باستخدام التطور الروبوتي… علماء يدربون بكتيريا على إنتاج صبغة تحاكي تمويه الأخطبوط

ملاذ المدني
ملاذ المدني

3 د

تمكن فريق بحثي من تصنيع صبغة الأخطبوط في بكتيريا معدلة وراثياً.

الصبغة تسمح للأخطبوط بتغيير لونه بسرعة مذهلة، وتم إنتاجها بكميات كبيرة.

الطريقة الجديدة تربط الصبغة بنمو البكتيريا، لتحسين الإنتاجية.

الاكتشاف يفتح آفاقاً لتطبيقات متعددة من الدفاع إلى مواد التجميل.

المختبرات تأمل في محاكاة الطبيعة لإنتاج مواد معقدة بكفاءة واستدامة.

في خطوة تبدو وكأنها قادمة من عالم الخيال العلمي، تمكن فريق بحثي من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو م إعادة تصنيع الصبغة المسؤولة عن قدرة الأخطبوط على التخفي، ولكن داخل بكتيريا معدلة وراثياً. هذا التطور العلمي يفتح الباب أمام تطبيقات واسعة تمتد من التقنيات الدفاعية إلى مواد التجميل.

الصبغة المعروفة باسم زنثومّاتين لطالما حيّرت العلماء، فهي العنصر الأساسي الذي يتيح للحبار والأخطبوط تغيير لون الجلد بسرعة مذهلة. لكن رغم الإعجاب بهذه القدرة الحيوية، كان إنتاج الصبغة في المختبر شبه مستحيل بسبب نقص الإمداد وتعقيد تركيبها الكيميائي. وهنا يبدأ التحول. إذ استخدم الباحثون استراتيجية حيوية مبتكرة جعلت البكتيريا قادرة على إنتاج الصبغة بكميات تفوق الطرق التقليدية بنحو ألف مرة، مما يمهد لحقبة جديدة من المواد المستوحاة من الطبيعة.

ومن هذا الاكتشاف المدهش ننتقل إلى الطريقة الثورية التي اتبعها الفريق، وهي ربط إنتاج الصبغة بنمو البكتيريا نفسها، مما أجبر الخلايا على تصنيع المادة لضمان بقائها على قيد الحياة. هذا المفهوم، المعروف بالتخليق الحيوي المقترن بالنمو، يساعد على تجاوز مشكلة العبء الأيضي التي تواجهها الكائنات الدقيقة عند إجبارها على إنتاج مركبات غريبة عنها.


الهندسة الحيوية في خدمة التخفي

بعد ابتكار هذه الفكرة الجريئة، استعان الباحثون بأنظمة روبوتية لتسريع عملية التطور المخبري. استخدمت الروبوتات دورات متعاقبة من التطور التكيفي لتمكين البكتيريا من تحسين إنتاج الصبغة وتحويل مصدر غذائي واحد إلى مادة زنثومّاتين بكفاءة عالية. وهذا يربط بين الابتكار الآلي والرؤية الأوسع لصناعة بيولوجية مستدامة قادرة على استبدال الإنتاج المعتمد على البترول.

وجاءت التحليلات الجينية لتكشف عن طفرات دقيقة جعلت البكتيريا أشبه بمصانع صغيرة تعمل بكفاءة لونية غير معروفة سابقاً. ومن هنا يمتد الاكتشاف ليتجاوز عالم الرخويات، إذ تتواجد هذه الصبغة أيضاً في أجنحة الفراشات وعيون الذباب وأجسام اليعاسيب، ما يجعل فهمها خطوة مهمة في علوم الألوان الطبيعية.


ما بين الاكتشاف والتطبيقات

بفضل هذه القفزة العلمية، أصبح بالإمكان تصور استخدامات عديدة للصبغة، من مواد واقية من الأشعة فوق البنفسجية إلى طلاءات ذكية وأجهزة فوتونية، إضافة إلى اهتمام مباشر من جهات دفاعية وشركات تجميل تبحث عن بدائل صديقة للبيئة. وهذا يربط بين الطموح العلمي وتوقعات الأسواق التي تبحث بشكل متزايد عن مواد حيوية مستدامة تلبي احتياجات المستقبل.

ذو صلة

ورغم أن القدرة على التحكم في الألوان كما تفعل الأخطبوطات لا تزال بعيدة، يؤكد العلماء أن نجاح إنتاج الصبغة نفسها هو الأساس الذي لا يمكن تجاوزه. فهم يعتقدون أن فهم هذه المادة سيمنح البشرية مفاتيح جديدة لتطوير تقنيات قائمة على محاكاة الطبيعة.

في الخلاصة، يشير هذا العمل إلى بداية مرحلة جديدة في علم المواد الحيوية، حيث تصبح الطبيعة مرجعاً ومصدراً لإنتاج مركبات معقدة بتكاليف منخفضة وبطرق صديقة للكوكب. وبينما لا يزال التحكم العصبي في الألوان حكراً على الأخطبوط، فإن قدرة المختبرات اليوم على إعادة صياغة صبغته الأسطورية تمثل خطوة كبيرة نحو عالم يستوحي ابتكاراته من أعظم مهندسي التمويه: كائنات البحر.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة