طاقة بلا حدود؟ اكتشاف حالة خفية تغيّر قواعد الفيزياء

3 د
اكتشف فريق MIT "حالة الحافة الكمومية" باستخدام سحابة ذرات فائقة البرودة.
تسمح حالة الحافة بانتقال الإلكترونات دون فقدان للطاقة في مواد ثنائية الأبعاد.
التجربة أعطت العلماء رؤية لتقنيات نقل الكهرباء المستقبلية بكفاءة عالية.
الاكتشاف يعزز آمال تطوير شبكات كهرباء وأنظمة معلومات فائقة الكفاءة وتقليل الفاقد.
هل يمكن أن نكون على أعتاب ثورة في إنتاج الطاقة من قلب الفيزياء الكمومية؟ قد يحمل لنا الجواب اكتشاف علمي فريد توصل إليه فريق من معهد ماساتشوستس للتقنية (MIT)، حيث تمكن العلماء لأول مرة من رصد فعلي مباشر لما يُعرف بـ"حالة الحافة الكمومية" باستخدام سحابة من الذرات فائقة البرودة، ما يمنح الأمل بابتكار مواد قادرة على نقل الطاقة بكفاءة هائلة ودون أي فقدان يُذكر.
في السنوات الأخيرة، أشعل عالم الكم شغف الباحثين بسلسلة من الظواهر الغريبة التي تحدث على مستويات ذَرِّية أدق من أن تراها العين المجردة. واحدة من تلك الظواهر المهمة هي "تأثير هول الكمومي"، والتي اكتشفها لأول مرة العالم الألماني كلاوس فون كليتزينج عام 1980. باختصار، يحدث التأثير حين يسري تيار الإلكترونات في مادة مستوية ثنائية الأبعاد كالـ"غرافين"، تحت تأثير مجال مغناطيسي شديد ودرجة حرارة قريبة من الصفر المطلق. في الظروف العادية، تتشتت الإلكترونات وتفقد جزءاً كبيراً من طاقتها بسبب المقاومة، لكن هنا تظهر فجأة قناة للحركة على أطراف المادة—يطلق عليها "حالة الحافة"—تسمح بانتقال الإلكترونات دون احتكاك وبلا فقدان للطاقة. وهذا ما يجعل تلك الحالة مطمعاً للباحثين للارتقاء بتقنيات نقل الكهرباء وتصنيع مواد عالية الكفاءة.
ومن هنا تأتي أهمية الإنجاز الجديد الذي حققه فريق MIT، إذ واجه العلماء تحدياً كبيراً: عمليات الحافة الكمومية عادةً تحدث بسرعة هائلة وفي أبعاد صغيرة بشكل لا يُصدّق، ما يجعل دراستها مباشرة شبه مستحيلة. فريق البحث بقيادة ريتشارد فليتشر لجأ إلى حل إبداعي: بدل الإلكترونات، استخدموا مليون ذرة صوديوم شديدة البرودة وجعلوها تدور في مصيدة من أشعة الليزر، حتى عملت معاً كسحابة ضخمة. ما إن وجد الفريق طريقة لتهيئة الظروف المشابهة لتأثير هول الكمومي ولكن بأحجام وأزمنة يمكن قياسها، حتى راقبوا بكاميراتهم الذرات وهي تتحرك عند الحافة دون أي مقاومة أو اضطراب. بمعنى آخر، أعادوا تجسيد الحدث الكمومي في نطاق قابل للرصد والدراسة.
العالم ريتشارد فليتشر قال معبراً عن اندهاشه: "الجمال هنا أنك ترى بعينيك فيزياء مذهلة غالباً ما تكون مختبئة في قلب المواد وغير قابلة للرؤية المباشرة." فهذه التجربة سمحت للعلماء بنقل ظاهرة تحدث في نطاق فمتوثانية (جزء من مليون مليار من الثانية) ونانومترات (جزء من مليون من المليمتر)، إلى وحدات زمنية ومسافات ملموسة. وهذا الربط المباشر ساعدهم على اختبار مقاومة تلك السحابة من الذرات للاضطرابات؛ فعندما وضعوا عقبات في مسار الذرات، تدفقت حولها كما لو كانت رخاماً يدور على حافة وعاء بسرعات عالية—دون احتكاك، دون فقدان، وبدون تسرب أي ذرة إلى الداخل، في تجسيد لنظام الطاقات "الخالية من الفقد".
التجربة وضعت العلماء أمام صورة حية لما قد تبدو عليه أنظمة نقل الكهرباء المستقبلية، والتي إن تم تطبيقها على مواد أخرى في ظروف هندسية مناسبة، قد تُحدث تحولاً حقيقياً في تخزين الطاقة ونقلها عبر الشبكات الكهربائية وصناعة الأجهزة الإلكترونية المتطورة. ومن هنا يمكننا القول إن هذا الاكتشاف لا ينفصل عن سباق تطوير الموصلات الفائقة وابتكار مصادر طاقة لا تتبدد، فقد تمنحنا حالات الحافة الكمومية السبيل لتحقيق شبكات كهرباء فائقة الكفاءة وأنظمة معلومات تدوم لفترات أطول وتقلل الفاقد إلى أقصى حد.
ومع هذا التقدم المذهل، تتسع أمام الفيزيائيين آفاق جديدة لاستكشاف "حدود الحالة الكمومية" ودفع تجاربهم إلى مستويات غير مسبوقة، علّهم يفتحون الطريق أمام عصر جديد من تكنولوجيا الطاقة. فهل سنشهد قريباً تطبيقات عملية تنتقل من المختبر إلى المصانع والشبكات العالمية؟ يبدو أن الزمن كفيل بالإجابة، ومع كل اكتشاف جديد تزداد الآمال بأن تكون مفاهيم مثل "طاقة بلا حدود" أقرب إلى الواقع من أي وقت مضى.
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.