زراعة خلايا جذعية بلا كيماوي أو إشعاع… اختراق طبي غير مسبوق

4 د
تمكّن فريق طبي في ستانفورد من تطوير علاج خلايا جذعية دون الكيميائي أو الإشعاعي السام.
يعتمد العلاج على أجسام مضادة تستهدف بروتين CD117 لإزالة الخلايا المريضة بأمان.
يزيد استخدام هذه التقنية فرص إيجاد تطابق للزراعة من المتبرعين بما فيهم الأبوين.
نجحت التجارب الأولية في تحسين حالات مرضى اضطرابات الدم مثل فقر الدم فانكوني.
تُبشر الأبحاث بمستقبل طبي جديد للزراعة فيما تصف التحضيرات بأنها لطيفة وآمنة.
هل تخيلت يوماً أن العلاج بالخلايا الجذعية يمكن أن يصبح آمناً وفعالاً دون أن يضطر المرضى لتحمل العلاج الكيمياوي الشاق أو الإشعاع المؤلم؟ في جامعة ستانفورد الأمريكية، تمكن فريق طبي من تحقيق هذا الأمل عبر تجربة سريرية رائدة من المرحلة الأولى، إذ تمكّنوا من تطوير علاج جديد يعتمد على أجسام مضادة، أتاح إعداد المرضى لزراعة الخلايا الجذعية دون الحاجة لاستخدام المواد السامة المعتادة. هذا النجاح لا يقدم أملاً جديداً لمرضى اضطرابات الدم الوراثية فحسب، بل يفتح باباً لثورة في مجال الطب التجديدي.
في قلب هذه الدراسة، كان التركيز على الأطفال الذين يعانون من فقر الدم فانكوني، وهو اضطراب وراثي نادر يضعف قدرة الجسم على إنتاج خلايا الدم، ويجعل العلاج التقليدي بزراعة النخاع العظمي أمراً بالغ الخطورة. من المعروف أن تحضير الجسم لتقبل نخاع جديد يتطلب إزالة نخاع العظم المريض، ويتم ذلك غالباً عبر العلاج الكيماوي (مثل البوسلفان) أو الإشعاع، وكلاهما يحمل آثاراً جانبية قاسية كالتسمم، السرطان، وضعف المناعة. لكن في التجربة الجديدة، استخدم الفريق الطبي جسماً مضاداً موجهاً ضد بروتين يدعى CD117، والذي يتواجد على سطح الخلايا الجذعية الدموية. هذا الجسم المضاد - واسمه العلمي بريكويليماب - عمل على القضاء على الخلايا الجذعية المريضة دون الإضرار الشديد بأنسجة الجسم الأخرى.
وهذا التحول فتح المجال للانتقال للحديث عن واحدة من العقبات الأزلية في زراعة الخلايا الجذعية، وهي صعوبة إيجاد متبرع مطابق تماماً للمريض. تقليدياً كان ثلث المرضى يفقدون فرصة العلاج لعدم توفر متبرع مناسب. الفريق في ستانفورد لجأ إلى تقنية أخرى مهمة: تنقية النخاع العظمي المتبرع به حتى يتركز فقط في الخلايا الجذعية الدموية (CD34+) مع إزالة نوع محدد من خلايا المناعة (خلايا T ألفا/بيتا)، وهي المسؤولة عن رفض الجسم أو ما يسمى بمرض "مهاجمة الطعم للمضيف". بذلك صار بإمكان المريض تقبل نخاع من أحد الأبوين، مثلاً، فزادت فرص الحصول على العلاج بنسبة هائلة.
ليست هذه الاكتشافات سوى نتيجة سنين طويلة من البحث والتطوير في مختبرات ستانفورد، حيث بدأ العمل على استهداف بروتين CD117 منذ عام 2004. وقد أظهرت الدراسات الأولى على الحيوانات كفاءة الأجسام المضادة في القضاء على الخلايا الجذعية دون الحاجة لأدوية سامة أو علاج إشعاعي. وبفضل التعاون بين فرق الأبحاث الطبية والهندسة الحيوية، توصل العلماء لصيغة مناسبة وقابلة للاستخدام البشري من الجسم المضاد المذكور، ما جعل التجربة السريرية أمراً ممكناً.
وهذا الربط بين أساليب التحضير اللطيف للجسم واستراتيجيات توسيع قاعدة المتبرعين جعل الزراعة أكثر أمناً وأقل تعقيداً. لنأخذ مثلاً الطفل رايدر بيكر، أول أطفال التجربة، والذي كان يعاني من تعب مزمن وضعف المناعة. بمجرد خضوعه للعلاج الجديد بمستشفى لوسيل باكارد للأطفال، لاحظ الأطباء وعائلته تغيراً دراماتيكياً، حيويته زادت، والتحق بفرق رياضية، ومعاناته القديمة من خطر العدوى أو النزيف صارت شيئاً من الماضي.
الفريق البحثي يتطلع لمستقبل قد تتوسع فيه هذه التجربة لمرضى آخرين، مثل أمراض فشل نخاع العظم الوراثية الأخرى كفقر دم دايموند-بلاكفان، وربما حتى بعض سرطانات الدم لدى المسنين ممن لا يتحملون العلاجات القاسية. صحيح أن بعض الحالات السرطانية ستظل بحاجة إلى العلاج الكيماوي أو الإشعاعي، لكن هذا الانتصار يبعث الأمل لدى مرضى كانوا من قبل يواجهون خطراً مزدوجاً من المرض والعلاج معاً.
إذا ربطنا بين هذه الابتكارات، نجد أن النهج الجديد لا يقتصر على استبدال بروتوكولات التحضير التقليدية، بل يؤسس لمفهوم جديد في زراعة النخاع: علاج أكثر لطفاً، ودائرة أوسع من المتبرعين، وخطر أقل من المضاعفات طويلة وقصيرة الأمد مثل الرفض أو الأمراض الثانوية. والأبحاث مستمرة حالياً في تجارب سريرية متقدمة، ما يبشر بنقلة نوعية قد يشعر بها آلاف المرضى في العالم العربي والعالم أجمع.
في الختام، وما بين الحديث عن زراعة الخلايا الجذعية والنقلة العلمية في طرق علاج اضطرابات الدم الوراثية، تثبت الأبحاث في ستانفورد أن الإبداع العلمي قادر على تحويل ما كان يبدو مستحيلاً إلى حقيقة تمنح المرضى الأمل في حياة صحية أفضل وأكثر أماناً. يبدو أن طب المستقبل بدأ يرسم ملامحه اليوم، وعسى أن ينتقل هذا النجاح قريباً من المختبرات إلى كافة المستشفيات حول العالم.
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.