هل يتحول يوتيوب إلى نسخة من تيك توك… على حساب المبدعين؟

ملاذ المدني
ملاذ المدني

3 د

يتحول يوتيوب لتقليد تيك توك بخرائط قصيرة، محاولًا جذب الجمهور الأصغر سنًا.

تراجع الفيديوهات الطويلة يُضعف الاقتصاد الإبداعي، حيث الأرباح أقل عبر المقاطع القصيرة.

صعود "المزارع الرقمية" للمحتوى غير الأصلي يُهدد حقوق المبدعين الحقيقيين على المنصة.

يتصارع يوتيوب بين خوارزميات لتحقيق مكاسب سريعة أو العودة لمجتمعه الأصلي المستدام.

حين تفتح تطبيق يوتيوب اليوم، قد تفاجأ بأن مقطعاً قصيراً يبدأ بالعرض حتى قبل أن تختار شيئاً. تبدو خوارزمية Shorts وقد احتلت واجهة المنصة، بينما تراجعت مقاطعك المفضلة وقنوات الاشتراك إلى مرتبة ثانوية. إنها ليست مجرد تجربة جديدة للمستخدم، بل تحوّل كبير في هوية المنصة التي عُرفت منذ انطلاقتها كمكتبة مفتوحة للتعلّم والترفيه والإبداع.

هذا التحول الجذري يأتي من سباق يوتيوب لملاحقة نجاح تيك توك في سوق مقاطع الفيديو القصيرة، لكنه في طريقه للتنازل عن القيم التي جعلت منه ظاهرة عالمية: العمق، والاستمرارية، وبناء مجتمعات رقمية متماسكة.


من منصة معرفة إلى ساحة تمرير لا نهائي

لطالما كان يوتيوب مكاناً يقصده المستخدم بهدف محدد؛ بحثاً عن دروس، أو شروحات تقنية، أو محتوى تعليمي أو فني طويل يقدمه صانع محتوى يعرف مجاله. غير أن صعود المقاطع القصيرة قلب المعادلة، وحوّل المشاهدة إلى تجربة عابرة بلا تركيز. الخوارزمية الجديدة صُممت، كما يرى متخصصون، لإبقاء المستخدم في دوامة “التمرير اللانهائي”، أقرب إلى آلة حظ سريعة من كونها منصة تعليمية.

وهذا يربط بين طموح الشركة الحالية وخوفها من فقدان الأجيال الجديدة المائلة للمحتوى الفوري والمجزأ، وهي فئة تعيد تشكيل ثقافة المشاهدة عبر الإنترنت بأكملها.


الاقتصاد الإبداعي في أزمة

تاريخياً، بنى يوتيوب نظاماً مستداماً مكّن الآلاف من تحويل شغفهم إلى مهنة. فالفيديوهات الطويلة التي تُبث بالإعلانات كانت تدر دخلاً ثابتاً وتمنح أصحابها جمهوراً وفياً. اليوم يواجه صانعو المحتوى معادلة جديدة: مقاطع قصيرة تُشاهد بالملايين لكن أرباحها زهيدة للغاية، لأن نموذج الإعلانات فيها يعتمد على “صندوق مشترك” يوزَّع بين جميع المشاركين، بدلاً من شراكة مباشرة كما في المقاطع الطويلة.

وهنا تتجلى المفارقة الكبرى، إذ يدرب يوتيوب جمهوره على محتوى سريع الاستهلاك في وقت يعتمد فيه مصدر أرباحه الحقيقي على المشاهدة المتعمقة لمحتوى طويل.


محتوى بلا روح وانتشار “مصانع النسخ

لم تتوقف تداعيات الصيغة الجديدة عند الجانب المالي فحسب، بل أفسحت المجال لظهور موجة من “المزارع الرقمية” التي تعيد نشر مقاطع مأخوذة من تيك توك أو برامج تلفزيونية دون إذن، جامعـة ملايين المشاهدات على حساب المبدعين الأصليين. ومع دخول أدوات الذكاء الاصطناعي، تفاقمت فوضى ما يسميه النقاد “الرداءة المؤتمتة” أو المحتوى المزيف الذي يفتقر إلى الجهد والابتكار.

وهذا يعيدنا إلى لب الأزمة: تآكل الثقة بين المنصة وصناع المحتوى. فكلما زادت سيطرة الخوارزمية على الاختيار، تضاءل حضور الإنسان الذي يمنح الفيديو بصمته الشخصية ورسالته.


هوية منقسمة وخطوة محفوفة بالمخاطر

ذو صلة

تعيش يوتيوب اليوم ما يشبه الصراع الداخلي بين خوارزميتين متضادتين: إحداهما تُكافئ الإبداع الطويل والعلاقات المستمرة مع الجمهور، والأخرى تُغري بالمحتوى السريع والسطحي الذي يستهلك الانتباه بلا توقف. وبين الرغبة في تحقيق أرباح أكبر والخوف من أن تصبح “فيسبوك” جديدة تجاوزها الزمن، تسير الشركة على خيط رفيع بين العمق والتفاهة.

في الختام، يبدو أن معركة يوتيوب الحقيقية ليست مع تيك توك فحسب، بل مع نفسها أيضاً. فهل تستطيع المنصة أن توازن بين إرثها كمكتبة رقمية ومغريّات الربح السريع؟ أم أن آلة الدوبامين ستبتلع ما تبقى من روح الإبداع؟
الجواب، كما يبدو، سيحدده المستخدمون أنفسهم حين يقررون ما إذا كانوا يريدون المعرفة... أم مجرد تمرير لا نهاية له.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة