الانقراض السادس يقترب: ليس بفعل الطبيعة… بل بفعلنا نحن
3 د
تسبب انبعاثات الغازات الدفيئة في تهديد بكارثة بيئية غير مسبوقة.
الأنظمة البيئية غير قادرة على امتصاص الكربون المتزايد بسرعة غير مسبوقة.
يشير الخبراء إلى أن الانبعاثات الحالية تفوق تلك التي تسببت في انقراض البرمي.
التحول إلى مصادر طاقة خضراء ضروري لتجنب سيناريو الانقراض السادس.
الأزمة الحالية تُميّز بسرعة تأثير الإنسان وليس الكوارث الطبيعية فقط.
في السنوات الأخيرة، تتوالى التحذيرات من العلماء حول العالم بأن أنشطتنا اليومية قد تدفع كوكب الأرض إلى كارثة بيئية غير مسبوقة منذ أزمان سحيقة. فمع الارتفاع المتسارع لانبعاثات الغازات الدفيئة، خاصة ثاني أكسيد الكربون، تتزايد المخاوف من سيناريو "الانقراض الجماعي السادس" الذي تتراجع فيه قدرة الطبيعة على المحافظة على توازنها، مما قد يؤدي إلى انهيار الحياة كما نعرفها.
العلاقة المعقّدة بين الكوكب والكربون
لنلقي نظرة أقرب على كيف يحدث ذلك: الأرض تتمتع منذ ملايين السنين بدورة كربونية دقيقة، تتبادل فيها المحيطات والغابات والجو نسب الكربون بشكل يحقق التوازن اللازم لاتساق المناخ واستمرار أشكال الحياة المتنوعة. يخرج ثاني أكسيد الكربون بشكل طبيعي أثناء البراكين، ويتم امتصاص معظمه بوساطة النباتات والبحار. لكن دخول كميات هائلة من الكربون بشكل مفاجئ، كما حدث تاريخيًا خلال الانقراضات الضخمة، يضعف هذه المنظومة ويهز استقرار المناخ.
مسألة اختلال التوازن الكربوني ليست جديدة، وتاريخ الأرض شاهد على ذلك. لنربط هذه الظاهرة قليلاً بالتحديات الحالية: الانبعاثات البشرية خلال القرون الأخيرة تجاوزت وتيرة التغيرات الطبيعية، وأصبحت اليوم بمعدلات أسرع من أي وقت مضى.
دروس التاريخ: بركان سيبيريا وانقراض البرمي
الخبراء يستشهدون دوماً بقصة قديمة حدثت قبل 252 مليون سنة فيما يعرف بـ"انقراض البرمي"؛ يومها ثارت براكين هائلة في سيبيريا، خرجت منها كميات ضخمة من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي عبر آلاف السنين. كانت النتيجة تغييرات مناخية حادة أدّت لاختفاء قرابة 96% من الكائنات البحرية و70% من الحية البرية، بسبب اختناق البحار، وارتفاع الحرارة، وانخفاض الأكسجين.
ربما تظن أن أحداث الماضي استغرقت عصورًا حتى وقعت، ولكن الخطورة اليوم أن البشرية تكرر نفس السيناريو وبسرعة تخطت حتى تلك الكوارث البركانية، مما ينذر بتغير مناخي يفوق قدرة النظم البيئية الحالية على التكيف.
وتزداد الإشكالية حين نعلم أن الإنسان، منذ الثورة الصناعية، يضخ الكربون بوتيرة تفوق كثيرًا ثورات البراكين القديمة، سواء عبر حرق الوقود الأحفوري أو إزالة الغابات. هذه السرعة تجعل النظام البيئي عاجزًا عن امتصاص وفرة الكربون المفاجئة، فيحدث اضطراب يهدد بانهيار السلاسل الغذائية وتحمض المحيطات واندثار الأنواع، تمامًا كما وقع في حقب الانقراض القديمة.
دقات ناقوس الخطر: ما الذي يميّز الأزمة الحالية؟
إذا ربطنا ذلك بالمعطيات العلمية الحديثة، نجد أن وتيرة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون البشرية تفوق بعشرة أضعاف ما كانت عليه أثناء براكين سيبيريا، بحسب أبحاث الخبير دانيال روثمان من معهد MIT. ويشير التحليل إلى أننا نقف الآن عند عتبة مرحلة خطيرة، حيث من الممكن أن تبدأ تأثيرات التغير المناخي الجامحة بالظهور خلال قرون قليلة إن استمررنا بهذه الوتيرة. ومع احترار الكوكب، تزداد احتمالات ذوبان الجليد وخروج مزيد من الغازات، ما يهدد بدخول الأرض في حلقة مفرغة تقضى على القاعدة الأساسية للحياة.
وهكذا، يتضح أن أزمة الكربون اليوم فريدة من نوعها، لأنها مدفوعة بالإنتاج الصناعي والتوسع البشري وليس فقط كوارث طبيعية معدودة، ما يجعلها أسرع وأخطر على كوكب محدود القدرة في التأقلم السريع.
كيف ننقذ أرضنا من المصير المجهول؟
تدلنا خلاصات البحث العلمي على أن الطريق نحو تجنب الانقراض السادس يكمن بتقليل انبعاثات الكربون بشكل عاجل والتحول إلى مصادر طاقة خضراء أقل ضررًا، مع الحفاظ على الغابات والأراضي الطبيعية. كما يجب الاستثمار في تقنيات تخزين الكربون وحماية النظم البيئية، لأن أي تأخير يزيد من صعوبة عكس المسار.
الخلاصة إذن، أن السيناريو ليس قدريًا بحتًا—بل بين أيدينا مفتاح تغيير المصير، رغم أن النافذة الزمنية تضيق سريعًا. فباعتبارات تاريخية، احتاجت الكوارث القديمة لملايين السنين كي تغير طبيعة الأرض، أما اليوم فنحن أمام تحدٍ بحسابات القرون وربما العقود. إن استمعنا للتحذيرات الآن، قد نمنع تكرار "انقراض البرمي" ونحفظ لكوكبنا فرصة جديدة للحياة.
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.