مراجعة فيلم A Beautiful Mind .. عقل جميل عاش في الخيال وحصد نوبل رغم معاناته !
هناك خيط رفيع يفصل العبقرية عن الجنون، هذه العبارة لطالما سمعناها ورددناها في صغرنا دون فهم أو وعي لحقيقتها، ويأتي فيلم A Beautiful Mind من إنتاج العام 2001 ليؤكد لنا هذه العبارة ويعطينا مزيد من التفاصيل حول حياة أحد العلماء العظماء، فالفيلم عبارة عن سيرة ذاتية لعالم الرياضيات جون فوربس ناش والحاصل على نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1994.
جاء الفيلم من بطولة النجم العبقري راسل كرو وقد ترشح لجائزة الأوسكار عن دوره في الفيلم، وهو مبنى على كتاب A Beautiful Mind الصادر عام 1998 عن سيرة العالم جون ناش، وحصد الفيلم 4 جوائز أوسكار، وحصل على تقييم 8.2 من 10 بناء على تصويت الجمهور على موقع IMDB الشهير، ويعتبر أحد أهم أفلام السيرة الذاتية في تاريخ السينما،
العبقرية تنمو من الخيال وليس الرتابة والملل
يبدأ الفيلم بالتحاق الباحث الشاب جون ناش بجامعة برنستون في ولاية نيو جيرسي بالولايات المتحدة ويقوم مدير الجامعة بالترحيب بالباحثين ويشجعهم على البحث من أجل خدمة وطنهم، في حربه ضد الشيوعية عن طريق التقدم العلمي، ويقوم كل واحد منهم بالعمل على الأبحاث الخاصة به من أجل نيل شهادة الدكتوراه.
يتعرف جون ناش بعدها على صديقه في السكن ويدعى تشارلز، وهو يختلف عنه تماما، فهما على النقيض، فجون ناش شخصية انطوائية وغريبة الأطوار وغير محبوبة إلا أن تشارلز هو شخصية لا تهتم بالدراسة وهو جريء ومحبوب ومغامر، وتنشأ بينهم صداقة قوية، ويشجع تشارلز زميله جون ناش على الاختلاف عن بقية الباحثين.
ومن هنا تبدأ الملامح الأولى لعبقرية جون ناش، الرجل الذي يعتبر الصفوف الدراسية ساحة لقتل الخيال، وأبدع المخرج رون هاوارد في تجسيد حب جون ناش للتخيل عن طريق جعله يكتب ملاحظاته على زجاج النافذة وكأن الأرقام والملاحظات التي يكتبها هي عائمة في الهواء، تطير مع خياله الذي لا يتوقف.
رغم وسامته إلا أن عقله أجمل
يتمتع جون ناش بوسامة كبيرة يعترف بها كل زملائه، وعندما يذهب للسهر معهم في إحدى الحانات فإن معظم الفتيات يرغبن في التعرف عليه، إلا أن غرابة أطواره تجعلهم ينفرون منه بمجرد التحدث معه لدقائق قليلة، وعلى الرغم من فشله اجتماعيا بشكل كبير إلا أن هذا كان وراء حبه لعقله، ورغبته في أن يعرف الناس أن عقله أجمل من مظهره.
فشله في المنافسة يجعله يرغب في تقاسم النجاح !
لا يتناول الفيلم نفور الفتيات من جون ناش من منطلق أنه حدث عاطفي أثر على شخصيته ونفسيته فحسب، بل على أفكاره أيضا وهذا بسبب تركيزه الشديد على التعلم والابتكار، ففي زيارة أخرى للحانة مع أصدقاءه تنجذب له فتاة أخرى رفقة صديقاتها، إلا أن الجميع يؤمن بأنها بمجرد التحدث إليه ستنفر منه، لهذا تراهنوا جميعا على التنافس من أجل الحصول على هذه الفتاة.
ويتصرف كل منهم بناء على مبدأ اقتصادي شهير، وهو أنه إذا قام كل فرد في السوق بخدمة مصالحه الشخصية فإن هذا سيقع في مصلحة الجميع، بمعنى أنهم إذا تنافسوا على الفتاة الأجمل، سيحصل عليها أحدهم ومن ثم يحصل التالي على الفتاة الأقل جمالا، ثم الأقل وهكذا، لأن التنافس سيخلق الرغبة في الفوز، ولكنه خرج للعالم من هذا الموقف الغريب بواحدة من أهم نظريات الاقتصاد الحديث، والتي تعرف بتوازن ناش.
اعتمد المخرج في هذا المشهد على عدم اهتمام ناش بمعظم الناس، فهو يتعامل مع كل شيء حوله بالأرقام والمصفوفات الرياضية، ولهذا فقد شاهد في مجموعة الفتيات فرصته للبرهنة على نجاح نظريته الرياضية، حيث إن التصرف الاقتصادي الأفضل للمجموعة هو ألا يذهبوا جميعا للفتاة الأجمل، ويحصل كل واحد منهم على الفتاة المناسبة له، دون أن يشعر أحد بالخجل أو الفشل.
الحصول على الحب يحدث عندما يؤمن بك أحدهم
تعرف بعدها جون ناش على حبيبته أليسا، والتي مثلت دورها النجمة جينيفر كونلي، وهي بحاثة في الفيزياء، وبعيدا عن تصرفاته الغريبة فقد وقعت في غرام عقله، وهو ما أرداه من البداية، فهو لم يبحث عمن تحبه لمظهره، ولكن لجوهره وعقله، من ترى عقله الجميل، وبالفعل تزوج منها وأنجب طفلا.
تتطور الأحداث به ويقوم بمساعدة وزارة الدفاع الأمريكية في حل الشفرات أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، وهناك تعرف جون ناش على رجل غامض يدعى الأخ الأكبر والذي مثل دوره النجم إد هاريس، وهذا الاسم هو دلالة على عقلية جون ناش المرتابة، فكلمة الأخ الأكبر مأخوذة عن رواية 1984 للكاتب جورج أوريل والتي تحدثت عن المنظمات الغامضة التي تسيطر على المجتمع.
لتبدأ من هنا علاقة متوترة بين الأخ الأكبر والعالم جون ناش، ويهدده بفضحه للمخابرات الروسية التي تريد رأسه بأي ثمن، وذلك من أجل أن يستمر في العمل على فك الشفرة التي ترسلها الجواسيس الروس في المجلات والصحف، وتصل الأحداث لذروتها عندما يحاول جون ناش دون توقف أن يفك الشفرة للدرجة التي كادت تجعله يقتل طفله بسبب الإهمال والتشتت في هذه الاحتمالات والخيالات.
الراوي الكاذب والصدمة المؤلمة
تتجلي عبقرية فيلم A Beautiful Mind لمن يشاهده لأول مرة في فكرة الراوي الكاذب، فخلال أحداث الفيلم نشاهد الأمور من رؤية جون ناش لها، ونصدق الأحداث ثم فجأة تحدث الصدمة، عندما تكتشف زوجته أنه لا يوجد شخص يدعى الأخ الأكبر، وأن الخطابات التي يرسلها جون ناش لوزارة الدفاع الأمريكية لم تصل إلى هناك قط !.
وتبدأ في البحث عن تشارلز صديق السكن الخاصة به في جامعة برنستون لتعرف أنه لم يكن لديه زميل سكن أبدا هناك!، وأنه لا يوجد لشخص بهذا الاسم من الأساس، ويبدأ الأخ الأكبر في اقناع جون ناش بالتخلص من زوجته التي تقف عائقا في سبيل هدفه لحل الشفرة، ولكنه في النهاية يدرك أنه مجرد خيال، وأنه مريض بشيزوفرانيا.
ويبدأ في رحلة العلاج بالصدمات الكهربائية والعقاقير لفترة طويلة من حياته، وخلال كل تلك السنوات تقف زوجته إلى جواره حتى يعود مرة أخرى للعمل والبحث في مكتبة جامعة برنستون، ويتجاهل الشخصيات الخيالية التي يراها حوله من أجل أن يعيش حياة مستقرة، يختار جون ناش أن يتعايش مع مرضه ولا يدعه يهزمه.
ويعود في النهاية للعمل كمحاضر في الجامعة وبعدها يحصل على التقدير الذي يستحقه، عندما يجلس في حجرة الأساتذة ويعطيه كل واحد منهم قلما كتعبير عن امتنانهم لإنجازاته العلمية في مجال الرياضيات والاقتصاد، ويحصل على جائزة نوبل في النهاية بعد رحلة معاناة طويلة كانت لزوجته فيها كلمة السر لأنها أحبت العقل الجميل لجون ناش وظلت معه للنهاية.
كيف حول المخرج مرض جون ناش إلى لوحة فنية ؟
هناك اختلافات بسيطة بين المرض الحقيقي لجون ناش وما شاهدناه على الشاشة في فيلم A Beautiful Mind وهو أن جون ناش في الحقيقة لم يكن يشاهد أشياء غير موجودة، ولكن الهلاوس كانت تجيئه على هيئة أصوات، ولكن المخرج حول هذه الأصوات إلى شخصيات حقيقيه أوهم المشاهدين بأنها حقيقية.
وهذا ما ساهم في معايشة المشاهد للمؤامرة الوهمية التي وقع فيها جون ناش، صدقها الجمهور لأنه شاهدها من وجهة نظر ناش نفسه، قبل أن يعرف أنها مجرد خيالات، وهذا ساهم في جعل المشاهد يتداخل مع حياة جون ناش، ويسقطها على نفسه وبهذا يتعاطف معه لأقصى درجة، وأيضا ينبهر بهذا الشخص الذي عانى من المرض لكنه نجح واستطاع ابهار العالم بالرغم من الألم الذي عانى منه طوال حياته.
وبهذا نجح المخرج فيلم A Beautiful Mind في إيصال الرسالة بطريقة مباشرة وقوية، وذلك عن طريق طريقة السرد التي عشنا بها الأحداث بعقلية جون ناش، العقلية الجميلة والبسيطة والمليئة بالخيالات والغموض، وعلى الرغم من المصطلحات العلمية المتداولة في الفيلم إلا أن المخرج ركز على البعد الإنساني في إنجاز جون ناش، فهو ضحية خيالاته وضحية للحرب الباردة أيضا، فقد عاش عقله الجميل المبدع هذا الصراع في الحقيقة وحتى في الخيال.
أقرأ أيضًا: أفضل أفلام الخيال العلمي الأسترالية .. قائمة جديدة لمحبي الإثارة والتشويق
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
