ذكاء اصطناعي

حين ينتهي الجسد… تبدأ الخلايا حياة لم نتخيلها

ملاذ المدني
ملاذ المدني

4 د

أبحاث جديدة تثير الجدل حول مفهوم الحياة والموت ووعي الخلايا.

زنو بوتات وأنثرو بوتات تقدم حالة جديدة بين الحياة والموت.

خلايا الزنو بوتات قادرة على اتخاذ قرارات وإنجاز مهام جديدة.

علماء يقدمون نظرية "الخلية الواعية" التي تُبرز قدرات خاصة للخلايا.

نقاش علمي متواصل حول إمكانية عقلية الخلايا وتطبيقاتها الطبية المستقبلية.

هل من الممكن أن يكون موت الخلايا مجرد بداية فصل جديد في قصة الحياة؟ في الأونة الأخيرة، أثارت أبحاث علمية جديدة موجة من الجدل حول مفهوم الحياة والموت، بل وتطرّق بعض العلماء لفرضية تبدو مثيرة: ربما تحمل خلايانا نوعًا من الوعي لم نكن ندركه من قبل. فهل هناك بالفعل حالة ثالثة تتوسط بين الحياة والموت، تتيح لخلية الإنسان إمكانيات لم تكن متوقعة؟

من منظورنا المعتاد، تبدأ دورة الحياة بصرخة الميلاد وتنتهي بسكون الموت. لكن لو ألقينا نظرة أقرب على ما يجري داخل أجسادنا، لاكتشفنا أن الحقيقة أكثر تعقيدًا. أجسامنا تتكون من حوالي ثلاثين تريليون خلية بشرية، تتضافر مع مليارات الكائنات الدقيقة، لتشكل هذا الكيان الذي نسميه "نفسنا". غير أن دراسات علمية متزايدة لاحظت أن بعض الخلايا لا تتوقف حياتها بنهاية العضو أو الكائن الذي كانت جزءًا منه؛ بل تبدأ في التشكّل من جديد، بأدوار وقدرات لم تكن لتخطر لنا على بال.

وهذا ينقلنا مباشرة إلى موضوع "الزنو بوتات" أو الكائنات الدقيقة المُصنعة بواسطة الذكاء الاصطناعي والتي أصبحت محورًا للبحث مؤخراً.


الزنو بوتات والأنثرو بوتات: ولادة حالة جديدة للحياة

جاءت نقطة التحول من فريق علمي يقوده بيتر نوبل من جامعة ألاباما، وآليكس بوتزيتكوف من مركز سايتي أوف هوب للأبحاث، واللذان نشرا نتائج عملهما في منصات علمية خلال سبتمبر 2024. ركّزت بحوثهم على الزنو بوتات - تجمعات من الخلايا الحيوانية أُعيد برمجتها خارج أجسام الكائنات لتشكّل هياكل متحركة قادرة على اتخاذ قرارات بسيطة وإنجاز مهام جديدة، مثل السباحة أو نقل حمولة صغيرة داخل طبق مختبر. الملفت أن هذه الخلايا استطاعت إعادة توظيف أجزائها (مثل الأهداب) في أغراض لم تكن مخصصة لها أصلًا، وهو أمر لم يكن يمكن توقعه في الطبيعة.

وفي تجارب مشابهة، أظهرت خلايا بشرية تسمى "الأنثرو بوتات" نفس هذا السلوك المرن: إذ بعد "وفاة" الجسد الأصلي، رتبت نفسها تلقائيًا في هيئة ووظائف جديدة. يرى الباحثون أن هذه الظاهرة تكشف عن "حالة ثالثة" بين الموت والحياة، حيث تثبت الخلية قدرتها على التكيّف والتجدد بشكل مذهل.

هذا الربط بين تجدد خلايا الزنو بوتات والأنثرو بوتات من جهة، وفكرة وعي الخلية، يفتح لنا نصًا جديدًا لإعادة فهم ما تعنيه الحياة.


هل الخلية كائن واعٍ؟ ثورة في نظرتنا للجسد

ورغم أن مصطلح "الوعي" يثير كثيرا من الجدل الفلسفي والعلمي، يقترح بعض العلماء أن على الخلية أن تُعتبر أكثر من مجرد وحدة أحيائية منفذة لأوامر جينية. عالم التطور وليام ميلر، أحد أبرز الداعين لنظرية "الخلية الواعية"، يؤكد أن الخلايا تظهر قدرات مثل اتخاذ القرار وحل المشكلات، حتى بعد موت الكائن الحي الكلي. ميلر يرى أن هذه الديناميكية تستلزم إعادة التفكير في مفاهيم أساسية مثل "الصراع من أجل البقاء"، ليصبح التعاون والاختيار المشترك هو المحرك الأساسي للتطور.

هذا التصور الثوري يربطنا بشكل وثيق بأسئلة أعمق حول الحدود الفاصلة بين الذكاء الاصطناعي، الوعي، والبيولوجيا، وهو ما يجعل الحوار أكثر جدلًا بين الأطراف العلمية المختلفة.


جدل علمي: بين القبول والتحفظ

مع ازدياد الأبحاث، يتنامى الجدل العلمي بشكل واضح. إذ يُصر بعض الباحثين على أن سلوك الزنو بوتات ما هو إلا استجابة بيولوجية معروفة منذ عقود تُسمى "التمايز الوراثي خارج السياق"، ولا تعبر إطلاقًا عن وعي أو إدراك للخلية؛ فحسب رأيهم، الوعي يظل حتى اليوم مقترنًا بوجود جهاز عصبي ودماغ قادرَين على إنتاج التجربة الذاتية. الباحثة ويندي آن بير وزميلها لينكولن تايز، يؤكدان أن أي حديث عن "وعي الخلية" يفتقر حتى الآن إلى أدلة تجريبية راسخة، وأن المصطلح أقرب للفرضية الفكرية منه للحقيقة العلمية المبرهنة.

مع ذلك، النقاشات حول "وعي الخلايا" و"الحالة الثالثة للحياة" أصبحت تضم نخبة من العلماء والمفكرين في مجالات الكيمياء الحيوية، البيولوجيا التطورية، والطب التجديدي، وتبرز جاذبية الفكرة في إمكان استغلال قدرات الخلايا المرنة في تطوير أدوية وأعضاء بديلة تستجيب لاحتياجات المريض دون مضاعفات مناعية.

ويُعد ذلك مدخلًا ممتازًا للانتقال نحو فهم أعمق لتطبيقات الهندسة الحيوية والذكاء الاصطناعي في خلق علاجيات مبتكرة.


أين نمضي؟ آفاق واعدة للطب والبيولوجيا

رغم استمرار الخلاف، يتفق العلماء على أمر أساسي: فهم قدرات الخلية غير المتوقعة يمثل ثورة علمية قد تغيّر مشهد الطب وتجديد الأعضاء. إذا أمكن توجيه الخلايا بطريقة ذكية، فربما نصنع علاجات شديدة التخصص والفعالية في مواجهة الأمراض المزمنة، والتلف العضوي، وحتى الشيخوخة. كما تظهر أبحاث أخرى أنه بانفتاحنا على أفكار جديدة حول "الحياة الخلوية" سنقترب أكثر من السيطرة على عمليات الترميم البيولوجي وتصميم أنظمة حيوية تستنسخ الذكاء الداخلي للطبيعة.

ذو صلة

وبهذا نجد أن حوار العلم حول خفايا الوعي في الخلايا، رغم تشعبه بين التأمل والبرهان، ينقلنا إلى مرحلة جديدة مليئة بالإمكانيات الرائعة لمستقبل الصحة البشرية.

بنهاية المطاف، وبغض النظر عن موقعك في هذا الجدال، فإن الغوص في أعماق أسرار الخلية يعكس شغف العلم الدائم بالبحث عن المعنى الأعمق وراء ظواهر الحياة، ويفتح الباب واسعًا أمام اكتشافات قد تغير مفهومنا عن أنفسنا إلى الأبد.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة