الحوسبة الكمومية

الحوسبة الكمومية: ما هي وكيف تعمل؟

المهندس سعيد عطا الله
المهندس سعيد عطا الله

تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك

4 د

الحوسبة الكمومية.. أحدث مفهوم فيزياء الكم ثورةً في العلم؛ حيث تقول أن قوانين الفيزياء الكلاسيكية لا تحكم كل الكون، وقد تخطئ في بعض الحالات، وذلك حين تبلغ الجسيمات أحجامًا متناهيةً في الصغر، ولكن ماذا لو تم الاعتماد على فيزياء الكم في عالم الحواسيب؟، سينتج حينها ما نسميه الحوسبة الكمومية وهي موضوع المقال أدناه.


مفهوم الحوسبة الكمومية

يمكن القول بأنها نموذجٌ حوسبيٌّ نظريٌّ يتم من خلاله معالجة البيانات وعمليات الحوسبة من خلال قوانين الكم، فوحدة البيانات الأساسية التي تستخدم في الحوسبة التقليدية، والتي تسمى البت تم استبدالها بوحدة بياناتٍ أخرى تدعى البت الكمومي (qubit) الذي يستند إلى الذرات والتراكيب الجزيئية المتناهية الدقة.

الفرق بين الوحدتين هو أن البت يعطي واحدةً من قيمتين؛ إما 0 أو 1 ولذلك يسمى الثنائية، بينما البت الكمومي فسيعطي عدة قيمٍ هي إما 0 أو 1 أو التراكب بين 0 و 1، وهذا يعني أن الكومبيوتر الكمومي لن يعتمد أسلوبًا محددًا في عمله وستكون هناك نتائجُ وحلولٌ عديدةٌ لكل حالةٍ، وهذه القيم الجديدة الناتجة عن التراكب بين 0 و 1 ستكون مبهمةً بالنسبة للحواسيب التقليدية..


الحوسبة الكمومية

ماذا يعني التراكب

يمكن للبتات الكمومية أن تمثل مجموعةً كبيرةً من القيم الناتجة عن الدمج بين القيمتين 0 و 1، ونسمي هذه القدرة على الإيجاد في حالاتٍ مختلفةٍ في وقتٍ واحدٍ بالتراكب.

يعالج الباحثون في مجال الحوسبة الكمومية هذه القيم المتراكبة باستخدام أشعة الليزر الدقيقة أو حزم الموجات الدقيقة، وبفضل هذه العملية يمكن للكومبيوتر الكمومي معالجة عددٍ كبيرٍ من العمليات في وقتٍ واحدٍ.

تظهر النتيجة النهائية بعد قياس جميع البتات الكمومية، وإنّ القيم المتراكبة في النهاية ستنهار حالتها الكمومية أو تنهدم لتكون إما 0 أو1.


ما هو التشابك

في الكمبيوتر التقليدي، تؤدي مضاعفة عدد البتات إلى مضاعفة الجهد لمعالجة هذه الأرقام والعمليات المتزايدة، بينما في الكومبيوترات الكمومية الحديثة، وبفضل ما يسمى بالتشابك، فإن إضافة بتات كمومية إضافية إلى كومبيوترٍ كموميٍّ تؤدي إلى زيادةٍ هائلةٍ في قدرتها على التعامل مع الأرقام.

مثلًا؛ لو كان لديك قائمة مكونة من 1000 عنصرٍ يمكنك فهرستها باستخدام 10 عناصرَ فقط، حيث يمكن للباحثين إنشاء أزواجٍ من الكيوبتات المتشابكة مع بعضها؛ مما يعني أن عنصري الزوج موجودان في حالة كميةٍ واحدةٍ، وبالتالي سيؤدي تغيير حالة أحد الكيوبتات إلى تغيير حالة الكيوبت القرين على الفور بطريقةٍ يمكن التنبؤ بها، وهذا يحدث هذا حتى لو كانت هذه الكيوبتات المتشابكة بعيدةً عن بعضها مسافات طويلة جدًا.

تلك الميزة تعتبر مفتاح قوة الحواسيب الكمومية الجديدة، رغم وجود الأخطاء الناتجة عن فك الارتباط بين البتات الكمومية المتشابكة..


الحوسبة الكمومية وقابلية التوسع

تعتبر وحدة البت الكمومية هشةً للغاية، وتعرضها للاضطرابات الخارجية يؤدي إلى انهيار حالتها الكمومية؛ وهذه تعتبر مشكلةً كبيرةً وتحديًّا كبيرًا بالنسبة للحوسبة الكمومية!.

لذا كان البحث عن نوعٍ أكثر استقرارًا من البت الكمومي ضرورةً ملحَّةً، وكان استخدام الكيوبت الطوبولوجي هو الحل الأمثل؛ فهو مستقرٌ بدرجةٍ كبيرةٍ، و يتم تخزين المعلومات من خلاله بأسلوبٍ يشبه إلى حدٍّ كبيرٍ أسلوب عقدة على سلسلة، فبغض النظر عما يحدث للسلسلة تبقى العقدة محفوظةً، مما يعني أنه سيكون لأجهزة الكمبيوتر الكمومية ذات البتات الطوبولوجية أساس أكثر صلابةً، وقدرةً على القياس بمعدلٍ أعلى بكثيرٍ..


فوائد الحوسبة الكمومية

يمكن أن توفر الحوسبة الكمومية حلولًا للمشكلات التي يصعب حلها على أسرع أجهزة الكمبيوتر الحالية؛ حيث يخلق هذا النموذج الجديد إمكانيات لا حدود لها عبر مجموعةٍ متنوعةٍ من التطبيقات، شريطة أن يكون لدى الكمبيوتر الكمي كمية كافية من وحدات تصحيح الأخطاء لإكمال الخوارزميات بنجاحٍ.

عمومًا؛ تتمثل أبرز فوائد الحوسبة الكمومية في النقاط التالية.

  • الفرق الطوبولوجي:

قد يتطلب إيجاد حلولٍ للتحديات مثل الاحتباس الحراري والجوع العالمي نظامًا كميًّا يحتوي على آلاف أو ملايين الملايين من البتات، وتطبيق الكيوبت الطوبولوجي الذي سبق وذكرناه سيقدم حلولًا رائعةً لهذه المشكلات المعقدة مع استخدام عددٍ أقل من البتات الإجمالية.

  • حل مشاكل نقص الأغذية في العالم:

يستطيع الكيميائيون من خلال الحوسبة الكمومية إيجاد محفزٍ جديدٍ للأسمدة للمساعدة في تقليل انبعاثات الغازات المؤدية للاحتباس الحراري من جهة الدفيئة، وتحسين الإنتاج العالمي للأغذية.

هذا الأمر يصعب كثيرًا على أجهزة الكومبيوتر التقليدية القيام به، فهو يتطلب التحكم في التفاعلات الكيميائية ونمذجتها وهذا ما تستطيع الحواسيب الكمومية القيام به، ونستطيع القول أنَّ مجال الكيمياء هو المجال الذي سيكون للحواسيب الكمومية تأثيرٌ كبيرٌ فيه.

  • الحد من استهلاك الطاقة:

أحد أهداف الحوسبة الكمومية هو تطوير الموصلات الفائقة ذات درجة الحرارة العالية، والتي يمكن من خلالها نقل الطاقة دون تضييعها بسبب المقاومة؛ حيث ستساعد الاكتشافات الجديدة بواسطة أجهزة الكمبيوتر الكمومية في تحديد المواد ذات الخصائص المناسبة للموصلية الفائقة ذات درجة الحرارة العالية، وهو مستوى من التعقيد بعيد المنال بالنسبة لأجهزة الكمبيوتر التي نستخدمها اليوم.

  • تحسين تعلم الآلة:

يمكن للحوسبة الكمية أن تجلب السرعة والكفاءة للمشاكل المعقدة في التعلم الآلي، فالمصانع الكبيرة مثلًا، والتي تهدف إلى زيادة الإنتاج إلى الحد الأقصى تتطلب تحسين كل عمليةٍ تجري ضمنها فرادى، وكذلك جميع المكونات المشاركة.

حينذاك يأتي دور أجهزة الكمبيوتر الكمومية التي تساعد في تقديم رؤى تحسين للإخراج المبسط، تقليل النفايات وخفض التكاليف في آنٍ معًا..

هل أعجبك المقال؟

الكشف عن أسرار مصدر نهر النيل الذي كان لغزاً لآلاف السنين!

2 د

ظلّ مصدر نهر النيل لغزاً لآلاف السنين.

لنهر النيل مصدران رئيسيان: النيل الأزرق من إثيوبيا والنيل الأبيض من البحيرات الأفريقية الكبرى وما وراءها.

حاولت العديد من الحضارات البحث عن مصدر النيل، لكن نظام النهر المعقّد يجعل من الصعب تحديد أصل واحد.


يعتبر نهر النّيل من أطول الأنهار في العالم وأحد أهم الأنهار في مصر والمنطقة العربية. ومنذ القدم، كان مصدر المياه الذي ينبعث منه النّيل يثير اهتمام المصريّين القدماء، وحتى الآن لا يزال هذا السؤال غامضاً ولا يحمل إجابة واضحة. على الرّغم من التقدّم التكنولوجي والمعرفة الجيوفيزيائية، لا يزال أصل النّيل لغزاً حتّى يومنا هذا.

في حين أنّ الإجابة البسيطة هي أنّ للنيل مصدرين رئيسيّين -النّيل الأزرق من إثيوبيا والنّيل الأبيض من البحيرات الأفريقيّة الكُبرى وما وراءها- فإنّ منشأ النّيل أكثر تعقيداً ممّا يبدو.

حاول الرّومان القدماء العثور على منبع النّيل، وبمساعدة المرشدين الإثيوبيين، توجّهوا عبر إفريقيا على طول نهر النيل إلى المجهول. على الرغم من أنّهم وصلوا إلى كتلة كبيرة من المياه كانوا يعتقدون أنّها المصدر، إلا أنّهم فشلوا في النّهاية في حلّ اللغز.

قبل الرّومان، حرص المصريّون القدماء معرفة أصل النّيل لأسباب ليس أقلّها أنّ حضارتهم كانت تعتمد على مياهه لتغذية ترابهم وتكون بمثابة طريق مواصلات. فتتبّعوا النهر حتّى الخرطوم في السّودان، واعتقدوا أنّ النّيل الأزرق من بحيرة تانا، إثيوبيا، هو المصدر. وقد كانت رؤية النيل الأزرق على المسار الصحيح، ولكن لا يوجد دليل على أنّ المصريين القدماء اكتشفوا القطعة الرئيسية الأخرى في هذا اللغز؛ النيل الأبيض.

واليوم، تمّ الاتّفاق على أنّ للنيل مصدرين: النّيل الأزرق والنّيل الأبيض، يلتقيان في العاصمة السّودانية الخرطوم قبل أن يتّجه شمالاً إلى مصر. يظهر النّيل الأزرق من الشّرق في بحيرة تانا الإثيوبيّة، بينما يظهر النّيل الأبيض من حول بحيرة فيكتوريا يخرج من جينجا، أوغندا. ومع ذلك، حتى هذه المصادر هي أكثر تعقيداً ممّا تبدو عليه لأول مرة.

يوضّح المغامر الشهير السير كريستوفر أونداتجي أنّ بحيرة فيكتوريا نفسها عبارة عن خزّان تغذّيها أنهار أخرى، وأنّ النّيل الأبيض لا يتدفّق مباشرة من بحيرة ألبرت ولكن من نهر كاجيرا ونهر سيمليكي، اللّذان ينبعان من جبال روينزوري في الجمهورية الكونغو الديمقراطية. في نهاية المطاف، كما يجادل، يمكن تتبّع النّيل الأبيض مباشرة إلى نهر كاجيرا ونهر سيمليكي.

ذو صلة

في الختام، ليس لنهر النّيل مصدر واحد، بل يتغذّى من خلال نظام معقّد من الأنهار والمسطّحات المائية الأخرى. في حين أنّ الفكرة اللّطيفة القائلة بإمكانيّة تحديد المصدر بدقّة على الخريطة هي فكرة جذابة، إلّا أنّ الحقيقة نادراً ما تكون بهذه البساطة.

حتى اليوم، لا يزال مصدر النيل لغزاً يثير إعجاب النّاس في جميع أنحاء العالم.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّة واحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة
متعلقات