عين بشرية بقدرات القطط… عدسة لاصقة تحول الأشعة تحت الحمراء إلى ألوان مرئية

4 د
طور باحثون عدسات لاصقة تتيح للإنسان رؤية الأشعة تحت الحمراء ليلاً.
تعمل العدسات بتحويل الأشعة تحت الحمراء إلى ضوء مرئي للعين البشرية.
تبقى الصور ضبابية مقارنة بالنظارات الليلية التقليدية التي تظل أكثر فعالية.
احتوت الاختبارات الأولية على تجربة العدسات على شبكية فئران، وحققت نجاحاً.
يمكن استخدام العدسات في العمليات الجراحية أو كشف العلامات السرية.
تخيل أنك تستطيع تجول في ظلام الليل وترى وضوحاً تفاصيل لم يكن في وسع الانسان إدراكها من قبل، دون الحاجة لأي أجهزة ثقيلة أو نظارات ليلية ضخمة. يبدو الأمر وكأنه مشروع من أفلام الخيال العلمي، لكن فريقاً من الباحثين الصينيين نجح أخيراً في تطوير عدسات لاصقة أشبه بالسحر، تتيح للعين البشرية كشف الضوء في مجال الأشعة تحت الحمراء، ذلك الطيف غير المرئي للعين عادة.
الضوء، هذا الزائر اليومي الذي يحيط بنا، ليس سوى ترددات متنوعة من الأمواج الكهرومغناطيسية. لكل لون أو نمط من هذه الأمواج طول موجي خاص، من البنفسجي وحتى الأحمر. ولكن ما يخرج عن حدود الرؤية البشرية هو عالم الأشعة تحت الحمراء، الذي يبدأ من 750 نانومتر تقريباً وحتى مليمترات أكبر بكثير، ويظل بعيداً عن إدراكنا. لهذا السبب، طالما اقتصرت أجهزة الرؤية الليلية على تقنيات معقدة وأجهزة تحتاج مصادر طاقة خارجية، إلى أن جاءت المفاجأة من الشرق الأقصى.
وبفضل عمل فريق جامعة العلوم والتكنولوجيا في مدينة هيفي الصينية، لم يعد فضول الإنسان عن رؤية الليل مجرد حلم. إذ دمج العلماء بين العدسات اللاصقة التقليدية وجسيمات نانوية مبتكرة بقياس أجزاء ضئيلة من الميكرون، تحوي مواد مثل الذهب وأيونات فلزات الأرض النادرة. هذه التشكيلة الدقيقة قادرة على "تحويل" الأشعة تحت الحمراء إلى أنماط ضوئية مرئية، بحيث تصبح التفاصيل خفية للعين الطبيعية واضحة أمام مرتدي هذه العدسات الذكية.
وإذا تساءلت عن الكيفية، فالأمر يدور حول عملية تُعرف علمياً بالتحويل التصاعدي أو الاستثارة الضوئية. هنا، تقوم الجسيمات النانوية باكتساب الطاقة من موجات الأشعة تحت الحمراء (بأطوال تتراوح من 800 إلى 1600 نانومتر)، ثم تبث هذه الطاقة في صورة ألوان أساسية تراها العين. بهذه الطريقة، يتحول الظلام إلى مشاهد متميزة بالألوان، وينكشف الليل عبر وسائل مبتكرة لأول مرة.
رؤى وتحديات عملية: بين الأمل والواقع
ومع هذا الإنجاز المثير، تبرز بعض العقبات التقنية. فالصورة التي يحصل عليها مرتدي العدسات ما زالت ضبابية إلى حد ما، بسبب تشتت الضوء داخل العدسة النانوية. حاول الباحثون التخفيف من هذه المشكلة بتصميم إضافات بصرية بسيطة، ومع ذلك تبقى تقنيات النظارات الليلية التقليدية أكثر قوة في تضخيم الإشارات الضعيفة وتحويلها لصور واضحة. إذن، بينما يمثل الاختراع طفرة تكنولوجية في عالم العدسات الطبية والتقنيات البصرية، إلا أنه ما زال في بدايته مقارنة بأجهزة الرؤية الليلية العسكرية أو الاحترافية.
والمثير هنا أن تجربة الباحثين لم تقتصر على العين الاصطناعية، بل تم اختبار فكرة الرؤية الليلية بداية بحقن الجسيمات النانوية في شبكية فئران المختبر، ولاحظوا قدرتها على التنقل في العتمة بسرعة ومرونة. ثم جاء الإنجاز الحقيقي بإنتاج عدسات لاصقة غير جراحية للبشر، حيث أثبتت التجارب المبدئية نجاح المشاركين في تمييز أنماط وأحرف وإشارات ضوئية بالأشعة تحت الحمراء حتى والأعين مغلقة أحياناً. وقد يعود السبب لهذا لأن الأشعة تحت الحمراء تخترق الجفن بسهولة، فلا يعوقها الضوء المرئي.
وانطلاقاً من ذلك، تصبح إمكانية الاستفادة من العدسات الجديدة مجالاً واسعاً للخيال، بدءاً من العمليات الجراحية الدقيقة، مروراً بكشف العلامات السرية في المستندات، وصولاً لمحاربة التزييف أو إنقاذ المحاصرين في أماكن مظلمة عن طريق تتبع الحرارة، حيث أن الأجسام الحية تصدر إشعاعاً تحت الحمراء قد ترصده العدسات.
لكن في الوقت نفسه، يرى العديد من الخبراء أن أجهزة الرؤية الليلية الحالية تظل أسهل استخداماً وأكثر فاعلية، مما يجعل توظيف العدسات اللاصقة بالأشعة تحت الحمراء محصوراً حالياً في نطاقات تطبيقية محدودة أو بحثية.
ولمتابعة هذا السياق، من المهم أيضاً الإشارة إلى أن بعض أنواع الحيوانات، مثل الأفاعي أو الأسماك المفترسة أو حتى البعوض، قادرة على التقاط إشارات الأشعة تحت الحمراء للتنقل أو الصيد في الظلام. بينما تظل عيون البشر وسائر الثدييات حبيسة حدود الطيف المرئي، إما بفعل طبيعته البيولوجية أو لتجنب تضارب الرؤية مع حرارة الجسم ذاته، ليصبح الفارق بين البشر وكائنات الليل أكثر وضوحاً.
وفي هذا المضمار، تعود الابتكارات الطبية والتكنولوجية دائماً لتطرح أسئلة جديدة حول الحدود القادمة للقدرات الإنسانية. فمن يدري، لعل هذه العدسات، التي وُلدت أصلاً في مختبرات متخصصة، ستجد مكانها في يوم من الأيام بين معدات الجراحين أو حراس الأمن أو حتى الهواة والمتخصصين في الطيف الكهرومغناطيسي.
في المحصلة، يكشف لنا تطور العدسات اللاصقة بالأشعة تحت الحمراء عن تخوم جديدة في العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا. فعلى الرغم من العقبات التقنية والمحددات العملية، إلا أن هذه الابتكارات تحمل وعداً حقيقياً بجعل قدراتنا البصرية أقرب ما تكون إلى عالم الخيال العلمي. وبينما تعكف مختبرات العالم على تحسين الكفاءة وتوسيع الاستخدامات، يبقى الحلم قائماً بأن يأتي يوم يكون فيه التنقل في ظلام الليل بوضوح الشمس في متناول الجميع.
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.