تريند 🔥

🤖 AI

الفلسفة الرواقية: واجه الإحباط واليأس، الألم والمعاناة بخطوات فلسفية

محمد إيهاب
محمد إيهاب

6 د

ليس غريبًا أن يكون عنوان المرحلة الحالية من التاريخ كتاب التنمية البشرية للكاتب ديل كارنيجي «دع القلق وابدأ الحياة». وبصفتي طبيبًا، أرى كيف قفز الكاتب في هذا العنوان من مرحلة تشخيص آلية القلق إلى علاجه، وكأن ترك القلق يشبه ترك طفل لدمية ما بعدما سأم منها فجأة. ولكن مع تأمل مفردات وآليات الحياة النفسية في هذا العصر لن نستعجب، فهذا عصر القلق بالفعل؛ بدايةً من المخاوف التي تعترينا بشأن توفير أبسط الاحتياجات الإنسانية كالمأوى والمأكل والمشرب، حتى قلق كوننا غير جيدين بما يكفي، أو قابلين للهجران ممن نحب.


الرواقية: خلفية تاريخية

ربما من لم يسمع عن الفلسفة الرواقية من قبل، ووقع نظره على الاسم لظن أنها سُميت بهذا الاسم لأنها تدعو إلى البال الرائق! وقد يكون هذا المعنى البعيد صحيحًا، ولكنه ليس صحيحًا تمامًا. سُميت الفلسفة الرواقية بهذا الاسم لأن فلاسفتها كانوا يدعون لها في الأروقة المزينة بالقصص الأسطورية والرسومات التاريخية المعبّرة عن المعارك والحروب في أثينا.

سُميت الفلسفة الرواقية في بدايتها بالفلسفة الزينونية، نسبةً إلى الفيلسوف زينون الرواقي. اضمحل استخدام هذا الاسم بين فلاسفة الرواقية اللاحقين على زينون، لأنهم لم يؤمنوا بانتمائهم بالكلية إلى أفكار زينون، كما أنهم لم يريدوا لفلسفتهم أن تتحول إلى عبادة الأفراد.

تُعتبر الفلسفة الرواقية إحدى الفلسفات المزدهرة حديثًا، والتي يعود لها بقوة كل من يتعامل مع المخاوف وحالات اليأس والإحباط التي ذكرتها في عنوان المقال ومقدمته. إنها مدرسة فلسفية هيلنستية، تقول بأننا كائنات اجتماعية تسعى إلى حالة من السعادة، وأن تلك الحالة لن تتحقق سوى بقبول اللحظة الحالية كما هي، والتخلص من الرغبة الملحة لأن نشعر بمزيد من السعادة والخوف من الألم. تسعى الفلسفة الرواقية إلى توجيه الذهن إلى قبول الأوضاع التي لا يمكن تغييرها، وتغيير الأوضاع القابلة لذلك.


النزول من الأبراج أو الفلسفة كفن للحياة

لم يعتبر الرواقيون الفلسفة مجموعة من الأفكار النظرية عن الوجود والعالم، ولكنهم نظروا لها كفن للعيش. إنهم يعتبرون الفلسفة كما صادفت في العنوان: مجموعة من التمارين والواجبات الفكرية للحصول على الفائدة.

يرى الرواقيون أن الطريق إلى التحرر الوجودي يبدأ بمعرفة أنفسنا ومعرفة حقيقة العالم من حولنا. يعبر الفيلسوف ماركوس أوريليوس عن ذلك بأفضل تعبير في كتابه «التأملات»، فالكتاب عبارة عن مجموعة من اليوميات التي كتبها الإمبراطور الروماني لتذكير نفسه بالتعاليم الرواقية، معنونًا إياه بعبارة «إلى كاتبه»، وكأنه يكتب تلك المذكرات إلى نفسه أولًا قبل مخاطبة غيره من الناس.

يحافظ الرواقيون على عقيدة محايدة بالنسبة للتشاؤم والتفاؤل، بل ويدعو بعضهم لتوقع الأسوأ من المستقبل لا الأفضل. يقول إبيكتيتوس: «لا تعد الفلسفة بأي شيء خارج الإنسان، إنها لا تعترف بأي شيء سوى موضوعها. فكما أن الخشب مادة وموضوع النجار، فإن مادة وموضوع الإنسان حياته، التي يجب أن يعمل على نحتها وصناعتها، كما يفعل النجار مع الخشب».


الركائز الأساسية للرواقية


المعاناة عقلية قبل أن تكون واقعية

يمكننا في هذا الصدد باتباع خط تفكير الفلسفة الرواقية أن نفصل مفهوم «المعاناة» عن مفهوم «الألم». يرى الرواقيون أن المعاناة تنبع من العقل قبل أن تنبع من المواقف الخارجية أو مسببات الألم.

لا تحدث الوقائع والأحداث الخارجية بمفردها أو بمعزل عن الحكم البشري. يضفي العقل قيمة- سواء سلبية أو إيجابية- على أي فعل، وهذا ما أكد عليه أيضًا الفيلسوف باروخ سبينوزا. وعلى هذا فإن الأحداث الجيدة لن تكون كذلك إلا إذا اقتنع العقل بقيمتها الإيجابية، ولن تكون الأحداث المريعة كذلك إلا إذا أضاف عليها العقل صفة الرعب والبشاعة.

يقول ماركوس أوريليوس:


«إن المشكلة ليست في الأشياء الخارجية، بل في تقييمك لها، الذي يمكنك أن تصلحه الآن».


وهمية الزمن

يعتمد الذهن البشري في عمله على إعادة الحوادث التي وقعت في الماضي واستدعائها من الذاكرة كوسيلة للإنسان ليتعلم منها ولا يكررها. قد تتحول هذه الخصيصة البشرية إلى عذاب أليم بحد ذاتها، حتى بعد انقضاء الموقف بعشرات السنوات، يستمر المرء في الشعور بالألم منه نتيجة التفاعلات العقلية التي لا تنتهي، وهذا ما نراه في حالة فقدان حبيب أو وقوع خطأ جسيم في الماضي تسببنا به ولم نستطع إصلاحه.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى الخوف والقلق من المستقبل، الخوف من الفشل، أو البقاء وحيدًا، أو انتهاء العالم. ذلك الخوف والقلق الذي يمنعنا من الحياة في اللحظة الحاضرة بكامل قوتها، فيحول اللحظة الحالية لماضٍ نندم عليه، ويحول المستقبل لفشل حقيقي، لأننا لم نعمل ما ينبغي في اللحظة الحالية لصناعة مستقبل نفخر به، أو على الأقل نشعر بالامتنان لأنفسنا على ما فعلت أيدينا في تلك اللحظة.


الزهد والقبول بما قُسم

يعتنق الرواقيون فلسفة حتمية؛ من حيث أنها تؤمن بحتمية وقوع الأحداث. فمثلًا من رسب بالامتحان، فهذا قدره، عليه أن يسعى إلى تغييره في أقرب فرصة للتغيير، أي في الامتحان التكميلي، ولكن إذا لم يستطع ذلك الآن فلا حاجة إلى البكاء والعويل.

تتلخص الرواقية في القبول بما قُسم. كما تدعو أيضًا إلى الزهد في الرغبات، فربما تكون هي الأخرى مصدرًا للإحباط واليأس، فعندما يرغب المرء بشيء ما، برغبة غير واقعية وغير قابلة للتحقق، فقط لأن هذا ما يرغب به الآخرون ويظنون به الخير، يصاب بإحباط لا مفر منه.

اقرأ أيضًا:  كيف قضى الاحتلال الإنجليزي أو الفلسفة النفعية على روح الإنسان؟


الترياق الرواقي للإحباط واليأس


مواقف من حياة أعلام الرواقية


سينيكا

سينيكا، فيلسوف روماني رواقي، وكاتب درامي وساخر. عمل سينيكا مستشارًا للإمبراطور الروماني الشهير نيرون. عندما قل احتياج نيرون للفيلسوف، وجه إليه عدائه.

ربما كان موقف الفيلسوف الرواقي سينيكا عندما حكم عليه الإمبراطور الروماني نيرون- الذي عمل سينيكا مستشارًا له- بأن ينتحر أمام الجموع من الشعب، ومنهم زوجته وأطفاله، معبرًا عن الطريقة التي يتعامل بها الرواقي مع العالم. انطلق سينيكا لتنفيذ الحكم راضيًا ومشاهدًا زوجته تبكي، قائلًا لها: «لم البكاء على جزء من الحياة إذا كانت الحياة كلها تدعو للبكاء؟».


ماركوس أوريليوس

يُعتبر ماركوس أوريليوس واحدًا من خمس أباطرة صنّفهم نيكولا ميكيافيلي بالأباطرة الجيدين. نال أوريليوس شهرته بصفته الملك الفيلسوف. رفض أن يختار وريثًا له على عكس الشائع في عصره. اتسمت فترة حكمه بالحروب المتواصلة، ولكنها لم تنزعه عن الفلسفة والكتابة ليلًا في خيمته رغم الحروب والمعارك. لقد جعلت الفلسفة من أوريليوس إمبراطورًا حكيمًا، ولم تثنه المملكة عن التأمل، زهد في الدنيا فلم يختر وريثًا له، ولم تصبه الحروب المتواصلة بالانهيار العصبي.


واجبات رواقية للتأمل يوميًا

  • فلينصب اهتمامك على ما تستطيع أن تتحكم به.
  • افعل الخير لتشعر بالسعادة.
  • تأمل.
  • قلل من أنشطتك.
  • اشعر بالامتنان.
  • اتصل بالآخرين.
  • فلتدرك أنك تمتلك كل ما تحتاجه الآن.

لا عجب أن تزدهر الفلسفة الرواقية في عصر تتضائل فيه قدرة الإنسان على التحكم بحياته، بدايةً من عمله إلى علاقاته بالآخرين، وحتى علاقته بنفسه. ولكننا لن نستطيع تنفيذ واجبات الفلسفة الرواقية الآن حرفيًا، ولا ينبغي علينا ذلك في الواقع، فتقليل الرغبات ربما يكون جيدًا إذا كانت الرغبة غير واقعية، ولكنه سيكون تقليلًا للشجاعة في الرغبة إذا كانت الرغبة قابلة للتحقق.

ذو صلة
فيديو يوتيوب

كما أن التركيز على اللحظة الحالية مفيد في حالة الغرق في ذكريات ومخاوف من المستقبل، ولكنه سيضر صاحبه إذا منعه من التخطيط للمستقبل والاستفادة من الماضي بصورة عقلانية. هكذا تساعدنا الفلسفة الرواقية على تعديل أفكارنا كي نتغلب على اليأس والإحباط، ولكنها لن تستطيع أن تفكر بدلًا عنا لتنظيم حياتنا كما نريد.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة