ذكاء اصطناعي

خطأ أنجب سمكة جديدة: علماء يُنتجون هجينًا غير متوقع بين سمكتين من عصر الديناصورات!

ملاذ المدني
ملاذ المدني

3 د

فوجئ علماء هنغاريا بولادة "سيردلفيش"، نوع سمكي جديد غير مخطط له.

نتج السيردلفيش عن تهجين غير مقصود بين سمك الحفش الروسي وسمكة البادل الأمريكية.

السيردلفيش هو اندماج جيني غير متوقع يحمل صفات من كلي الوالدين.

تُبرز التجربة حدود التدخل البشري ومخاطر التهجين غير المقصود.

لا خطة لإنتاج مزيد من السيردلفيش؛ التركيز على إنقاذ سمك الحفش الروسي.

في عالم الأحياء الحديث، ما تزال المفاجآت تطرق أبواب المختبرات دون استئذان. فمؤخراً، فوجئ فريق من العلماء في مختبر مجري بولادة مخلوق بحري لم يكن على قائمة المخططات أبداً: "السيردلفيش"، وهو نوع جديد تماماً من الأسماك ناتج عن تهجين غير مقصود بين سمك الحفش الروسي وسمكة البادل الأمريكية. ما وقع لم يكن محض تجربة علمية فاشلة، بل اكتشاف بيولوجي أثار فضول المجتمع العلمي وجعل العالم يطرح السؤال: كيف حدث ذلك؟

في قاعة هادئة من معهد البحوث السمكية والمائية بهنغاريا، كان الباحثون يعملون على مشروع لإنقاذ سمك الحفش الروسي من حافة الانقراض. هذه السمكة القديمة، المعروفة بإنتاج الكافيار الثمين، تواجه خطراً شديداً بسبب الصيد الجائر وفقدان بيئتها الطبيعية. لتكثيرها، استخدم العلماء تقنية اسمها "التوالد اللاجنسي" أو "الجينوجينيسيس"، وهي طريقة تعتمد على تحفيز بيوض السمكة الأنثى لتتطور باستخدام سائل منوي من نوع آخر، دون أن يترك أي أثر وراثي في النسل النهائي. هنا، دخلت سمكة البادل الأمريكية على الخط كمتبرع بحيواناتها المنوية.

ومع أن النية العلمية كانت واضحة – مضاعفة أعداد الحفش الروسي بطريقة نقية جينياً – إلا أن الأمور لم تَسِرْ كما خُطط لها تماماً. فمن غير المتوقع والأغير، اندمجت المادة الوراثية للحفش الروسي والبادل الأمريكي، وأسفرت التجربة عن إنتاج مئات من صغار الأسماك الهجينة. هذا الحدث فتح باباً غير مألوف في عالم تزاوج الكائنات البحرية، إذ لم يسبق وأن تم توثيق تزاوج ناجح بين هذين النوعين البعيدين وراثياً. وهكذا خرج للوجود "السيردلفيش" – مزيج يحمل صفات من كلي الوالدين وربما يحمل معه أسراراً بيولوجية قيمة.

ومع تتبع ما جرى في المختبر، تبرز عدة تفاصيل إضافية تفسر حجم الحدث. من بين مئات اليرقات الهجينة، لم يبقَ على قيد الحياة سوى نحو 100 سمكة بعد مرور شهر من الفقس. العلماء لاحظوا أن خصائص هذه الأسماك الجديدة توزعت بنسب متفاوتة: فبعضها أُحْتفظ بتوزيع جيني متوازن تقريباً بين الحفش والبادل، بينما ظهر على بعضها الآخر تفوق الجينات الحفشية أو البادلية. الأغرب، أن جميع "السيردلفيش" غذاؤهم صار يعتمد على تناول الرخويات والقشريات مثل أمهم الحفش، ولم يرثوا الميل لطعام البادل الذي يفضل العوالق الحيوانية الدقيقة.


الصدفة العلمية أم قفزة بيولوجية؟

هذه النتيجة الطريفة تربط بوضوح بين حدود التدخل البشري في تناسل الحيوانات البرية وما قد تؤول إليه الأبحاث التجريبية أحياناً. فالباحث الرئيسي عتيلا موزر علّق قائلاً إن الفريق لم يكن يخطط مطلقاً لخوض تجربة التهجين هذه، بل إن نتيجة اندماج المادة الوراثية كانت "غير مقصودة بتاتاً". وهو ما يفتح نقاشاً قديماً جديداً عن المخاطر والفوائد المحتملة للتجارب الجينية، خصوصاً عند التعامل مع أنواع مهددة بالانقراض.

ورغم ما أثارته هذه التجربة من دهشة، يوضح فريق العمل العلمي أنه لا توجد لديهم أي خطط لإنتاج المزيد من أسماك السيردلفيش مستقبلاً. لقد اعتبروا الأمر حدثاً عابراً وليس بداية لأي مشروع استزراع جديد. فكل الأنظار يجب أن تبقى منصبة – بحسب قولهم – على الهدف الأساسي وهو حماية الأنواع الأصلية كالحفش الروسي من الاندثار، بعيداً عن مغامرات التهجين الخطيرة.

القصة إذن درس حي على أن نتائج الأبحاث العلمية ليست دائماً كما يخطط لها الجميع. ففي كل زاوية من المختبر احتمال لاكتشاف غير متوقع، ربما يحمل فرصاً علمية ثمينة أو ينذر بتعقيدات أخلاقية وبيئية غير محسوبة.

وخلاصة القول، قصة ولادة السيردلفيش جاءت نتيجة خطأ علمي فتح باباً للتفكير في حدود عمليات استنساخ الأسماك وتربية الثروة الحيوانية المائية. فمع تقدم تقنيات المختبرات البيولوجية وتزايد التجريب على الكائنات المهددة، يبقى الأمل ألا تمثل هذه الحوادث تهديداً جديداً، بل درساً إضافياً يسلط الضوء على ذكاء الطبيعة وحدود التدخل البشري في الكود الوراثي للحياة البحرية.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.