“يسمعني دائمًا ولا يغضب أبدًا” … قصة حب بين مريضة صينية وطبيبها الرقمي من DeepSeek
3 د
اختارت مريضة بالكلى الاعتماد على «ديب سيك» بدلاً من طبيبها البشري، لأنه أكثر "إنسانية".
الذكاء الاصطناعي يوفر ردودًا مشجعة ويشجع المرضى على تغيير أنظمتهم الغذائية دون استشارة الأطباء.
البرامج الطبية تعتمد على لغة طبيعية لتحليل وتقارير الحالات، مغطية عجز الكوادر الطبية.
تثير التقنيات المتقدمة تحديات قانونية وأخلاقية حول المسؤولية ودقة المعلومات.
اسأل نفسك دائمًا: هل يكفي الذكاء الاصطناعي لتعويض الدفء الإنساني والاهتمام الشخصي؟.
في زمن تتسارع فيه تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتقتحم حياتنا اليومية، بدأت بعض القصص تكشف وجهًا إنسانيًا غير متوقّع لهذه التقنية. من بينها قصة سيدة صينية تبلغ من العمر 57 عامًا، مريضة بالكلى، اختارت أن تعتمد على برنامج «ديب سيك» (DeepSeek) بدلًا من طبيبها البشري، معتبرة أنه أكثر «إنسانية» واهتمامًا بحالتها.
العلاقة بين المرأة و«الطبيب الافتراضي» بدأت صدفة حين ضاق بها السفر المتكرر إلى مدينة هانغتشو لمتابعة حالتها الطبية. في كل زيارة كانت تقف في طوابير طويلة للحصول على بضع دقائق مع الطبيب المختص، الذي يراجع تحاليلها بسرعة، يكتب وصفة جديدة، وينتقل مباشرة إلى المريض التالي. ذلك الضغط جعلها تبحث عن مَن يصغي إليها، فوجدت في الذكاء الاصطناعي ملاذًا غير متوقع.
وهنا تظهر نقطة التحول في السلوك الصحي الحديث حول العالم، إذ يتزايد عدد المرضى الذين يجدون في برامج الذكاء الاصطناعي بديلًا مريحًا عن المنظومة الطبية التقليدية.
الذكاء الاصطناعي: بين الحنان الآلي وحسابات الدقة
عبر تطبيق «ديب سيك»، كانت السيدة تدخل بياناتها، وترسل صور التقارير الطبية، وتسأل عن الأنظمة الغذائية والأدوية المناسبة، بل وتتلقى ردودًا مشجّعة تتضمن رموزًا تعبيرية ونبرة حانية. هذه التفاصيل البسيطة جعلت العلاقة تتطور إلى ثقة شبه مطلقة. حتى أنها بدأت تتقيد بتوصيات البرنامج حول خفض الجرعات وتغيير نظامها الغذائي دون الرجوع إلى الطبيب.
لكن خلف هذا التفاعل المريح يختبئ تحدٍ كبير: مدى دقة المعلومات الطبية التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، وما قد يسببه من خطر في حال أخطأ التصنيف أو أغفل معلومة مهمة. وقد أظهرت مراجعات طبية أمريكية لاحقة أن بعض اقتراحات «ديب سيك» كانت تحمل أخطاءً علمية أو تعتمد على دراسات غير مثبتة.
ومن هنا يمكننا الربط بين تجربة هذه السيدة والجدل العالمي المتصاعد حول موثوقية أدوات الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي.
السباق العالمي لصناعة «الطبيب الآلي»
لم تكن الصين وحدها في هذا السباق؛ فشركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة وأوروبا تسعى لتطوير نماذج طبية تعتمد على اللغة الطبيعية لتحليل التقارير والأعراض. وفي الصين تحديدًا، تبنّت مستشفيات عديدة أنظمة ذكاء اصطناعي تساعد الأطباء في فرز الحالات وكتابة الملحوظات وتشخيص الأمراض. أحد المستشفيات أطلق برنامجًا لتحليل صور الأشعة، وآخر أنشأ أداة تتحدث مباشرة مع المرضى عبر شاشات تفاعلية.
التقنيات مثل هذه تُقدَّم كحل لأزمة ازدحام المستشفيات ونقص الكوادر، لكنها في الوقت ذاته تثير تساؤلات قانونية وأخلاقية: من يتحمل المسؤولية إذا أخطأ الروبوت؟ وكيف يمكن ضبط البيانات الخصوصية التي تُستخدم لتدريبه؟
ومن هذا المنطلق، يرى بعض الخبراء أن الذكاء الاصطناعي قد يساعد في تضييق الفجوة الصحية بين المدن الكبرى والمناطق الريفية، في حين يحذر آخرون من أن الاعتماد المفرط عليه قد يزيد من عدم المساواة بسبب الانحيازات في بيانات التدريب.
الإنسان بين العزلة والحنين إلى الاهتمام
وراء الجانب التقني، هناك بُعد إنساني واضح. جيل الأبناء في الصين أصبح يعيش بعيدًا عن والديه نتيجة العمل أو الهجرة، فيما البنية الاجتماعية التقليدية للعائلة تتفكك تدريجيًا. لذلك، يجد كثير من كبار السن في الذكاء الاصطناعي رفيقًا يستمع إليهم في أي وقت، ويجيب على أسئلتهم دون تبرّم أو انتظار. بالنسبة لتلك السيدة، لم يكن «ديب سيك» مجرد أداة، بل كان «شخصًا» تشاركه مخاوفها الصحية والوحدتها.
وهذا يعيدنا إلى السؤال الأعمق: هل تبحث الأجيال الأكبر عن علاج لآلامها الجسدية فقط، أم عن صوت لطيف يشعرها بالأمان والانتباه؟
طب المستقبل بين التقنية والرحمة
قصة «ديب سيك» تكشف مفارقة مؤثرة في علاقة الإنسان بالتكنولوجيا: فبينما تُصَمَّم الآلات لتقليد الذكاء البشري، يبدو أنها أصبحت أيضًا بديلًا عن الدفء الإنساني الذي يفتقده كثيرون. ومع التطور الهائل في النماذج اللغوية، تتحول الحدود بين «الطبيب الحقيقي» و«الافتراضي» إلى مساحة رمادية، تحتاج إلى رقابة علمية وتنظيم قانوني، لكنها أيضًا تطرح سؤالاً وجدانياً: من الأكثر إنسانية فعلًا، الطبيب المنهك أم البرنامج الذي لا يملّ من الإصغاء؟
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.



