا نعايشها إلا بين المنحوتات واللوحات والقِباب المشمسة التي تُمتع النظر وتُبهج السرائر. إليكم هذه المقطوعة، تستطيعون الاستماع إليها من الرابط بالأعلى.