العلماء مخطئون: المشتري لم يولد من انفجار… بل من تراكم هادئ عبر الزمن

3 د
تشير دراسة حديثة إلى أن قلب المشتري تشكّل ببطء وليس عبر اصطدام هائل.
أظهرت محاكاة باستخدام حاسوب عملاق أن المواد الثقيل تتراكم تدريجياً.
تغيّر النتائج فهم العلماء لبنية وتكوين الكواكب الغازية العملاقة.
هذه الاكتشافات تسلّط الضوء على تنوع وتكوين الكواكب خارج النظام الشمسي.
المشتري يظل مختبراً كونياً يثير الاستكشاف والدهشة حول النظام الشمسي.
لطالما أسَرَ كوكب المشتري خيال البشر، ليس بحجمه وضخامته فقط، بل أيضاً بلغزه العميق حول بنية قلبه الداخلية. رحلة البحث عن سر هذا العملاق أخذت العلماء اليوم إلى مكان غير متوقع، إذ تشير دراسة حديثة إلى أن فرضية الاصطدام الكوني الهائل التي اعتقد العلماء طويلاً أنها وراء تكوين قلب المشتري قد لا تكون صحيحة.
منذ سنوات كان الاعتقاد السائد أن المشتري مرّ بتصادم كارثي مع كوكب بدائي آخر، أدى إلى خلط مكوّنات قلبه مع طبقاته الأخرى، مشكّلاً بذلك قلباً داخلياً ضبابياً أو "مخففاً". لكن البحث الجديد، المنشور في مجلة الجمعية الفلكية الملكية، يقلب هذه الفكرة رأساً على عقب، ويقترح أن قلب المشتري لم ينشأ بفعل حادثة مفاجئة عنيفة، بل هو نتاج تراكمي رصين على مدى ملايين السنين، إذ امتص الكوكب مواد ثقيلة مثل الصخور والجليد إلى جانب الغازات الأخف مثل الهيدروجين والهيليوم خلال مراحل تشكّله.
ولفهم تعقيدات هذا التحول الكبير، لجأ فريق بحثي دولي مشترك بين جامعة درم البريطانية ووكالات فضاء مثل ناسا ومعهد SETI إلى تقنيات المحاكاة الفائقة باستخدام حاسوب عملاق (سوبركمبيوتر) يُسمى COSMA وبرمجيات SWIFT المتطورة. جرت عمليات المحاكاة بدقة غير مسبوقة لدراسة سيناريوهات اصطدام الكواكب، مع الحرص على محاكاة تداخل المواد الخفيفة والثقيلة في قلب المشتري. وهنا تتضح أهمية هذه التقنية الحديثة في توفير صور أدق لبنية الكواكب العملاقة الغازية فائقة الكتلة، إذ تضطر الأبحاث التقليدية للاعتماد على مقاييس أوسع وأقل وضوحاً.
وبالرغم من أن فرضية الاصطدام كانت تبدو منطقية سابقاً، إلا أن نتائج هذه النماذج أكدت أن المواد الثقيلة التي تتحرّك بفعل اصطدام هائل تعود سريعاً إلى الاستقرار في مركز الكوكب، تاركة حدوداً واضحة بين القلب الصلب والغلاف الغازي، ولا تنتج تلك المنطقة الانتقالية "المائعة" التي رصدها مسبار جونو التابع لوكالة ناسا خلال استكشافه للمشتري. بذلك اكتشف الباحثون أن تشكل القلب "المخفف" أو الضبابي لا يحتاج إلى كارثة سماوية، بل يتطور تدريجياً بينما يلتقط الكوكب المواد شيئاً فشيئاً خلال نموّه. وهذا يربط مباشرة بين تركيبة المشتري الغريبة ونفس العمليات التي يمر بها كوكب مشابه مثل زحل، حيث أظهرت الأدلة الحديثة أن لديه هو الآخر قلباً غير متجانس البنية.
ومن المؤكد أن هذه النتائج تغيّر نظرتنا لكيفية ولادة الكواكب العملاقة في نظامنا الشمسي وخارجه. فعلى عكس ما كان يُتصوّر سابقاً، تبدو فكرة القلب المركزّي المتجانس غير دقيقة، وبدلاً من ذلك يجب التعامل مع الكواكب الغازية الضخمة باعتبارها موائد اختبار علمية لفهم تطور المواد الثقيلة والخفيفة في البيئات الفضائية القاسية.
بهذا الضوء الجديد على المشتري وزحل، قد تنعكس هذه الفكرة أيضاً على فهمنا للكواكب الشبيهة خارج المجموعة الشمسية، والمعروفة باسم الكواكب الخارجية، أو exoplanets. إذا كانت القلوب المخففة ليست ناتجة عن أحداث نادرة جداً، فقد يكون من الشائع وجود مثل هذه البُنى المعقدة في أعماق الكواكب العملاقة في أماكن بعيدة حول نجوم أخرى. وبالتالي، تفتح الدراسة أبواباً واسعة للبحث والتخمين حول التنوع الهائل في تكوين الكواكب.
وباختصار، يواصل كوكب المشتري مفاجأتنا من جديد، ليعيد العلماء النظر في نظرياتهم القديمة حول تكوين الكواكب العملاقة. فقد كشف البحث الحديث أن المسار البطيء لنشوء المشتري – عبر جمعه بين المواد الثقيلة والخفيفة ببطء – هو مفتاح قلبه الغامض وليس الاصطدام المدَمّر. لذا، يظل المشتري مختبراً كونيّاً حيّاً يطلعنا كل حين على أسرار جديدة عن أصل النظام الشمسي، ويحرّك رغبة البشر الدائمة في الاستكشاف والدهشة.
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.