الأحلام قد يتذكرها البعض، والبعض الآخر لا؛ فما السبب العلمي؟

الأحلام قد يتذكرها البعض، والبعض الآخر لا؛ فما السبب العلمي؟
أحمد عصمت
أحمد عصمت

6 د

يحاول الكثير من علماء الأعصاب دراسة الدماغ البشرى و ما يحدث للمناطق المختلفة بها أثناء القيام بالعمليات المختلفة من ضمنها النوم. وفي ضوء ذلك؛ ساهم الباحثون في فهم نشاط الدماغ وكونوا بعض الفرضيات والنظريات حول الأحلام، فالأحلام لدى العلماء تعتبر لغزاً كبيراً وهاماً في فهم الدماغ، فمشاهد متكررة مثل: التحليق مع الطيور، أسنان تسقط، سيكوباتي مجنون يطاردك، الوقوع من فوق مبنى مرتفع؛ نحلم بها دائماً.

فأحلامنا تنقلنا إلى عالم سريالي حيث لا يملك المنطق والعقل أي حكم. بل إن بعضنا قد يتطلع إلى النوم للهروب من الواقع ويقابل تلك المغامرات في أحلامه.

ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها وسنحاول أن نجيب عليها في هذا المقال هي: هل يقوم الجميع برحلة ليلية إلى أرض الأحلام؟ ولماذا يتذكر أغلبنا نحو حلم أو اثنين في الأسبوع وآخرون لا؟ هل الأشخاص الذين يمارسون حركات لا إرادية أثناء النوم هم بالضرورة غارقون في أحلامهم ويتذكرون ما قد يحدث لهم بعد الاستيقاظ؟

في دراسة تمت على عدد من الأشخاص الذين يعانون من اضطراب نوم حركة العين السريعة – Rapid eye movement sleep behavior disorder، حيث يكون المُصاب بهذا الاضطراب في حالة من الارتخاء العضلي الطبيعي الذي يحدث أثناء النوم؛ فيؤدى لمضاعفات سلوكية كالحركة أو إصدار الأصوات أو المشي أحياناً. وجدت بأن 289 شخصاً لم يتذكروا أي أحلام منذ عشر سنوات تقريباً بل والبعض الآخر لم يتذكر بأنه قد غرق في حلم ليوم واحد في حياته!

لكن هل يعني هذا بأن هؤلاء الأشخاص قد توقفت أدمغتهم عن إنتاج الأحلام؟ أم هل هناك خطأ ما في عقول هؤلاء؟

الإجابة: بالطبع لا. ولكن هؤلاء الأشخاص لم تسطع أدمغتهم تذكر أياً من الأحلام التي يحلمونها كل يوم. يقول البروفيسور إرنست هارتمان – Ernst Hartman (أستاذ الطب النفسي في جامعة تافتس – Tufts بالولايات المتحدة) بأن نسيان الأحلام أمر طبيعي، فنحن تقريباً ننسي كل أحلامنا بعد فترة وجيزة من الاستيقاظ؛ وذلك يرجع لبعض الظروف الكيميائية-العصبية التي تحدث بداخل الدماغ أثناء النوم.

لكن التفسير الأكثر دقة الذي يطرحه هارتمان، خاص بغياب هرمون نورإبينفرين- Norepinephrine في القشرة الدماغية – Cerebral Cortex والذي يعزز من الذاكرة لدي البشر، على الرغم بأنه محل جدال بين العلماء فمازالت الدراسات قائمة عليه.

الأحلام - نورإبينفرين- Norepinephrine

أما القاعدة العامة لدى هارتمان والعديد من العلماء هي أننا جيدون للغاية في نسيان الأشياء غير الضرورية، فكثير من الأفكار من حولنا التي تمر على أدمغتنا نفقدها بسهولة لأن الدماغ لم تعطِ لها الأهمية الكافية. فمثلاً هل تتذكر كيف كان شكلك في المرآة عند استيقاظك بالأمس؟ لكن تسطيع تذكر شكلك إن كان لديك موعد غرامي أو مقابلة مهمة مع أحدهم فأنت تقوم بعمل حركات تحفز منطقة في الدماغ تسمى بقشرة الفص الجبهي الظهرية – Dorsolateral prefrontal cortex والتي لها دور في تذكر الأحداث. فعندما تحلم بحلم ما ويقع به حدث يُثير تلك المنطقة فهي تستطيع الاحتفاظ بتفاصيله التي وقعت.


عالم الأعصاب رافايل فالت – Raphael Vallat المتخصص في الأحلام والنوم بجامعة كاليفورنيا، يخبرنا بأن الاستيقاظ يشبه الانتقال من الهواء إلى الماء، وأنت تحمل الرمال في يدك. إن حمل الرمال هو بمثابة الاحتفاظ بذكرى حلمك. وأنت تحاول الغوص في الماء دون أن تفقد أي رمل في يدك. والفكرة هي أنه من الصعب جداً الحفاظ على هذه الذاكرة الهشة لحلمك ولكن لسبب ما، بعضنا أفضل من الآخرين في التمسك بالأحلام. بينما لا يزال أمام العلم طريق طويل ليفهم ما يحلم به الأشخاص، يبدو أن الاختلافات في المخ، والخصائص الفردية، والجوانب المتعلقة بالأحلام نفسها تلعب جميعها دوراً.

