MIPPIA: حارس حقوق الموسيقى في عصر الذكاء الاصطناعي

ملاذ المدني
ملاذ المدني

4 د

هل يمكن لآلة أن تميّز بين الإلهام والسرقة؟ هنا في أراجيك، هذا السؤال لم يعد فلسفياً فقط، بل قانونياً وثقافياً أيضاً. خلال مشاركتنا في Global Media Meet-up في سيول، الذي أُقيم في مكاتب Aving News، التقينا بعدد من الشركات الكورية الناشئة إلى جانب وسائل إعلام دولية مثل DigiTimes وInnovation & Tech Today وVietnam+، لكن شركة واحدة تحديداً جعلتنا نتوقف طويلاً عندها. اسمها MIPPIA، وتحمل مهمة جريئة: أن تصبح المرجع العالمي لحماية حقوق الموسيقى في زمن الذكاء الاصطناعي.

منذ اللحظات الأولى للحديث مع Seonghyeon Go، المدير التقني للشركة، كان واضحاً أننا أمام مشكلة تتجاوز التكنولوجيا. سرقة الألحان ليست جديدة، لكن الذكاء الاصطناعي حوّلها إلى وباء عالمي. أسماء كبيرة مثل Ed Sheeran وMariah Carey وحتى فرق K-pop مثل IVE وجدت نفسها في قلب نزاعات قانونية. ووفقاً لـ Go، فإن الخسائر المتوقعة قد تتجاوز مليار يورو بحلول 2028، مع تهديد مباشر لحوالي 30 مليون موسيقي حول العالم.


عندما يصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً من المشكلة

خلال نقاشنا داخل فريق أراجيك، لاحظنا مفارقة لافتة. الأدوات نفسها التي سهّلت الإبداع، مثل Suno وUdio، هي التي عقدت المشهد. اليوم يمكن لأي شخص إنتاج أغنية كاملة خلال ثوانٍ. النتيجة؟ فيض هائل من المحتوى، وصعوبة متزايدة في إثبات الملكية. الأخطر أن مكاتب حقوق النشر بدأت تطالب الفنانين بإثبات أن أعمالهم لم تُنتج بواسطة الذكاء الاصطناعي.

من وجهة نظرنا، هذه لحظة فاصلة. الموسيقي لم يعد مطالباً فقط بالإبداع، بل بالدفاع عن نفسه تقنياً. هنا تحاول MIPPIA لعب دور “الحارس”، ليس ضد الذكاء الاصطناعي، بل ضده عندما يُساء استخدامه.


ذكاء اصطناعي يفهم الموسيقى لا الصوت فقط

ما يميز MIPPIA فعلاً هو نهجها المختلف. معظم أدوات الكشف الحالية تركز على الإشارة الصوتية، الترددات، والأنماط السطحية. لكن MIPPIA تحاول فهم الموسيقى كما يفهمها الملحن. الألحان، المقامات، البنية، العلاقة بين الكوبليه واللازمة.

Go شرح لنا أن نظامهم قادر على اكتشاف التشابه حتى لو تغير الإيقاع أو المقام أو أُعيد توزيع العمل. أحد الأمثلة التي عرضها كان مقارنة بين أغنية روسية وأخرى كورية، حيث تم تحديد تشابه بنسبة 60 في المئة في خط لحني واحد، رغم اختلاف اللغة والإنتاج.

تقنياً، تعتمد المنصة على ما يُعرف بـ segment transcription، حيث تُحوَّل الموسيقى إلى طبقات مفهومة من نوتات وأصوات وآلات، ثم تُحلل عبر نماذج تعلم ذاتي لاستخلاص المعنى الموسيقي. النتيجة ليست مجرد “نعم أو لا”، بل تقرير سياقي يميز بين الصدفة، التأثر، والنسخ.

من تجربتنا في اختبار المنصة، أكثر ما لفتنا هو قدرتها على التعامل مع الأعمال الهجينة. أغنية بصوت بشري وموسيقى مولدة، أو العكس، لا تربك النظام. وهذا في رأينا عنصر حاسم، لأن المستقبل لن يكون أبيض أو أسود.


نمو عالمي ورهان على التنظيم الدولي

MIPPIA لم تبقَ في المختبر طويلاً. خلال عام واحد فقط، اجتذبت أكثر من 45 ألف موسيقي من 149 دولة، بمعدل نمو شهري يقارب 30 في المئة. هذا الرقم يعكس حاجة حقيقية في السوق، لا مجرد فضول تقني.

المنصة تقدم ثلاث مستويات استخدام. نسخة مجانية للفحص السريع، اشتراكاً معيارياً لتحليل أعمق، وخطة متقدمة للحالات المعقدة مع دعم مباشر. كما توفر API للشركات والناشرين ومنصات الموسيقى، ما يفتح الباب لتكامل واسع داخل الصناعة.

على مستوى الشراكات، رسخت MIPPIA حضورها في كوريا عبر تعاونات مع YG Plus وClass Music، وبدأت التوسع في اليابان بالتعاون مع XING وSubGate وJASRAC. اختيار اليابان ليس عشوائياً، فهو ثاني أكبر سوق موسيقي في العالم بإيرادات تتجاوز 12 مليار دولار.

الولايات المتحدة هي الخطوة التالية، مع هدف الوصول إلى 5 ملايين مستخدم بحلول 2027، إضافة إلى محادثات مع منصات مثل Splice وBeatport. أوروبا أيضاً ضمن الخطة، ليس فقط كسوق، بل كساحة للتأثير على التشريعات، بالتعاون مع جهات مثل CISAC.


إعادة تعريف قواعد اللعبة الموسيقية

في رأينا، MIPPIA لا تقدم أداة فقط، بل تصوراً جديداً للعلاقة بين الفن والقانون والتقنية. في عالم تختفي فيه الحدود بين الإنسان والآلة، الحاجة ليست لإيقاف الذكاء الاصطناعي، بل لترويضه.

ذو صلة

Seonghyeon Go لخص الأمر بجملة بسيطة لكنها عميقة: الهدف ليس أن تقتل الموسيقى الذكاء الاصطناعي، ولا أن يقتل الذكاء الاصطناعي الموسيقى، بل أن يحميها. إذا نجحت MIPPIA في فرض معيار عالمي، فقد يصبح إثبات الأصالة جزءاً طبيعياً من عملية الإبداع، لا عبئاً إضافياً.

من سيول، خرجنا بقناعة واضحة. معركة حقوق الموسيقى لن تُحسم في المحاكم فقط، بل في الخوارزميات أيضاً. وMIPPIA تبدو مستعدة للعب هذا الدور حتى النهاية.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة