تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

مسلسل بدون ذكر أسماء.. أن تُفتش عن الإنسانية وسط أكوام الفساد

مسلسل بدون ذكر أسماء
مروة مجدي
مروة مجدي

7 د

بدون ذكر أسماء، المسلسل الذي عُرض لأول مرة في رمضان عام 2013 لكنه لم يأخذ حقه في المشاهدة والانتشار مثل هذه الأيام تأكيدًا على فكرة أن العمل الجيد يفرض نفسه مهما حدث ومهما مرت سنوات. ومسلسل “بدون ذكر أسماء” ليس عملًا جيدًا فحسب بل عملًا عبقريًا بكل تفاصيله. بداية من حكاية ألفها الكبير وحيد حامد عن فساد مجتمع الثمانينات وأعطاها إلى المخرج المتميز تامر محسن؛ ليكتب بها شهادة ميلاده كمخرج محترف قادر على تجسيد الأحداث وتوظيف الأبطال والشخصيات كل في مكانه الدقيق، والتفتيش عن المشاهد الإنسانية والتقاطها ومزج المشاعر الإنسانية بالأفكار المغايرة في حلقات مشوقة وجو يمزج بين الهدوء والصخب في آن واحد كجو الثمانينات.

تدور أحداث المسلسل في الفترة الزمنية بين عامي 1984 و1998.  حكى وحيد حامد عن فترة الثمانينات التي بدأت وقتها بحكم مبارك ورصد المسلسل ووثق التغيير الذي طال المجتمع بكل طبقاته وطوائفه آنذاك.

اتسم مجتمع الثمانينات بالفساد الذي امتد لكل طبقات المجتمع. الفقيرة والمتوسطة والغنية والراقية. حكاية أبطالها كلهم رئيسيون حتى الثانوي منهم له قصة كاملة تستطيع بناء عمل كامل عليها. قدم حامد مع محسن توليفة من الحكايات والحبكات المتصلة ببعضها.

بدءًا من أسرة ربيع الحلواني تلك الأسرة الفقيرة التي يعمل ربها ربيع الحلواني (عبد العزيز مخيون) في صناعة الحلويات على عربية متواضعة الحال في حارة شعبية وزوجته (ناهد رشدي) وأبناؤه نوارة (حورية فرغلي) وعاطف (أحمد الفيشاوي) وتغريد الابنة الصغرى (سهر الصايغ) يساعدوه في العمل.


بدون ذكر أسماء.. شخصيات تعكس المجتمع

عاطف كان انعكاسًا لتغير المجتمع ولم تنجح تربية أهله له على المبادئ في منعه من هذا التغيير بل قادته إلى حب التجربة والفهلوة. فنجد التغيير طاله في كل مرحلة من مراحل حياته ومعها تغير جلده بالضبط كما حدث للمجتمع.

في البداية لم يحب سوى الكرة، هوس بها وبالكابتن ولاعبيها. لم يعرف ماذا يريد في حياته سوى أنه يحب الكرة وأن يلازم الكابتن المفضل له.  إلى أن يتحول بفضل (خناقة) من شخص ولع بالكرة إلى مصور إلى أن يصل إلى صحفي، سالكًا نهج صحافة الابتزاز مع نجوى (شيرين رضا) الصحفية الكبيرة ورئيسة مجلة زهرة الربيع المعروفة بعملها في صحافة الابتزاز والفضائح والتشهير. اختار عاطف صحافة الابتزاز كأسرع طريقة للوصول متماشيًا بذلك مع عصر الفساد الذي يصعد منتهجي نفس النهج فيه بسرعة البرق.

مسلسل بدون ذكر أسماء

تامر محسن المفتش عن التفاصيل الإنسانية

انتقل محسن إلى صديق عاطف رجب الفرخ البلطجي (محمد فراج) الذي يعمل لحساب النعجة أو الست أصيلة (فريدة سيف النصر) الذي لا تستطع أن تكرهها أو تكرهه أبدًا فبالرغم من عملها كرئيسة المتسولين واستغلالها لتسريحهم وعمل رجب الفرخ تحت يديها ضمن فريق التسول المدرب إلا أنك لا تملك سوى التعاطف معهما ومع كل شخصيات العمل رغم أخطائهم وعيوبهم وسقطاتهم.

أجاد محسن التركيز على التفاصيل الإنسانية وتجسيد المشاعر فلا تشعر أنهم يمثلون بل أنهم على طبيعتهم. هؤلاء شخصيات من دم ولحم يجسدون الإنسان بصراعاته وسقطاته وعثراته وضعفه قبل مميزاته وفضائله.

رجب الفرخ أو عادل حسان كما يفاجئنا بقصته المأساوية في منتصف المسلسل تستطيع أن تبني عليها عملًا كاملًا لكنني أود القول إن تامر محسن استطاع أن يظهر شخصية رجب بشكل إنساني. فتجده جدعًا وأصيلًا لا يخون مهما حدث فلا تملك سوى أن تحبه وتتعاطف معه. تتزوجه أصيلة لتورثه تركتها لكن للقدر رأي آخر.

تجارب درامية مصرية في السنوات الخمس الأخيرة تستحق المشاهدة


من أحلك نقطة في القاع إلى أبرز نجمة في القمة

وعن قصة مبسوطة بائعة الفل في الإشارات العارضة لجسدها تحت الكباري بالأجرة والتي عملت مع الست أصيلة أيضًا إلى يوم تركتها فيه لتصبح مساعدة الراقصة نعنانة أو كروانة (صفوة) ثم تصبح راقصة وفتاة استعراض ثم ممثلة ثم سيدة أعمال وزوجة واحد من أكبر رجال أعمال البلد. حقًا رحلة صعود غرائبية من أحلك نقطة في القاع إلى أبرز نجمة على القمة.

مسلسل بدون ذكر أسماء

سلوى ياسين والصحافة الجادة

سلوى ياسين (مريم حسن) الصحفية النزيهة التي تحاول التمسك بمبادئها وتربيتها وسط الفساد والتي تساعد في القضاء على التسول بتحويل مخزن الست أصيلة إلى مصنع كبير يشتغل به كل المتسولين. حيث قدمت الصحافة الجادة دورًا حقيقيًا في التغيير وتحويل المتسولين إلى عمال منتجين.


التيارات الإسلامية واللعب على وتر الشعب العاطفي بطبعه

ولم ينس الإشارة إلى صعود التيارات الإسلامية وكيفية استغلال قياداتها نغمة الدين للعب على وتر الشعب العاطفي تجاه الدين.

قصة ارتباط نوارة بمعتمد الذي كان منتميًا لتلك الجماعات الإسلامية حتى سافر إلى السعودية وعاد بالجلباب والذقن وعادت معه نوارة بالنقاب بعدما كانت فتاة بسيطة تنتمي لأسرة فقيرة ربت أولادها تربية معتدلة. عادت نوارة مع معتمد بعدما أصبح الشيخ بأفكار دينية غريبة على المجتمع المصري وقتها.


التسول برؤية مختلفة

عالم مواز من التسول عن طريق فريق النعجة أو الست أصيلة أبو القمصان حيث تمتلك مخزنًا كبيرًا اتخذته مأوى للمشردين والمتسولين والشحاذين. تحت مسمع ومرأى من الحكومة فبالطبع الحكومة الفاسدة وقتها شجعت على التسول والاستسهال والفهلوة للوصول إلى القمة. وعلى الرغم من ذلك لا تملك سوى أن تحبها. هي رئيسة المتسولين لكنها إنسانة من الطراز الأول حيث تعامل كل صبيانها معاملة الأبناء حتى أنها تتزوج من رجب الفرخ لتجعله وريثها.

وتطرق أيضًا إلى سلبيات الإعلام خصوصًا الصحافة. حيث استغل عاطف تقربه لمديرة إحدى المجلات الفنية في الوصول السريع.

كما تطرق إلى فساد المسؤولين بمناصب مهمة كاللواء مجدي والرجل الأكبر اللذين يعملا بالصفقات المشبوهة من الباطن.

مسلسل بدون ذكر أسماء

لا أحد مثالي

حتى الأب والأم اللذان ظهرا طوال العمل متمسكَين بالمبادئ والفضائل حتى النفس الأخير يسقطا حيث يلفظهم المجتمع؛ لأنهما لم يصبحا شبهه. فعندما تعرضا للتهديد بالطرد من البيت والمحاربة في رزقهما. لم يجدا سوى التنازل والرضوخ.

تتردى أحوالهما بالتزامن مع رجوع نوارة ومعتمد بالعريس المستثمر السعودي العجوز الذي يملك أطنانًا من النقود لتغريد (سهر الصايغ) التي كانت وسط كل ذلك تحب أحمد درويش -محصل الكهرباء أو كما أطلقوا عليه كشاف النور- هذا الثنائي العذب يمثل مصر في صورتها الوسطية الجميلة. لا التطرف ولا الانحلال. فقط الوسطية. كل حلمهم الحب الذي هُزم أمام عصر لا يعرف سوى المادة.

تتزوج تغريد من المستثمر السعودي -مجبورة بسبب أوضاع أسرتها- وبعد موته ترثه ثم تبحث عن حبيبها؛ لتجده فيكتبا مشهدًا استثنائيًا عبقريًا خير ختام للمسلسل البديع.


جعل فترة الثمانينات بطلًا في حد ذاتها

جعل محسن شخصيات العمل أدوات لرصد هذه المرحلة لذلك جاء الاسم ”بدون ذكر أسماء” فالبطل هنا مرحلة الثمانينات.


قصص تحمل عملًا كاملًا

من أكتر الحكايات التي لمستني في هذا المسلسل حكاية نعنانة (صفوة) الراقصة الشعبية الشهيرة التي نرى كيف جار الزمن عليها. وخفتت الأضواء من حولها وعزفت الناس عنها. حتى وصل بها الحال أن تغني وراء مبسوطة ونرى مشهدًا مؤثرًا بديعًا. جسده إلينا تامر محسن في دموع نعنانة التي تشكر مبسوطة أنها سترتها وارتضت بها مغنية ورائها في فرقتها بدلًا من لا شيء. الفنانة صفوة هنا مثلت من قلبها لم أشعر بدموعي إلا وهي تتساقط.


حلاق الحمير الذي مات على حمار

قصة أخرى تصلح لبناء عمل درامي كامل هي قصة سطوحي (محمد أبو الوفا) حلاق الحمير الفقير جدًا الذي استثمر في تعليم ابنه سعيد القصاص حتى أصبح مهندسًا ثم يضعهما القدر أمام اللواء مجدي الذي يطلب منهما شراء أكبر عدد من الحمير على مستوى الجمهورية في صفقة مشبوهة. فتبدأ آثار النعمة في الظهور على سطوحي الذي عاش طوال حياته فقيرًا مُعدمًا. فلا يعجب أهل القرية فتثير حكايات شرائه لدار وأرض غضب العمدة وأهل القرية بالشكل الذي يجعل اللواء مجدي يطلب منه أن يترك البلد ويذهب لأخرى لا يعرف أهلها فيها أصله.

لم يتحمل سطوحي الصدمة ونراه ميتًا على حماره مع أول خطوة حاول أن يخطوها خارج أرضه. مات راغبًا في القيمة المعنوية لا المادية لكن أهل قريته استكثروها عليه.

مسلسل بدون ذكر أسماء

القصاص واللواء مجدي

حكاية سعيد القصاص الذي استغله اللواء مجدي في صفقاته المشبوهة الباطنية إلى أن انقلب السحر على الساحر وخانه سعيد ببيع صفقة لحسابه ثم قرار بقتل سعيد، لكنه يهرب إلى كندا ثم يعود ليجتمع بكل شخصيات العمل في قصر رجل الأعمال الشهير الذي تزوج من مبسوطة.


من عادل حسان إلى رجب الفرج

قصة رجب الفرخ أو عادل حسان كما نعرف من أحداث المسلسل. كان طالبًا له أسرة عادية لكنه هرب من خيانة أبويه لبعضهما البعض وطُرد من منزل المحامي الذي كان يربيه بعدهما ثم عمل كمتسول مع الست أصيلة إلى أن يُقتل في مشهد مؤثر. كلها قصص تحمل عملًا كاملًا وتلك ميزة أعمال تامر محسن. يجعل من كل الشخصيات أبطال بحكايات قائمة بذاتها ويضفر كل الحكايات في حكاية واحدة كبيرة.

مسلسل بدون ذكر أسماء

مزج محسن اللقطات الأرشيفية بالواقعية

ذوبان التفاصيل وحلقات اتصال الشخصيات ببعض يُدرس وكذلك كادرات تامر محسن المدهشة التي مزج فيها اللقطات الأرشيفية من الثمانينات بالتصوير الحقيقي. لم يلعب محسن على النوستالجيا بل أظهر بشكل واقعي شكل المجتمع آنذاك فنجد لقطات كالزحام الشديد في الشوارع والأتوبيسات المكدسة بالبشر.

ذو صلة

مكتوب لكل الحبايب وعد يتقابلوا

أما عن آخر مشهد.. مشهد الختام الاستثنائي بعودة تغريد لأحمد درويش حبيبها فتجده فتح محلًا سماه “حلواني الربيع” على اسم والدها. ووسط دموعهما ولغة وجه كل منهما وتعبيراتهما -دون كلام- بحلاوة اللقاء بعد الفراق، فلا أجد أبلغ من كلمات الشاعر الكبير فؤاد حداد رحمة الله عليه “مكتوب لكل الحبايب وعد يتقابلوا في يوم حنين أحن من اللي كان قبله”.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة