تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

كيف تثبت نظرية الانفجار العظيم بجهاز تلفازك القديم؟

الانفجار العظيم
ضحى نبيل
ضحى نبيل

5 د

عندما تسمع أو تقرأ عن أي تجربة تخص مفاهيم علمية خطيرة كالإشعاع مثلًا، غالبًا ما يرافقها تحذير “لا تجرب ذلك في المنزل” لكن تجربة الإشعاع التي سنتحدث عنها اليوم أنت ستكون بالفعل قد نفذتها بنفسك وليس لمرة واحدة، بل لعشرات المرات إذا كنت من مواليد التسعينيات أو قبل ذلك، وعن علاقته بالانفجار العظيم.

هل تذكر التلفزيون القديم صاحب الهوائي المميز الذي يشبه أذني الأرنب؟ كان موجودًا بكل منزل تقريبًا في الماضي قبل دخول الشاشات الحديثة، وكان يبثّ عددًا محددًا من القنوات معدودة على الأصابع، وبين تلك القنوات كنا نرى شاشة بيضاء مزدحمة بنقاط سوداء متحركة وصوت ضوضاء يشبه "شششش"؛ كنا عندما نرى تلك اللقطات نعرف بأنها فقط قناة لا تعمل، لكن هنا نجد المفارقة، ففي تلك اللحظة أنت كنت ترى جزءًا من الأشعة التي انطلقت في بداية لحظات ميلاد كوننا هذا من 13.80 مليار عام!


لنعرف أولًا كيف يعمل التلفزيون؟

 آلية عمل التليفزيون بسيطة للغاية، فالهوائي المرتبط به مهمته التقاط الإشارات المرسلة من قنوات البث وترجمتها لصوت وصورة، وبالتالي فعندما نضبط مؤشر التلفزيون على القناة رقم واحد ونوجه الهوائي في اتجاه معين،  يبحث الهوائي عن ترددها -الذي يتم تهيئته مسبقًا على التلفزيون- وعندما ينجح في التقاطها يتم بث الصوت والصورة المرسلين بواسطة القناة الأولى، وهكذا في القناة الثانية وغيرها.

عندما نضبط المؤشر بين القنوات وليس عند إحدى القنوات الفعالة نرى تلك الشاشة البيضاء ونسمع الضوضاء المعتادة، وذلك لأن الهوائي لا يجد هنا الإشارة المحددة لأي من القنوات ولكن يلتقط إشاراتٍ عشوائية غير مقصودة من أكثر من مصدر: كالتشويش الصادر من مكونات التلفزيون الداخلية، أو الإشارات الراديوية القادمة من القنوات الأخرى، أو الإشارات الراديوية القادمة من الشمس للأرض، أو الإشارات الراديوية العشوائية التي التقطتها الأرض  بسبب ظواهر فلكية أخرى كالثقوب السوداء والنجوم الأخرى.

في التليفزيونات الحديثة غالبًا أصبحنا لا نرى تلك الصورة المشوشة، لأن مستقبلات الإشارة أصبحت أدق كثيرًا عن الهوائي في الماضي، وأصبحت العملية الخاصة بالتقاط الإشارة الصحيحة للقنوات هي عملية أوتوماتيكية بالكامل.

إذًا، فهمنا من ذلك أن التلفزيون القديم له القدرة على التقاط جزء كبير من الأشعة الراديوية حولنا في كوكب الأرض، ما علاقة بداية الكون إذًا بهذا الأمر؟!


الانفجار العظيم- The Big Bang

قبل 13.80 مليار عام كان الكون كله عبارة عن نقطة متناهية الصغر وشديدة الحرارة والكثافة، وفجأة انفجرت بسرعة مهولة وأحدثت الكثير من الفوضى، نتج عنها الكون الذي نعرفه الآن. ومن وقتها أخذت حرارته تتناقص تدريجيًا على مدار مليارات السنين.

وبما أن كل شيء يحدث في هذا الكون يظل حرفيًا موجودًا داخله -فالطاقة لا تفنى- وجد العلماء أن تلك الحرارة التي فُقدت  تدريجيًا ما زالت موجودة على شكل أشعة تجول في جميع أنحاء الكون، وهي حولنا في كل مكان وتسمى بإشعاع الخلفية الكونية الراديوي، أو الخلفية الإشعاعية للكون، وسميت كذلك لأنها دائمًا تظل موجودة في أي مكان في الكون بنفس الشدة والتوزيع.

 يعتقد العلماء أن ذلك الإشعاع بدأ في التكوّن بعد نحو 380 ألف عام من الانفجار العظيم، وهي بالمناسبة مدة قصيرة جدًا بالنسبة لتاريخ الكون! ومن وقت تكوّنها ما زالت موجودة حتى الآن.

أول من توصل لنظرية وجود إشعاع الخلفية الكونية الراديوي أو (Cosmic Microwave Background (CMB فريق من ثلاثة علماء هم جورج جامو ورالف الفير وروبيرت هيرمان عام 1948، لكن بدون أي قياس حقيقي لها أو إثبات على وجودها.

كانت الإشعاعات الخلفية مجرد نظرية لا يمكن إثباتها أو نفيها لأن التلسكوبات الراديوية لم تكن شائعة الاستخدام في هذا الوقت، لكن حسابات العلماء النظرية كانت تُثبت حتمية وجود تلك الأشعة كنتاج لانخفاض درجة حرارة الكون بعد حدوث الانفجار العظيم وتمدده المستمر في جميع الاتجاهات.


رب صدفة خير من ألف ميعاد

أما عن فريق العلماء الذي حقق الإنجاز العلمي واكتشف بالفعل وجود تلك الموجات الراديوية التي ترجع لبداية الكون لم يكن في الأساس يبحث عنها! حيث إنه في عام 1964 كان العالمان آرنو بينزياس وروبرت ويلسون في الأصل يعملان على تطوير بعض المعدات لتطوير الاتصالات عبر الأقمار الصناعية في معملهما في نيوجيرسي في الولايات المتحدة الأمريكية.

 ظهر أثناء اختبارهما للجهاز الجديد ضوضاء مستمرة وتشويش في الخلفية لا يختفي بأي شكل من الأشكال، وحتى مع إجراء المعايرة للجهاز مرارًا وتكرارًا وإجراء عملية تنظيف عميقة للهوائي خوفًا من أن يكون السبب هو الأعشاش التي كان يبنيها الحمام هناك كثيرًا، مع كل تلك المحاولات لم يختفِ التشويش. فافترض العالمان  أن مصدره يمكن أن يكون فعلًا من خارج الأرض لكن من أين؟

في نفس ذلك الوقت كان فريق آخر من جامعة برينستون، مكوّن من: بوب ديك وجيم بيبلس وديفيد ويلكنسون وبيتر رول، يعمل على تصميم جهاز يستطيع رصد الإشعاعات الراديوية الخلفية للكون وقياسها، لكن لم يحالفهم الحظ مطلقًا! وعندما استعان بهم آرنو وروبرت لكي يستطيعوا التوصل إلى مصدر التشويش المحيط بالهوائي، عرف فريق برينستون أن هذا ما كانوا يبحثون عنه بالفعل طوال الفترة الماضية!


الهوائي الذي تم بواسطته اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون

بعد التأكد من صحة هذا الافتراض بالمعادلات والقياسات الفيزيائية تم التأكيد على اكتشاف إشعاع الخلفية الكوني الراديوي الذي أحدث ثورةً كبيرة في عالم الفيزياء والفلك آنذاك، وساعد العلماء في اكتشاف أصل الكون والرجوع للحظات الأولى في نشأته، وفاز عنه العالمان آرنو بينزياس وروبرت ويلسون بجائزة نوبل  في الفيزياء عام 1978.


نافذة غير تقليدية على بداية الكون والانفجار العظيم

في المرة القادمة التي تصادف فيها رؤية التلفزيون القديم مجددًا -وهو احتمال ضعيف- أو تسمع الراديو الموجود في السيارة، ومررت بصوت أو صورة التشويش بين القنوات أو المحطات الإذاعية فاعرف أنك تشهد على جزء بسيط من الأشعة الكونية التي صدرت بعد نشأة الكون، فـ 1% على الأقل من الإشارات المشوشة هي لتلك الإشعاعات الكونية.

حتى لو تخيلنا أنك صعدت ومعك نسخة من هذا التلفزيون القديم إلى القمر حيث ستكون بعيدًا كل البعد عن مجال الإشارات الراديوية القادمة من الأرض، وحاولت فتح التلفزيون، فستظل ترى تلك النقاط العابرة على شاشة تلفزيونك كدليل على تاريخ هذا الكون العظيم.

بدأ انتشار جهاز التلفزيون في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، أي قبل اكتشاف خلفية الإشعاع الكوني بنحو ثلاثين عامًا! فتخيل لو أن أحدهم كان قد راقب تلك الإشارات المتذبذبة الظاهرة على شاشته  كل يوم ودرسها، لكان العلماء وفّروا على أنفسهم الكثير من الوقت في البحث عنها! وأنت، فكّر قليلًا، ما الذي يمكن أن يكون حولنا الآن في هذا العصر وينتظرنا كي نكتشفه في أي وقت؟

ذو صلة

المصادر: 1،2،3،4،5

اقرأ أيضًا: ردًا على الأستاذ الجامعي…هذا ما سيحصل لو فجرنا القمر بالنووي!

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة