ذكاء اصطناعي

وجبتك قد تكون السبب… النظام الغذائي وراء النعاس المفاجئ نهاراً

ملاذ المدني
ملاذ المدني

4 د

تشير دراسة حديثة إلى أن النُعاس الزائد مرتبط بالنظام الغذائي وتوازن الهرمونات.

كشف تحليل عينات دم عن وجود مستقلبات ترتبط بزيادة النُعاس أثناء النهار.

الأحماض الدهنية مثل أوميغا-3 ترتبط بانخفاض النُعاس، بينما تزيد بعض المركبات من النُعاس لدى الرجال.

البحث الطبي قد يطور استراتيجيات تشمل تغييرات غذائية لعلاج النُعاس المفرط.

ربما اختبرت ذلك الإحساس: تستيقظ من النوم وتتجهز ليومك، لكن طوال النهار تلازمك رغبة مستمرة في النوم وتثاقل في الجفون دون سبب ظاهر. كثيرون يعزون هذا النُعاس الزائد نهاراً إلى قلة النوم أو السهر أو حتى الإرهاق، لكن بحثاً طبياً حديثاً يشير إلى أن الأمر أكثر تعقيداً وأن هناك عوامل خفية متعلقة بالحمية الغذائية وتركيبة الجسم قد تلعب دوراً محورياً في هذا الشعور المزعج.

في دراسة علمية نشرت مؤخراً بمجلة "The Lancet eBioMedicine"، قام باحثون من مؤسسات طبية مرموقة في الولايات المتحدة، كبرى مستشفى ماساتشوستس ومركز بيث إسرائيل ديكونيس الطبي، بتحليل عينات دم لآلاف المشاركين. النتائج كشفت عن وجود جزيئات صغيرة تدعى "المستقلبات" ترتبط بشكل وثيق بزيادة النُعاس أثناء النهار، ووجدوا أنها متأثرة بما نأكله وبالهرمونات التي ينتجها الجسم. هذه النتائج فتحت الباب لفهم أوسع لعوامل النوم الصحي ولعلاجات مستقبلية محتملة تعتمد على تعديل النظام الغذائي.

وإذا تابعنا الربط بين أسباب النُعاس التقليدية والأبعاد الحديثة التي أبرزتها الدراسة، سنجد أن المشكلة أكبر مما نظن، خصوصاً في المجتمعات التي تتزايد فيها معدلات اضطرابات النوم وأنماط الحياة غير الصحية.


النُعاس النهاري: ليس مجرد قلة نوم

بدراسة المزيد عن هذه الظاهرة يتضح أن ثلث الأمريكيين تقريباً يعانون بشكل يومي من النُعاس المفرط الذي يؤثر على انتاجيتهم وحياتهم الاجتماعية. ليس ذلك فقط، بل إن هذه الظاهرة ترتبط أيضاً بازدياد مخاطر الإصابة بأمراض القلب، السمنة، وداء السكري. ويتميّز النوم الصحي عموماً بأنه لا يتوقف فقط عند عدد ساعات النوم ليلاً، بل يتعلق أيضاً بوجود مراحل النوم العميق وحركة العين السريعة (REM) التي تساهم في تجديد نشاط الدماغ والجسم معاً.

وهنا يبرز ارتباط أعراض النُعاس النهاري المستمر بالعادات اليومية، إذ أن علاج هذه المشكلة غالباً ما يبدأ بتحسين جودة النوم ليلاً، أو معالجة مشكلات طبية مثل انقطاع النفس أثناء النوم باستخدام أجهزة خاصة أو تغيير أدوية، لكن دراسة المستقلبات تقترح إضافة “النظام الغذائي” إلى قائمة العوامل المؤثرة.


خلاصة الدراسة: أسرار في دمائنا

لتوضيح الصورة، اعتمد الباحثون على تحليل عينات دم ما يقارب 6000 مشارك من أصول لاتينية، وفحصوا نحو 877 مستقلباً – وهي جزيئات صغيرة تظهر نتيجة عمليات الأيض في الجسم وتتأثر بأنواع الطعام والهرمونات. وتم الربط بين ذلك وبين استبيان خاص بقياس درجة النعاس أثناء النهار.

واتساقاً مع المنهج العلمي، قام الفريق بتكرار النتائج في دراسات مشابهة على سكان في أمريكا وإنجلترا وفنلندا. النتيجة كانت مثيرة: تم العثور على 7 مستقلبات ترتبط بوضوح بالنعاس المفرط، إلى جانب 3 مستقلبات أخرى تختلف حسب الجنس.

ولم تكن النتائج متوقعة بالكامل؛ فالأحماض الدهنية أوميغا-3 وأوميغا-6 – الموجودة بكثرة في الأنظمة الغذائية المتوسطية مثل زيت الزيتون والأسماك والمكسرات – ظهرت مرتبطة بانخفاض مخاطر النُعاس خلال النهار. في المقابل، وُجد أن مركبات مثل “التيرامين” الموجود في الأطعمة المخمرة أو الفواكه الناضجة جداً، تزيد من معدلات النُعاس خاصة بين الرجال.

وهكذا، يتضح أن ما يتناوله الإنسان يومياً يسهم في تشكيل توازن هرمونات الجسم مثل البروجسترون والميلاتونين، اللذين يرتبطان بدورة النوم واليقظة.


هل يمكن تعديل النظام الغذائي لعلاج النُعاس؟

إذا ما حاولنا ربط هذه النتائج بتطلعات البحث الطبي مستقبلاً، يتضح للقراء أن العلماء يعملون على تطوير حلول وخيارات جديدة. هذه النتائج تمهد الطريق لابتكار استراتيجيات علاجية ربما تشمل تغييرات غذائية أو حتى أدوية تستهدف مستقلبات معينة، على أمل التخفيف من النعاس المفرط نهاراً.

ومع ذلك، يشدد الباحثون على أن دراستهم لاتزال مبدئية، خاصة أن قياس المستقلبات بشكل دقيق ومعايرة طرق جمع البيانات باستخدام الاستبيانات بدلاً من اختبارات مخبرية دقيقة للنوم قد يترك بعض الفجوات. لذلك، ستركز الدراسات المقبلة على تجارب سريرية لرصد أثر تعديلات النظام الغذائي أو المكملات الغذائية على المشكلة، واكتشاف مستقلبات لم تُرصد بعد.

ومما يسلط الضوء عليه هذا البحث أن الحل لا يكمن فقط في زيادة ساعات النوم، بل في الانتباه لما يدخل أجسادنا يومياً وكيف يتفاعل الجسم معه.

وفي نهاية المطاف، يظهر جلياً أن النُعاس النهاري هو مؤشر على تداخل عوامل كثيرة– من الوجبات وحتى الهرمونات الوراثية– ويستحق أن نتعامل معه بدرجة من الوعي والاهتمام تفوق مجرد البحث عن فراش أكثر راحة أو محاولة النوم المبكر. إذاً، ربما حان الوقت لإعادة النظر فيما تقدمه موائدنا اليومية لصحتنا ونشاطنا، مع الانتباه بأن الراحة الحقيقية تبدأ من الداخل.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.