ذكاء اصطناعي

وحش مدرع غريب عاش قبل 72 مليون سنة… وكان يسرق بيض الديناصورات

ملاذ المدني
ملاذ المدني

4 د

اكتشف فريق دولي نوعًا جديدًا من الزواحف المدرعة سمي "بولغ أموندول".

عاش "بولغ" قبل 75 مليون سنة بجنوب يوتا وهو سلف لوحش جيلا الشهير.

الاكتشاف يفتح نافذة على تنوع الزواحف الضخمة في العصر الطباشيري.

كشف تحليل العظام عن ثلاثة خطوط تطورية منفصلة للسحالي المدرعة.

امتداد الزواحف يوحي بوجود جسور جيولوجية بين قارات الماضي.

في واحدة من أكثر الاكتشافات العلمية إثارة هذا العام، أعلن فريق دولي من الباحثين عن تحديد نوع جديد تماماً من الزواحف المدرعة، أطلقوا عليه اسم “بولغ أموندول” – اسم مستوحى من شخصية الأمير الغول في عالم تولكين الشهير. هذا المخلوق الذي عاش قبل نحو 75 مليون سنة في ما نعرفه اليوم بجنوب ولاية يوتا الأمريكية لم يكن ديناصوراً بالمعنى التقليدي، بل سلف هائل الحجم لأقارب السحلية المسمومة الشهيرة “وحش جيلا”. الاكتشاف يكشف عن تنوع غير متوقع وغني لعالم الزواحف في العصر الطباشيري ويعيد رسم خريطة تطور فصائلها.


لوحة من بقايا العظام المفقودة والدرع الطبيعي

البداية جاءت بالصدفة في أحد مستودعات متحف التاريخ الطبيعي في ولاية يوتا، حيث لفت انتباه د. هانك وولي جزء من هيكل عظمي موضوع في جرة عليها ملاحظة غامضة: “عظام سحلية”. أدرك وولي سريعاً أن بين يديه أجزاء منجم علمي ثمين: قطع من الجمجمة، وبعض الفقرات، وأجزاء من الأطراف، إلى جانب بقايا من الدروع العظمية التي كانت تغطي جسد هذا الكائن. وعلى الرغم من أن الهيكل لم يكن مكتملًا، فإن تشابك القطع ونُدرتها منح العلماء رؤية شاملة، مكنتهم من التأكد أن جميع العظام عائدة إلى فرد واحد ضخم. ومن هنا انطلقت رحلة فك شفرة “بولغ”.

هذا يُبين مدى الأهمية التي تحملها مقتنيات المتاحف العلمية، ويقودنا مباشرة إلى أهمية الحفريات والمجموعات المحفوظة في كشف أسرار عصور سحيقة.


وحش السحالي: بين الخيال والتاريخ الطبيعي

اختيار اسم “بولغ” لم يكن اعتباطياً. يقول د. وولي: “كنت أبحث عن اسم يجمع بين طابع الوحشية والغموض، ووجدت ضالتي في شخصية بولغ، أمير الغيلان من رواية الهوبيت”. أما كلمة “أمون-دول” فمأخوذة من اللغة السِندارية المختلقة عند تولكين، وتعني “رأس التل”، في إشارة واضحة لشكل الدروع العظمية التي تميز هذا الحيوان وغيره من منجسترصورات العصر الطباشيري. وهنا يجتمع السحر الأدبي مع دقة العلم ليبرز صورة مركبة لهذا السحلية المدرعة.

انتقالاً من الجانب الرمزي إلى العلمي، يتضح مدى ارتباط “بولغ” بأقاربه المعاصرين مثل وحش جيلا وسحالي المونيتور، وهو أمر يعزز فهمنا لكيفية تطور الزواحف الضخمة وانتشارها عبر القارات في عصور غابرة.


تنوّع غير متوقع لزواحف ما قبل التاريخ في أمريكا الشمالية

بتحليل أجزاء الجمجمة وقطع الدروع الحفرية، كشف الباحثون أن تنوع هذه السحالي المفترسة كان أكبر بكثير مما توقعه علماء الحفريات. فقد أظهرت الاكتشافات الحديثة من تشكيل كايبارويتس الحفري في محمية غراند ستيركيس-إسكالانتي الوطنية أن الغابات القديمة التي كانت تغطي جنوبي يوتا احتضنت على الأقل ثلاثة خطوط تطورية منفصلة من السحالي الضخمة المدرعة.

وهذا يعني أن تلك البيئات لم تكن موطناً للديناصورات فحسب، بل شاطرتهم أنواع أخرى من الحيوانات المفترسة التي اصطادت بيض الديناصورات وصغار الحيوانات الأخرى، ولعبت أدواراً بيئية لم نكن ندركها من قبل.

وهذا يرتبط بشكل وثيق برؤية جديدة حول طبيعة النظم البيئية في عصور الديناصورات، حيث لم تكن الديناصورات وحدها المهيمنة المطلقة بل شاركتها الأرض زواحف عملاقة أخرى تكاملت معها ضمن شبكات الغذاء.


بولغ: جغرافيا متحركة وحكاية قارات قديمة

اللافت أن أقرب أقرباء “بولغ” عاش منذ ملايين السنين في صحراء جوبه الأسيوية، أي على بعد آلاف الكيلومترات من يوتا. ويكشف هذا عن وجود جسور جيولوجية – أراضٍ كانت القارات فيها متصلة – سمحت بانتشار وتعاقب فصائل الزواحف عبر كتلة لاوراميديا وقارة آسيا خلال العصر الطباشيري. لسنوات طويلة اعتقد العلماء أن حركة الديناصورات فقط هي من رسم تاريخ هجرة الحيوانات بالقارات، إلا أن “بولغ” يبرهن أن الزواحف الصغيرة والضخمة منها لم تكن أقل قدرة على عبور العالم.

امتد هذا الاكتشاف، أيضاً، ليكشف أهمية الاستثمارات في البحث العلمي والدعم للعلماء الشبان، فقد بدأت دراسة “بولغ” حينما كان وولي طالب دكتوراه واستكملها كباحث شاب في برنامج زمالة يوفر الدعم لعلماء الحفريات الواعدين.

ذو صلة

وفي الختام تتكامل كل هذه الجهود مع أهمية الحفاظ على الأراضي العامة والمناطق المحمية مثل غراند ستيركيس-إسكالانتي، التي ظلّت على مدار ربع قرن منجماً لا ينضب للمفاجآت الحفرية التي تعيد لنا قصص الأرض الأولى والأنواع المنقرضة.

إذاً، يمكن القول إن “بولغ” ليس مجرد أحفورة جديدة؛ بل نافذة مفتوحة على ماضٍ سحيقٍ ينبض بالتنوع والدراما، تذكرنا أن الأرض كانت – وما زالت – موطن مفاجآت لا تنتهي في كل طبقة من طبقاتها الجيولوجية.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة