أكبر كائن فقاري مضيء… قرش يتوهج في أعماق البحر

3 د
اكتشف العلماء قرش "الكايتفين" الذي يتلألأ في الظلام كأكبر فقاري مضيء.
يعيش الكايتفين في "منطقة الشفق" بالمحيط ويبلغ طوله نحو 1.
8 متر.
الإضاءة الحيوية عند القرش تساعده في الصيد والتمويه.
تختلف الإضاءة الحيوية عن التألق الحيوي، حيث يتم إنتاج الضوء داخليًا.
ما تزال الأسرار البحرية تكشف لنا عن قدرة الحياة على التكيف بطرق مذهلة.
في أعماق المحيطات المظلمة، حيث يعجز ضوء الشمس عن الوصول، كشف لنا العلم مفاجأة تضيء العتمة: قرش "الكايتفين" الذي يتلألأ في الظلام، ليحمل لقب أكبر كائن فقاري مضيء نعرفه حتى اليوم. يبدو أن أسرار قاع البحر لا تنضب، وهذا الاكتشاف الجديد يأخذنا في رحلة مشوقة نحو عالم الكائنات البحرية الغامض، حيث تتجلى قدرة الطبيعة على الإبداع، حتى في أبعد المناطق عن الأنظار.
من هو هذا الكائن المضيء في أعماق الظلمات؟ ببساطة، نتحدث عن نوع من أسماك القرش يُعرف علمياً باسم Dalatias licha، أو قرش الكايتفين. هذا القرش اكتُشف ضمن بحث حديث نُشر عام 2021 إلى جانب نوعين آخرين، هما قرش الفانوس الأسود وقرش الفانوس الجنوبي. لكن ما يميز الكايتفين تحديدا، هو حجمه الكبير الذي يبلغ نحو 1.8 متر، بالإضافة لقدرته المذهلة على إنتاج ضوء أزرق مخضر من خلايا خاصة في جلده. هذه الظاهرة تُسمى بــ"الإضاءة الحيوية"، وتعني قدرة الكائن الحي على إنتاج ضوءه بنفسه عبر تفاعلات كيميائية داخلية، وهي قدرة أبهرت العلماء وأثارت خيالهم على مر العقود.
ولا بد أن نركّز هنا أن الاكتشاف جاء بعد اصطياد هذه القروش من المنطقة المعروفة بـ"منطقة الشفق" في المحيط، وتحديدا من عمق يقارب 1000 متر تحت سطح البحر، في بيئة تندر فيها مصادر الضوء تماماً. عندها، وداخل المختبرات، وُضعت هذه الكائنات في أحواض معتمة فبدأت تتوهج وتضيء الحجرة، في مشهد وصفه أحد العلماء بأنه كان مذهلاً لدرجة البكاء من شدة الانفعال والدهشة. هذا يوضح لنا حجم التأثير الذي تركته لحظة الاكتشاف ليس فقط علمياً، بل وإنسانياً أيضاً.
استخدامات الإضاءة الحيوية في معركة البقاء
إذا كنت تتساءل عن الفائدة التي يجنيها القرش من هذه القدرة العجيبة، فأنت لست وحدك. الباحثون يعتقدون أن هذه الإضاءة تلعب دورًا كبيرًا في الصيد والإخفاء، إذ ربما تُمكّن القرش من تسليط الضوء الخافت على فرائسه، أو تساعده على التمويه والاندماج مع الإضاءة الخافتة القادمة من سطح الماء حتى لا يُكشف أمره للفرائس أو المفترسين. بيد أن هذه الفرضيات ما تزال بحاجة لدراسات إضافية لفهم العلاقة الكاملة بين الإضاءة الحيوية والتكيف في البيئات العميقة.
وانطلاقًا من هذا التحليل، نشير إلى أن الإضاءة الحيوية ليست مقصورة على القروش؛ بل تنتشر بين أنواع عديدة في أعماق البحار، وأشهرها قناديل البحر، بعض أنواع الأخطبوط والحبار، وحتى أنواع سمكية صغيرة. وتلعب هذه الظاهرة دوراً محورياً في النظام البيئي البحري وتواصل الكائنات الحية، وتُعد اليوم مفتاح فهمنا للتنوع الكبير في طرق التأقلم مع قسوة أعماق المحيطات.
الفرق بين الإضاءة الحيوية والتألق الحيوي
ومن المهم توضيح الفرق بين "الإضاءة الحيوية" و"التألق الحيوي". الإضاءة الحيوية تعني أن الكائن ينتج ضوءه بنفسه كتفاعل كيميائي داخلي – كما هو الحال مع قرش الكايتفين – أما التألق الحيوي فهو ظاهرة تظهر فقط عندما يتعرض الكائن لمصدر ضوء خارجي مثل الأشعة فوق البنفسجية فيتوهج عندها، لكنه لا يُطلق الضوء من تلقاء نفسه كما في الحالة الأولى. هذا التمييز يوضح لنا مدى تعقيد عالم الإضاءة في الكائنات البحرية ويزيد من إعجابنا به.
في خلاصة هذا المشهد، يبدو أن أعماق البحار تخبئ الكثير من الأسرار، وأن كل اكتشاف، مثل قرش الكايتفين المضيء، هو بوابة لأسئلة أكبر عن كيفية تكيّف الحياة مع البيئات القاسية، وعن التنوع البيولوجي الفريد الذي نجهله حتى اليوم. بينما يواصل العلماء بحثهم عن أسرار الإضاءة الحيوية، تظل هذه المخلوقات البحرية الغامضة تذكيرًا لنا بأن عالمنا ما يزال يحتفظ بكثير مما ينتظر أن نكتشفه – وربما لن تكون هذه آخر مرة تُدهشنا فيها مخلوقات ما تحت الأمواج بخدعها المضيئة.
هذا المشهد، إذن، يعيد إلينا شغف المعرفة ويدفعنا لمتابعة تطورات العلم حول أغرب سكان المحيطات، فربما يوماً ما نكون شهوداً على اكتشاف جديد، يضيء لنا عوالم لم نعرف عنها الكثير من قبل.
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.