ورقة اصطناعية تحاكي الطبيعة… وتحول ثاني أكسيد الكربون إلى وقود!
3 د
كشف باحثون في جامعة واترلو عن "ورقة صناعية" تحول ثاني أكسيد الكربون لوقود.
استُلهمت التقنية من عملية التركيب الضوئي الطبيعية في النباتات الخضراء.
تنتج العملية الأكسجين والميثانول كوقود باستخدام أكسيد النحاس والضوء الاصطناعي.
تعزز الابتكارات البيئية فرص استخدام الوقود النظيف وتمديد زمن التحول للطاقة المتجددة.
الهدف المستقبلي هو زيادة إنتاج الميثانول وتوسيع نطاق التقنية للاستخدام الصناعي.
بينما تتفاقم أزمة المناخ يومًا بعد يوم، بات واضحًا أن تقليل الانبعاثات وحده لم يعد كافيًا لإنقاذ الكوكب، فالمطلوب اليوم سعي حثيث ليس فقط لوقف ضخ المزيد من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، بل أيضًا إزالة ما تراكم منه عبر الزمن. في هذا الإطار، كشف فريق دولي من الباحثين في جامعة واترلو الكندية عن ابتكار مذهل: "ورقة صناعية" قادرة على تحويل ثاني أكسيد الكربون من الهواء إلى وقود مفيد، في خطوة تقارب السحر العلمي وتحاكي قدرات النباتات الخضراء.
بعين المراقب لكوارث الاحتباس الحراري، يجدر بنا أن نتطرق إلى تقنية الالتقاط الكربوني التي لجأت للذكاء المستوحى من الطبيعة على يد باحثين بقيادة ييمن وو مركز المواد النانوية بمعهد أرجون ومجموعة مختبرات كندية وباحثين من جامعة سيتي في هونغ كونغ، حيث قاموا بنشر نتائج عملهم مؤخرًا في إحدى دوريات نيتشر العلمية. الفكرة الأساسية هي الاستفادة من عملية مشابهة للتركيب الضوئي في النباتات، تلك العملية الحيوية التي تحول بواسطتها الكائنات الخضراء غاز الكربون والماء إلى غذاء وطاقة وأكسجين عبر امتصاص ضوء الشمس بواسطة الكلوروفيل.
وهنا تصل القصة إلى محطتها التالية حيث صنع العلماء ورقة صناعية من مادة أكسيد النحاس الأحادي، ويكفي أن نعرف أنها مسحوق أحمر زهيد التكلفة تم تحضيره بطريقة مخبرية تضمن له عدداً كبيراً من الحبيبات ثمانية الأوجه. تتشكل هذه المادة عبر سلسلة تفاعلات بين الجلوكوز وأملاح النحاس وبعض المركبات القاعدية، توضع جميعها في ماء مسخن لدرجة محددة بدقة. بعد ذلك، يضاف المسحوق إلى الماء ويُضخ فيه غاز ثاني أكسيد الكربون، بينما يسلط ضوء الشمس الاصطناعي على المحلول فيحدث التحول.
من الطبيعة إلى المختبر: التنفس الاصطناعي للكوكب
وأهم ما في هذه العملية الكيميائية الحيوية أنها تنتج الأكسجين مثلما تفعل الأشجار في الطبيعة، لكن بالإضافة إلى ذلك تُخرج لنا الميثانول، وهو مركب كحولي يمكن استخدامه كوقود. وبفضل انخفاض نقطة غليان الميثانول مقارنة بالماء، يمكن فصله بسهولة عبر التبخير. هكذا، يتحقق حلم الجمع بين التخفيف من انبعاثات الكربون وإنتاج بدائل وقود سائلة قد تخدم النقل والصناعة في مرحلة انتقالية حتى تحقيق الحياد الكربوني الكامل.
ولتعزيز الصورة الكبرى لهذا السباق العلمي، نشير هنا إلى تجارب شبيهة بمختبرات كبرى حول العالم. ففي جامعة كامبريدج البريطانية على سبيل المثال، طوّر فريق جهازًا يحول الكربون الضار إلى "غاز اصطناعي" يُستخدم لإنتاج أنواع وقود بديلة ومواد كيماوية متعددة. كما تابع باحثون في جامعة كولومبيا الأميركية مشروع "الشجرة الاصطناعية" التي تلتقط الكربون بكفاءة أعلى من النباتات آلاف المرات، تمهيدًا لتحويله إلى أنواع وقود حيوي.
معالجة أزمة المناخ... خطوة على الدرب الطويل
ولا شك أن لإزالة الغازات الدفيئة - لاسيّما ثاني أكسيد الكربون المسؤول الأول عن الاحترار العالمي - من الهواء آثارٌ جذرية في تخفيف وتيرة التغير المناخي، كما أن التكنولوجيا الجديدة تمنح البشرية فرصة للاستفادة من وقود نظيف في السيارات ووسائل النقل التقليدية، مما يتيح فسحة أكبر من الوقت لتطوير بنية تحتية تعتمد بالكامل على مصادر الطاقة المتجددة.
وفي ختام هذا السباق المحموم مع التغير المناخي، يؤكد الباحثون أن الهدف المقبل هو زيادة إنتاجية الميثانول وتوسيع قدرة التقنية للاستخدام الصناعي على نطاق واسع، مع إمكان تطويرها لإمداد أسواق الطاقة بأنواع وقود منخفض الكربون. وبينما تتنامى الحاجة للابتكارات البيئية، يبدو أن هذه الورقة الصناعية وما يشابهها من حلول تمثل بصيص أمل حقيقي في معركتنا الجماعية من أجل بيئة أنظف ومستقبل أكثر استدامة.
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.