ناسا تكشف: الحياة الميكروبية ربما بدأت في سيريس قبل أن تفكر الأرض بذلك!
3 د
كوكب سيريس كان يمتلك مياه وجزيئات عضوية وطاقة كيميائية لدعم الحياة.
أظهرت البيانات أن سيريس كان لديه محيط داخلي نشط محتوى على محاليل ملحية.
الطاقة الكيميائية من النشاط الإشعاعي ساعدت على تدفق المياه والعناصر المغذية.
اليوم، سيريس فقد نشاطه الداخلي وحرارته، وأصبح كوكبًا باردًا وجافًا.
يظل سيريس مفتاحًا لفهم تطور البيئات الحياتية المحتملة في النظام الشمسي.
تخيل أن أحد الكواكب القزمة، المختبئ في قلب حزام الكويكبات بين المريخ والمشتري، قد يكون في زمن سابق احتضن بيئة صالحة للحياة. هذا ما كشفته دراسة حديثة أجرتها وكالة الفضاء الأمريكية ناسا حول كوكب "سيريس" المعروف بسطحه المتلألئ وأسراره العميقة. فقد أعلنت الوكالة أن سيريس جمع في ماضيه كافة مقومات الحياة: المياه، الجزيئات العضوية، والطاقة الكيميائية الضرورية لنشوء الكائنات الدقيقة.
نتائج أحدث الأبحاث: حياة كامنة في الماضي
في نتائج نشرتها مجلة "ساينس أدفانسز"، يستند العلماء إلى بيانات حصلوا عليها من مهمة "داون" الفضائية نحو سيريس. تؤكد هذه البيانات أن الكوكب القزم امتلك منذ مليارات السنين مصدراً مستمراً للطاقة الكيميائية، قادراً على تغذية أشكال مبسطة من الحياة. ورغم أنه لم يُعثر على دلائل مباشرة تثبت وجود الحياة فعلاً هناك، فإن توفر الماء ووجود مركبات عضوية مع طاقة مستدامة من تفاعل الصخور والماء يصنع بيئة واعدة لأي كائنات مجهرية كانت تحلم بالظهور على سطح هذا العالم البعيد. وبهذا يمهّد سيريس الطريق أمام العلماء لتصور أشكال الحياة الفضائية الصغيرة وتاريخها الزمني في نظامنا الشمسي.
لا تتوقف أهمية هذه النتائج عند حد المياه والجزيئات، بل تحملنا الخطوة التالية لاكتشاف علاقة تنوّع السطح لديهم بطبيعة سيريس الداخلية.
باطن نشِط وسطح يروي الحكاية
على سطح سيريس، لاحظ الباحثون بقعاً مالحة وميزات جيولوجية تدل على بقايا محاليل ملحية نشطة ومواد عضوية منبعثة من الباطن. تكمن أهمية هذه العناصر في أنها تشكل في الأرض الركائز الأساسية للحياة. فالمعادلات الحرارية والكيميائية التي وضعها العلماء بينت أن المحيط الداخلي لسيريس ظل نشطاً منذ مليارات السنين، حيث صعدت المياه الساخنة التي تسيل من قلبه الصخري نحو الأعلى، محملة بعناصر مغذية وأكسدة تشبه تلك التي تعتمد عليها البكتيريا حول الفتحات البركانية تحت المحيطات الأرضية. ويشير ذلك إلى أن الطاقة الكيميائية كانت في متناول أي كائن حي متطلب، مما يمنح سيريس لقب “العالم الذي كان يحتضن الحياة”، كما يقول العلماء.
وهنا يبرز سؤال مهم: ما مصدر هذه الطاقة التي استمرت لفترات طويلة في سيريس؟
الطاقة الحرارية من عمق الكوكب
السر يكمن في النشاط الإشعاعي الطبيعي داخل الصخور. فطاقته الناتجة عند تحلّل العناصر المشعة في قلب سيريس، وفرت حرارة كافية لحفظ المياه الداخلية سائلة لفترات تمتد لملايين السنين. هذه الحرارة الداخلية أبقت المحيط تحت القشرة نشطًا لعصور، مما ساعد على استمرار تدفق العناصر المغذية واستدامة النظام البيئي الكيميائي. على الأرض، ترتبط هذه الظواهر بفتحات المياه الحارة التي تعج بالبكتيريا والكائنات النادرة، وتثبت التجربة أن وجود حرارة مع مياه ومواد عضوية ممكن أن يطلق شرارة الحياة حتى في أعماق الفضاء.
وهذا بدوره يرسم معالم سيناريو يحتمل أن يمتد إلى كواكب وأقمار جليدية أخرى في النظام الشمسي، ما يجعل من سيريس نموذجاً محورياً في الرحلة العلمية نحو فهم أسرار الحياة الكونية.
ماذا بقي من تلك البيئة الحية؟
ومع توفر هذه الحلقات المترابطة، ألا يجدر بنا التساؤل: هل ما زال سيريس يحتفظ ببيئته هذه؟ على مر الزمن، انخفض النشاط الحراري تدريجياً وتحوّلت المياه تحت السطح إلى جليد، بينما خفتت الحركة الداخلية. اليوم لم يعد سيريس نشطاً كما كان، فماضيه الدافئ انقضى لصالح كوكب بارد وقاحل نسبياً، دون نشاط باطني يدعم تدفق المياه أو الطاقة كما في السابق.
بل رغم ذلك، يبقى سيريس شاهداً بارزاً ومخزوناً غنياً لمعلومات تطلعنا على مرحلة نشوء الظروف الحياتية في أماكن متجمدة من النظام الشمسي. وتتيح دراسة هذا الكوكب القزم، من خلال المركبات الفضائية والتلسكوبات، استشراف مصير الكواكب المتجمدة الأخرى وفهم إمكانية نشوء الحياة خارج الأرض.
في الختام، ترسم الأبحاث الجديدة حول سيريس لوحة آسرة لعالم كان يحتضن مقومات الحياة في الماضي البعيد. وبينما تجمدت محيطاته وانطفأت حرارته، يظل يحمل مفاتيح فهم تطور البيئات القابلة للحياة في أرجاء نظامنا الشمسي. لكل متابع للفضاء وأسراره، سيريس اليوم لا يقدم لنا فقط دروساً علمية بل أيضاً خيالاً خصباً حول نشأة الحياة في أبعد زوايا الكون.
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.