ذكاء اصطناعي

الموت الوهمي… خدعة الضفادع لتفادي التزاوج

ملاذ المدني
ملاذ المدني

3 د

تدعي إناث الضفادع الموت للهروب من تزاوج غير مرغوب.

التزاوج يحدث ضغطًا كبيرًا يدفع نحو تكتيكات البقاء.

أكثر من 80% من الإناث لجأن إلى التظاهر بالموت.

نصف الإناث نجحن في الإفلات باستخدام الحركات والصيحات.

نتائج الدراسة تساهم في تحسين حماية الضفادع وتكشف عن تكيفات مذهلة.

من كان يصدق أن عالم الضفادع يحفل بحيل لا تخطر على البال؟ هكذا كشفت دراسة علمية حديثة جانباً مذهلاً من سلوك إناث الضفادع الشائعة في أوروبا، إذ تبين أنها قادرة على التظاهر بالموت للهروب من ضغوط الذكور الساعين للتزاوج خلال موسم التكاثر المزدحم.


خدع ذكية من أجل البقاء

وسط التجمعات الكثيفة التي تشهدها البرك في فصل الربيع، تتنافس أعداد هائلة من ذكور الضفادع على عدد قليل من الإناث، فيما يُشبه سباقاً محموماً للبقاء. وبسبب محدودية الوقت، يصبح موسم التزاوج لدى الضفادع الشائعة حدثاً "انفجارياً"، حيث تتصاعد حمى التنافس بين الذكور بشكل يؤدي أحياناً إلى خطر يهدد حياة الإناث فعلاً. ومن هنا، ابتكرت الضفادع حِيَلاً عبقرية لمقاومة الضغوط الهائلة، تتنوع بين إصدار نداءات خاصة، وإطلاق أصوات تشبه الحشرجة أو الزقزقة، والتدحرج على الظهر. المثير أن نحو ثلث الإناث تخطى كل ذلك إلى خطوة جريئة: التظاهر بالموت بجمود تام! وتكمن أهمية هذه الحيلة في قدرتها على خداع الذكور ودفعهم للتخلي عن الإناث، ما يمنحها فرصة للنجاة. وهذا الترابط بين حاجتها للبقاء وسلوكها الدفاعي يُبيّن كيف تسهم أساليب "التمويه" و"الجمود" في مواجهة تحديات الحياة البرية.


نتائج غير متوقعة من قلب البركة

لعل اللافت في نتائج الدراسة الجديدة، التي أُجريت في معهد ليبنيز الألماني لعلم الأحياء، أن أكثر من 80 بالمئة من الإناث المختبرات لجأن إلى حركة التدحرج على الظهر عندما أمسك بهن الذكور. هذه الحركة الحادة تؤدي إلى وضع الذكر المتمسك على ظهر الأنثى تحت الماء، فيضطر غالباً إلى الإفلات. أما النصف الآخر من الإناث، فقد لجأن إلى إصدار أصوات غريبة تشبه النخير أو الصيحات العالية، كوسيلة للتحذير وإبعاد الذكور المتطفلين. وما يزيد غرابة المشهد أن نحو ثلث الإناث خضن تجربة الجمود الكامل وبقيْن بلا حراك لأكثر من دقيقتين، وكأنهن فارقن الحياة بالفعل! وهذا يفتح باب التساؤل حول ما إذا كان هذا السلوك قراراً واعياً أم مجرد استجابة لا إرادية للضغط النفسي، خاصة أن الإناث الأصغر سناً أظهرن درجة أعلى من "التمثيل الاحترافي" مقارنة بالكبيرات، وكنّ أكثر لجوءاً لهذا النوع من الحيلة.


تكتيكات دفاعية تشبه حيل الطوارئ

وبالانتقال من تفاصيل التجربة إلى الدلالات الأوسع، يظهر كيف أن استراتيجية "ادعاء الموت" والتي تُعرف علمياً بمصطلح "tonic immobility"، ليست مقتصرة على الضفادع وحدها في عالم الحيوان، بل تُستخدم أحياناً من قِبل أنواع أخرى للهروب من الحيوانات المفترسة، مثل بعض الثدييات والزواحف. لكن الجديد هنا أن إناث الضفادع الشائعة تبنّت هذه الخدعة أساساً لتفادي تكاثر غير مرغوب فيه، وليس للهروب من افتراس مباشر. إذن فالتنوع في أساليب الحماية الذاتية عند الكائنات الحية يكشف طيفاً واسعاً من السلوكيات التطورية المدفوعة بالخطر ومستقبل النوع.


نصف الإناث ينجحن في الهروب

جدير بالذكر أن نتائج علماء الأحياء أوضحت أن نحو نصف الإناث المدرَجة في التجربة نجحن بالفعل في الإفلات من قبضة الذكور، بفضل تلك الأساليب المبتكرة. هذا النجاح يجعل من موسم التزاوج معركة بقاء حقيقية، تخوضها الإناث بالدهاء والمرونة تارة، وباللجوء إلى الحيل النفسية تارة أخرى. واللافت هنا كيف أن ضفادع أوروبا الشائعة تضيف باباً جديداً لفهمنا لسلوكيات الحيوانات البرمائية، وتثير تساؤلات حول أثر الضغوط البيئية وطبيعة المنافسة على توازن الأنواع.

ذو صلة

آفاق جديدة في علم السلوك وحماية البرمائيات
بفضل هذه النتائج الغنية، يأمل الباحثون أن تتحسن جهود حماية الضفادع لاحقاً، خاصة وأن فترات التزاحم الشديد تعرض إناث الضفادع إلى مخاطر مضاعفة. وقد يفتح البحث الطريق لفهم أعمق لآليات التكيف، ليس فقط عند الضفادع، بل لدى العديد من الكائنات البرية التي تلجأ لحيل الدفاع الذكي في أصعب الظروف. وهذه الرؤية المليئة بالدهشة تربط بين دقة سلوكيات الضفادع وتطور آليات البقاء في عالم الطبيعة القاسي.

هكذا تكشف لنا الضفادع جانباً خفياً مدهشاً من صراع الحياة، حيث لا يُحسب البقاء للأقوى أو للأسرع فقط، بل لمن أتقن فن التظاهر والمراوغة أيضاً. وتبقى دراسات علم الحيوان تفتح لنا نافذة على عوالم غامضة، تؤكد أن كل مخلوق صغير يملك أدوات دفاعية مذهلة تستحق الإعجاب والتأمل.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة