القطب الجنوبي يذوب أسرع من المتوقع… ومستقبلنا في خطر!
3 د
تشهد القارة القطبية الجنوبية تحولات سريعة تزيد مخاوف تغير المناخ.
بدأت مساحة الجليد بالانحسار بوتيرة أسرع من المتوقع مسبقًا.
للجليد دور محوري في استقرار المناخ وتبريد التيارات البحرية.
التغيرات تهدد بحياة الحيوانات وارتفاع منسوب البحر عالمياً.
يستدعي الوضع خفض الانبعاثات والاستعداد للتأقلم مع المتغيرات المستقبلية.
في السنوات الأخيرة، خرجت القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) من دائرة الأماكن الهادئة والثابتة لتصبح أحد المناطق الأكثر تغيرًا وقلقًا على كوكب الأرض، وفقاً لدراسة حديثة منشورة في مجلة "نيتشر". هذه المساحة الجليدية التي كانت تُعتبر يوماً معزولة عن أزمات المناخ، تشهد الآن تحولات مفاجئة تصيب توازنها الدقيق وتلقي بظلالها على مستقبل العالم بالكامل.
تسارع غير مسبوق في ذوبان الجليد
لعلك لاحظت كيف أصبحت صور ذوبان الجليد القطبي واحدة من أكثر مشاهد التغير المناخي شهرة، إلا أن ما يحصل مؤخراً في أنتاركتيكا تجاوز حدود التوقعات العلمية السابقة. الدراسة الجديدة تؤكد أن طبقات الجليد الضخمة والرفوف الجليدية العائمة بدأت بالانحسار بشكل سريع، كما أن مساحة الجليد البحري تتقلص بوتيرة هي ضعف ما يحدث في المنطقة القطبية الشمالية.
وقد لاحظ الباحثون أن درجة هذه التغييرات ليست تدريجية؛ بل تتسم بنوع من "التغيرات المفاجئة"، وهو مصطلح يستخدم لوصف انقلابات سريعة في النظام البيئي أو المناخي يصعب وقفها أو عكسها بمجرد انطلاقها. هذا التسارع يُنذر بآثار عميقة تمتد من تهديد المستعمرات الحيوانية كطائر البطريق الإمبراطور وحتى الارتفاع المتوقع في مناسيب البحار حول العالم.
الجليد القطبي وسلسلة التأثيرات العالمية
من الطبيعي أن نتساءل: كيف تؤثر هذه التحولات البعيدة في أقصى جنوب الأرض على أنماط الحياة في بقية العالم؟ في الواقع، لجليد القارة القطبية الجنوبية دور محوري في استقرار المناخ، إذ يعمل كدرع يعكس أشعة الشمس (ظاهرة "البياض" أو الألبيدو)، وفي الوقت نفسه يساهم في تبريد التيارات البحرية الضخمة، مثل "دوران المياه العميق". توقف أو بطء هذه التيارات يحمل معه خطراً حقيقياً بتغير توزيع الكربون والأكسجين في المحيطات، مما يهدد السلسلة الغذائية في البحار ويؤثر في الظواهر المناخية العالمية مثل موجات الجفاف والفيضانات.
وهذا يقودنا إلى الرابط بين انحسار الجليد القطبي وتفاقم المخاطر على المدن الساحلية وغيرها من التجمعات البشرية، إذ تؤكد التقديرات الحديثة أن مئات الملايين من البشر ممن يسكنون المناطق المنخفضة معرضون لارتفاع منسوب البحر مستقبلاً بوتيرة يصعب التنبؤ بها بدقة.
علامات واضحة لتغيرات جذرية
الأمر المثير للقلق أن الباحثين رصدوا بالفعل بدايات ما يسمى بنقاط التحول أو "التغيرات غير القابلة للعكس" في أنظمة أنتاركتيكا الطبيعية. مثلاً، حذّر العلماء من أن الصفائح الجليدية الغربية يمكن أن تنهار خلال قرون مقبلة حتى من دون ارتفاعات إضافية كبيرة في درجات الحرارة. كارثة كهذه كفيلة بأن ترفع منسوب البحار بأكثر من خمسة أمتار، مع ما يعنيه ذلك من فيضانات وتحديات بنية تحتية هائلة لدول كثيرة. وربما ما يزيد خطورة المشهد هو ارتباط التغيرات السريعة بباقي أنظمة المناخ العالمي، حيث لاحظوا علامات على تباطؤ دورات المحيط الجنوبي، مما يؤدي إلى تركيز المغذيات في الأعماق، ويؤثر على حياة الكائنات البحرية وصحة المنظومات البيئية.
وبالانتقال إلى مدى تأثير هذه التحولات على الحياة الفطرية، يتجلى أن أنماط التكيف لدى الحيوانات والنباتات في أنتاركتيكا مهددة بالفعل، ليس بفعل الحرارة وحدها، بل أيضاً بسبب النشاط البشري وظهور ملوثات وأنواع غازية دخيلة على البيئة القطبية.
العالم لا يبقى بمنأى: الحاجة لتحرك سريع
وهذا كله يعيدنا لجذور المشكلة: استمرار انبعاثات الغازات الدفيئة والسياسات غير الكافية. العلماء يستخلصون في دراستهم أن وقف مسار التدهور الحالي يستدعي خفضاً سريعاً وجذرياً للانبعاثات، للحد من ارتفاع حرارة الأرض إلى أقرب ما يكون من 1.5 درجة مئوية، وهو الهدف الذي تنص عليه اتفاقية باريس للمناخ. ومع ذلك، يشدد الخبراء على أن بعض التغيرات قد أصبحت أمراً واقعاً ويجب الاستعداد للتأقلم معها من خلال تطوير البنية التحتية الساحلية ووضع خطط لحماية السكان والنظم البيئية.
باختصار، ما يحدث اليوم في القارة القطبية الجنوبية ليس حدثاً منعزلاً. القصة أكبر من البطاريق والثلوج؛ إنها قضية تمس استقرار المناخ، ووفرة الغذاء، وأمن الملايين من الناس حول العالم. أمامنا قرار مهم: إما أن نتجه لمزيد من التدهور الذي يصعب وقفه، أو نتحرك بذكاء لإدارة ما هو قادم والتكيف مع وقائع جديدة فرضتها أنتاركتيكا المتغيرة.
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.