ذكاء اصطناعي

لغز الإغوانا البحرية… لماذا يتوقف قلبها تحت الماء؟

ملاذ المدني
ملاذ المدني

3 د

تبطئ إغوانة البحر دقات قلبها لتطيل فترة بقائها تحت الماء.

تمتلك الإغوانة البحرية قدرة الإرادة على التحكم بإيقاع قلبها لتفادي المفترسات.

بنية الإغوانة تساعدها في جمع غذائها ومواجهة تحديات البيئة البحرية.

تتعرض إغوانة البحر لتهديدات تغير المناخ والحيوانات الدخيلة.

تظل إغوانة البحر مثالًا مذهلًا على التكيف والبقاء في عالم البحار.

تخيل لتوك سحلية من جنس الإغوانة، تتحدى أمواج المحيط على شواطئ جزر غالاباغوس، ثم تغوص بهدوء لتختفي عن الأنظار، وبينما هي تلتهم الطحالب من الصخور البحرية، تتوقف دقات قلبها فجأة! ليست هذه قصة خيالية، بل حقيقة مذهلة تميّز إغوانة البحر، الكائن الوحيد من السحالي الذي يستطيع السباحة والغوص في المحيط، ويلجأ إلى حيلة عجيبة: إبطاء نبض قلبه أو حتى إيقافه مؤقتًا، ليبقى صامتًا بين مفترسات البحر ويبقى التنفس حكرًا على فترات أطول.


من قلب الأعماق: كيف تتأقلم إغوانة البحر مع بيئتها الفريدة؟

تقضي إغوانة البحر حياتها في تحدٍ دائم لقوانين البقاء، فهي متخصصة في أكل الطحالب العالقة بصخور جزر غالاباغوس، ما يضطرها للغوص تحت سطح مياه باردة وغنية بالكائنات البحرية. لكن الغوص يعني أن تنقطع عن الهواء لفترات طويلة، وهنا تبدأ الحيلة: لإطالة فترة بقائها تحت الماء، تبطئ نبضات قلبها إلى حد أقرب للسكون فيما يعرف ببطء القلب أو "براديكارديا". هذا التكيف البيولوجي يقلل استهلاك الأوكسجين ويمنحها وقتًا كافيًا لجمع الغذاء دون العودة المتكررة إلى السطح. وهكذا، تصبح إغوانة البحر بفضل هذا الترتيب الطبيعي "غواصًا محترفًا" وسط المحيط.


آليات التوقف القلبي: بين الغريزة والتحكم الإرادي

ولأن حديثنا عن توقف نبض القلب قد يبدو غير معقول للبشر، تجدر الإشارة إلى أن الإغوانة البحرية لا تعتمد فقط على غريزة الغوص مثل بعض الطيور والثدييات فحسب، بل يمكنها أيضًا التأثير بشكل إرادي على إيقاع قلبها. هذا الأمر ناتج عن تفاعل معقد بين رد الفعل الفسيولوجي للغوص، الذي يتضمّن تضييق الأوعية الدموية وتحويل تدفق الدم نحو الأعضاء الحيوية كالدماغ والقلب، وبين التحكم العصبي الذي تكتسبه بعض الإغوانات مع الخبرة المتكررة. بذلك، تحقق السحلية توازناً سحرياً بين البقاء على قيد الحياة تحت الماء والحنكة في التعامل مع المحيط.

وهنا يتضح أن قدرتها الاستثنائية على إبطاء نبضها لها سبب آخر بالغ الأهمية يتعلق بالدفاع عن النفس.


الهروب من عيون المفترسات: قلب صامت ينقذ الحياة

يمثل القرش التهديد الأكبر للإغوانة البحرية أثناء الغوص، لأنه يعتمد على استشعار الإشارات الكهربائية الصادرة عن القلوب النابضة للصيد. ولحسن حظ الإغوانة، فإن بطء النساء أو توقفها عن النبض يغلق "جرس العشاء" الذي كان سيجذب تلك الحيوانات المفترسة حتى من مسافة قد تصل إلى أربعة أمتار تقريباً. الدراسات تشير إلى أن بعض الإغوانات يمكنها التوقف عن إصدار الإشارات القلبية حتى 45 دقيقة، مانحةً لنفسها فرصة لا تقدر بثمن للإفلات وسط زحام الكائنات البحرية في المنطقة.

انتقالاً من حماية النفس، تلعب تلك الاستراتيجيات دورًا جوهريًا في دورة حياة الإغوانة البحرية.


تكيف مذهل في مواجهة التغيرات: أكثر من مجرد إبطاء القلب

لا تقتصر براعة إغوانة البحر في التكيف على آلية "القلب الصامت" فقط، بل يظهر ذلك أيضًا في بنية جسدها: فلديها أسنان حادة وسنوت قصيرة لانتزاع الطحالب، وذيل مسطح يعينها على السباحة بكفاءة، وغدد خاصة قادرة على طرد أملاح البحر من خلال فتحتي الأنف فتبدو أحيانًا وكأنها تضع "باروكة" بيضاء من الملح. كما أن ألوانها تتغير حسب السن أو موسم التزاوج، حيث يلجأ الذكور إلى استعراض ألوان زاهية لجذب الإناث وزيادة فرصتهم في التكاثر، وتظهر فيهم صفة "السيطرة الإقليمية" بحركات الرأس والنفخ الصوتي.

ذو صلة

كل هذه الأساليب تساعد الإغوانة البحرية في تحدي الطبيعة الصعبة والحفاظ على موطنها، إلا أنها تواجه ضغوطات متزايدة من تغير المناخ ومن الحيوانات الدخيلة التي جلبها الإنسان مثل القطط والكلاب، مما جعل وضعها في القائمة الحمراء للأنواع المعرضة للخطر حسب الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN).

ختامًا، تثبت الإغوانة البحرية أنها أكثر من مجرد سحلية ضائعة بين الصخور البركانية لجزر غالاباغوس؛ فهي لغز علمي حي في كيفية التكيف والبقاء. بفضل قلوبها التي تتحكم فيها الإرادة والغريزة، تواصل هذه الكائنات تحدي المخاطر، وتمنحنا درساً رائعاً في تصميم الطبيعة لما يناسب كل بيئة. وتبقى قوتها في الصمت... الحيلة الأعظم للنجاة وسط عالم البحار.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة