ما هي مفارقة راسل
مثلت مفارقة راسل (Russell's Paradox) تطوّرًا لافتًا في البني الرياضية التقليدية للمجموعات، إذ أظهرت التناقض الحاصل في حالاتٍ معيّنةٍ، وعزّزتها أمثلة وأبحاث كثيرة.
من هو راسل
بيرتراند راسل (Bertrand Russell) هو فيلسوفٌ وعالمُ رياضياتٍ ومدرّسٌ، فضلًا عن كونه ناقدًا اجتماعيًّا وناشطًا سياسيًّا، ولد في عام 1872 في عائلةٍ أرستقراطيّةٍ بريطانيّةٍ، ودرس الفلسفة في جامعة كامبريدج حيث نال الزمالة فيها بتقدير امتيازٍ في عام 1895، وعمل فيما بعد كمدرّسٍ، ويصنّفه الكثيرون على أنّه أعظم فيلسوفٍ في القرن العشرين وأعظم الفلاسفة بعد أرسطو وأحد أبرز المفكرين، وقد ألّف ما يزيد عن 70 كتابًا، بالإضافة إلى آلاف المقالات والرسائل في شتّى مجالات العلوم والفلسفة، كما حصل على جائزة نوبل للأدب عام 1950.
تأثّر راسل بعالم الرياضيات الإيطالي الشهير جوزيبه بيانو (Giuseppe Peano) وتلامذته فدرس أعماله، وكتب باكورة كتبه المهمّة عن مبادئ الرياضيات (Principles of Mathematics)، وبمساعدة صديقه الدكتور ألفريد وايت هيد (Alfred Whitehead) سعيا في تطوير وتوسيع المنطق الرياضي لكلٍّ من بيانو والعالم جوتلوب فريجه (Gottlob Frege)، ومن وقتٍ لآخر، كان راسل يبتعد عن الفلسفة لأجل التفرّغ السياسة. .
تزوج راسل أربع مراتٍ وأنجب ثلاثة أطفالٍ، كما أسّس مدرسة بيكون هيل (Beacon Hill) التجريبيّة، وتوفي في عام 1970 عن عمر يناهز 97 عامًا..
مفهوم المفارقة
هي تضاربٌ وتناقضٌ في المعنى، ممّا يجعل من الكلام غير منطقيّ لما يحتويه من أغلاطٍ وأفكارٍ متضاربةٍ. .
مفارقة راسل
طرح راسل مفارقته الشهيرة التي كان لها تأثيرٌ كبيرٌ في تطوير قوانين نظريّة المجموعات المبسّطة، وتُعرف المفارقة أيضًا باسم مفارقة الحلاق؛ حيث وضع راسل تساؤلًا منطقيًّا لشرح مفارقته، والذي كان ينّص على فرضية أنّه ليكن لدينا مجموعة من الحلاقين الذين يقومون بحلاقة شعر الأشخاص الذين لا يحلقون شعرهم بأنفسهم، ولنفترض أنّ أحد هؤلاء الحلاقين لا يحلق شعره بنفسه، وبالتالي، واستنادًا إلى الفرضية الأولى، يجب على هذا الحلاق أن يحلق شعره بنفسه، ولكن في نفس الوقت، لا يستطيع أي حلاقٍ أن يحلق شعره بنفسه، لأنه إذا استطاع أحد الحلاقين أن يحلق شعره بنفسه فذلك سوف يتناقض مع الفرضيّة أي أنّه سيكون لدينا شخصٌ يحلق لشخصٍ يمكنه الحلاقة بنفسه!
يمكن وصف هذه الفرضية باستخدام المجموعات الرياضيّة، فعلى سبيل المثال؛ لنفترض لدينا الأرقام التالية: 4-5-6، يمكن أن نصف هذه الأرقام بالمجموعة x والتي تضم الأعداد الأكبر من 3 وأصغر من 7، والتي بدورها تنتمي لمجموعة الأعداد الصحيحة n، ويمكن وصفها رياضيًّا كالتالي:
{ x = { n: n is an integer and 3 < n < 7
يجب التنويه إلى أنّ هذا التمثيل الرياضي لنظام المجموعات ليس حصرًا على الأرقام، بل يمكن تصنيف كل ما نريد باستخدام المجموعات، فعلى سبيل المثال:
{حيث x تشير إلى ذكر يعيش في أمريكا :y = {x
من هذا المنطلق، ظهر التناقض الكبير في نظرية المجموعات؛ إذ أنّه بالإمكان وضع تعريف مجموعة على الشكل التالي:
{x = {a: a is not in a
أي أنّ المجموعة x تضم a، بحيث أنّ a نفسها لا تنتمي إلى a. هذا التناقض مشابهٌ للتناقض الذي يحدث في وصف مجموعة الحلاقين في المثال الأول. جاءت إجابة راسل على المفارقة في كتابه نظرية الأصناف (Theory of Types)، حيث ذكر أنّ المشكلة في المفارقة تكمن بأننا نخلط بين مفهوم مجموعات الأعداد، وبين مفهوم المجموعات التي تضم مجموعاتٍ أخرى للأعداد، لذلك قام راسل بوضع تسلسلٍ هرميٍّ يبدأ من الأعداد، من ثم مجموعات الأعداد، من ثم مجموعات تضم مجموعات الأعداد، وما إلى ذلك، واستُخدم نظام التصنيف هذا كوسيلةٍ لتشكيل أسس الرياضيات المبنيّة على نظام المجموعات، ولا يزال هذا التصنيف مُستخدَمًا في علوم الكمبيوتر وفروع الفلسفة المختلفة. .
تاريخ مفارقة راسل
جاء اكتشاف راسل لهذه المفارقة بينما كان يعمل على كتابه مبادئ الرياضيات، حيث وجّه هذا الاكتشاف في عام 1901 ضربةً موجعةً لأحد زملائه من علماء الرياضيات، وقد لا يكون راسل أول من اكتشف هذه المفارقة، حيث أنّ الكثير من العلماء بمن فيهم إرنست تسيرميلو (Ernst Zermelo) وديفيد هيلبرت (David Hilbert) كانوا على درايةٍ بهذه التناقضات، ولكن كان راسل أوّل من قام بمناقشة المفارقة في أعماله ومؤلفاته، إضافةً إلى كونه أوّل من حاول صياغة الحلول لها.
لقد كان لاكتشاف مفارقة راسل تداعياتٌ عميقةٌ وتأثيرٌ كبيرٌ على التطوّر التاريخي لنظريّة المجموعات، فبعد طرح المفارقة، سرعان ما اكتشفت الكثير من التناقضات والمشاكل الرياضيّة في نظريات فلاسفة وعلماء رياضيات آخرين، حيث اكتشف راسل في عام 1902 وجود تناقض في النسخة الأولى من كتاب النظام المنطقيّ للعالم جوتلوب فريجه (Gottlob Frege)، الذي يعتبر أحد الأعمال الرئيسيّة والمرجعيّة في الفترة المتراوحة ما بين أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
قام راسل بمراسلة فريجه وإبلاغه عن المفارقة التي وجدها في كتابه، والتي تظهر تناقضًا في النظام المنطقي من نظرية المجموعات من خلال اشتقاق مفارقة داخله، حيث كان فريجه وقتها يعمل على طباعة ونشر النسخة الثانية من كتابه، ممّا اضطرّه لإعداد ملحقٍ للكتاب من أجل حل مشكلة المفارقة، ومع التعديلات الإضافيّة التي وضعها فريجه في كتابه كمحاولةٍ لتلافي المفارقة، أصبح الكتاب أكثر تعقيدًا، بل إنّ التعديلات التي أجراها أدّت إلى حدوث تناقضاتٍ أكبر. .