عندما نبدأ في النوم ندخل في عدة مراحل للنوم وعلى هذه المراحل المختلفة يقل نشاط بعض المناطق في أدمغتنا تدريجياً. في دراسة تمت عام 2011 تُظهر بأن آخر منطقة يقف نشاطها في الدماغ أثناء النوم هي الهايبوكامبس – Hippocampus أو قرن آمون، وتلعب تلك المنطقة دوراً هاماً في نقل المعلومات من الذاكرة قصيرة المدى إلى الذاكرة طويلة المدى. استنتج الباحثون أن كانت تلك المنطقة آخر من يقف نشاطه أثناء النوم؛ إذاً فربما هي أيضاً آخر من يبدأ نشاطه عند الاستيقاظ.

الأحلام - الهايبوكامبس - Hippocampus

فعندما تستيقظ يكون قد تم تسجيل حلمك في الذاكرة قصيرة المدى ولكن بسبب عدم نشاط منطقة الهايبوكامبس بعد؛ فلن يتم انتقال الحلم من الذاكرة القصيرة إلى الطويلة ولذلك لا تستطيع الدماغ تذكر ما حدث.


نائم خفيف، حالم ثقيل؟

إذا كنت من الناس ذوو النوم الخفيف، فإن تذكر الأحلام قد يكون طبيعياً بالنسبة لك. في دراسة أجريت في عام 2017، اكتشف فالت وفريق من العلماء أن دماغ الأشخاص الحالمين تتفاعل أكثر مع الأصوات أثناء النوم، وهو ما يحدث من اختلافات في نشاط منطقة Temporoparietal Junction بسبب استقبالها للأصوات، وهي مركز لمعالجة المعلومات في الدماغ.

بالإضافة إلى أن الأشخاص ذوو النوم الخفيف أكثر ميلاً إلى الاستيقاظ ليلاً، ولديهم فترات أطول من اليقظة. فالاستيقاظ ليلاً ولو لمدة قصيرة -حوالي دقيقتين- وقت كاف لنقل الأحلام في الذاكرة طويلة المدى.

الأحلام - المادة الرمادية والمادة البيضاء في المخ

عندما يتعلق الأمر بالتفكير فإن المادة الرمادية – Gray matter والخلايا العصبية التي بالدماغ؛ تقود تلك العملية. وهي تغطى حوالي النصف في الدماغ. أما عندما يتعلق الأمر بتذكر الأحلام، يأتي الجزء الآخر، ألا وهو دور المادة البيضاء – White matter التي يحويها الدماغ أيضاً وتشكل النصف الآخر. لاستيعاب الأمر؛ فقط تخيل الدماغ كجهاز كمبيوتر سوف تكون المادة الرمادية هي المسؤولة عن معالجة البيانات التي تستقبلها فيه، أما المادة البيضاء تعمل ككابلات توصل تلك المعلومات ببعضها.

في دراسة أخرى للعالم بمساعدة مجموعة من الباحثين، وجد بأن الأشخاص الذين يملكون القدرة على تذكر أحلامهم تحوي أدمغتهم وتحديداً في القشرة الأمام الجبهية الوسطية – Medial prefrontal cortex على المادة البيضاء أكثر من الرمادية. فالمزيد من المادة البيضاء قد لا يساعدك فقط على تذكر الأحلام، بل قد يعزز من خلق الأحلام أيضاً. كما وجد عالم الأعصاب مارك سولمس – Mark Solms في أوائل القرن العشرين بأن الأشخاص الذين يملكون مشاكل بالمادة البيضاء في القشرة الأمام جبهية الوسطية؛ قد توقفوا عن الحلم تماماً.


تذكر الحلم

يقول لمايكل شيرديل- Michael Schredl الباحث في المعهد المركزي للصحة العقلية في ألمانيا، والذي درس مجموعة كبيرة من العوامل التي قد تؤثر على تذكر الناس،


في رأيي، إن العامل الرئيسي هو التركيز على استرجاع الأحلام. إن مجرد الحفاظ على تدوين الأحلام يحفز الناس على تذكر الأحلام ومن شأنه أن يزيد بشكل كبير في تذكر الأحلام  خاصة القصيرة.

فإن تذكر الحلم يعد أمراً بسيطاً. فإن قمت بإخضاع نفسك كل يوم في محاولة لتذكر أحلامك، ستجد نفسك في النهاية لديك القدرة علي ذلك. بعد هذه التجربة إن كنت لا تزال غير مقتنع بأنك تحلم، فإليك ما يقترحه فالت. هي تجربة يمكنك القيام بها ولكن احذر: ستشعر بالبؤس في اليوم التالي.

ذو صلة

كل ما عليك القيام به هو وضع تنبيه للصوت كل ساعة طوال الليل. وفي كل مرة تستيقظ فيها، اسأل نفسك إذا كنت تحلم ودَوّن الحلم بتفاصيله. فمن المؤكد بأنك ستجد نفسك في مرة تحلم في نصف الليل. ويضيف علي هذه التجربة بأن من يفعل ذلك سوف يتذكر حوالي ست أحلام من أصل 10 على الأقل.

في النهاية إن كنت لا تتذكر أي من أحلامك طوال حياتك، فهذا لا يعني بأنك لا تحلم أبداً. فالجميع يحلم، ولكن ليس الجميع يتذكر وفقاً لما أشارنا إليه في هذا المقال.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّة واحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة
متعلقات

الكشف عن أسرار مصدر نهر النيل الذي كان لغزاً لآلاف السنين!

ظلّ مصدر نهر النيل لغزاً لآلاف السنين.

لنهر النيل مصدران رئيسيان: النيل الأزرق من إثيوبيا والنيل الأبيض من البحيرات الأفريقية الكبرى وما وراءها.

حاولت العديد من الحضارات البحث عن مصدر النيل، لكن نظام النهر المعقّد يجعل من الصعب تحديد أصل واحد.


يعتبر نهر النّيل من أطول الأنهار في العالم وأحد أهم الأنهار في مصر والمنطقة العربية. ومنذ القدم، كان مصدر المياه الذي ينبعث منه النّيل يثير اهتمام المصريّين القدماء، وحتى الآن لا يزال هذا السؤال غامضاً ولا يحمل إجابة واضحة. على الرّغم من التقدّم التكنولوجي والمعرفة الجيوفيزيائية، لا يزال أصل النّيل لغزاً حتّى يومنا هذا.

في حين أنّ الإجابة البسيطة هي أنّ للنيل مصدرين رئيسيّين -النّيل الأزرق من إثيوبيا والنّيل الأبيض من البحيرات الأفريقيّة الكُبرى وما وراءها- فإنّ منشأ النّيل أكثر تعقيداً ممّا يبدو.

حاول الرّومان القدماء العثور على منبع النّيل، وبمساعدة المرشدين الإثيوبيين، توجّهوا عبر إفريقيا على طول نهر النيل إلى المجهول. على الرغم من أنّهم وصلوا إلى كتلة كبيرة من المياه كانوا يعتقدون أنّها المصدر، إلا أنّهم فشلوا في النّهاية في حلّ اللغز.

قبل الرّومان، حرص المصريّون القدماء معرفة أصل النّيل لأسباب ليس أقلّها أنّ حضارتهم كانت تعتمد على مياهه لتغذية ترابهم وتكون بمثابة طريق مواصلات. فتتبّعوا النهر حتّى الخرطوم في السّودان، واعتقدوا أنّ النّيل الأزرق من بحيرة تانا، إثيوبيا، هو المصدر. وقد كانت رؤية النيل الأزرق على المسار الصحيح، ولكن لا يوجد دليل على أنّ المصريين القدماء اكتشفوا القطعة الرئيسية الأخرى في هذا اللغز؛ النيل الأبيض.

واليوم، تمّ الاتّفاق على أنّ للنيل مصدرين: النّيل الأزرق والنّيل الأبيض، يلتقيان في العاصمة السّودانية الخرطوم قبل أن يتّجه شمالاً إلى مصر. يظهر النّيل الأزرق من الشّرق في بحيرة تانا الإثيوبيّة، بينما يظهر النّيل الأبيض من حول بحيرة فيكتوريا يخرج من جينجا، أوغندا. ومع ذلك، حتى هذه المصادر هي أكثر تعقيداً ممّا تبدو عليه لأول مرة.

يوضّح المغامر الشهير السير كريستوفر أونداتجي أنّ بحيرة فيكتوريا نفسها عبارة عن خزّان تغذّيها أنهار أخرى، وأنّ النّيل الأبيض لا يتدفّق مباشرة من بحيرة ألبرت ولكن من نهر كاجيرا ونهر سيمليكي، اللّذان ينبعان من جبال روينزوري في الجمهورية الكونغو الديمقراطية. في نهاية المطاف، كما يجادل، يمكن تتبّع النّيل الأبيض مباشرة إلى نهر كاجيرا ونهر سيمليكي.

في الختام، ليس لنهر النّيل مصدر واحد، بل يتغذّى من خلال نظام معقّد من الأنهار والمسطّحات المائية الأخرى. في حين أنّ الفكرة اللّطيفة القائلة بإمكانيّة تحديد المصدر بدقّة على الخريطة هي فكرة جذابة، إلّا أنّ الحقيقة نادراً ما تكون بهذه البساطة.

حتى اليوم، لا يزال مصدر النيل لغزاً يثير إعجاب النّاس في جميع أنحاء العالم.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّة واحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

متعلقات