تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

الأساطير الإغريقية حذرت من الذكاء الاصطناعي قبل ظهوره بمئات السنين!

دعاء رمزي
دعاء رمزي

7 د

أن تحتلّ الروبوتات مكان البشر وتُسيطر على الأرض هو من الموضوعات التي استهكلتها عشرات الأفلام والمسلسلات في الألفية الثانية والثالثة، ومع أن الأمر كان خيالًا علميًا حتى سنوات قليلة ماضية، إلا أن قفزات الذكاء الاصطناعي المذهلة وقدرته على التفكير والتحرك وتحليل البيانات بشكل أكثر اتساعًا من مجرد أكواد برمجة يُنذر بسيناريو مهدد للبشرية بالفعل، ليس خلال 100 أو 200 سنة ولكن في زمن أقل من ذلك بكثير.

فمع ظهور روبوت الدردشة Chatbot وما يشبهه وتهديده لعشرات الوظائف التي تعتمد ليس على القوة البدنية كما فعلت الثورة الصناعية في القرن الـ15، ولكن على القوة العقلية والإبداع والابتكار. فنحن على أعتاب ثورة كبرى قد لا نكون مستعدين لها على الإطلاق على الرغم من التحذيرات السابقة المستمرة ليس فقط من الأفلام والكتابات العلمية، ولكن أيضًا من كتابات أخرى ربما مرّ عليها أكثر من 3,000 عام متمثلة في الأساطير اليونانية والأدب المتعلق بها.


الأساطير الإغريقية القديمة وقصص متنوعة عن بشر بإمكانات فائقة

لا نتحدث هنا عن أنصاف الآلهة أو الهبات التي كانت الشخصيات الشهيرة في الأدب الإغريقي تتمتع بها مثل أخيل وهرقل وغيرها، ولكن ظهر في الأدب اليوناني كائنات تقترب كثيرًا من معايير التعريفات الحديثة للروبوتات والذكاء الاصطناعي، فهي ليست آلهة ولا بشر ولا أنصاف آلهة ولكن خُلقت لتنفيذ مهمة محددة.

وتجمع المؤرخة أدريان مايور في كتابها الآلهة والروبوتات: الأساطير والآلات وأحلام التكنولوجيا القديمة "Gods and Robots: Myths, Machines, and Ancient Dreams of Technology" على أن هذه الحكايات والتي يبدو من خلالها أن زيادة قدرات البشر وخلق نوع آخر متطور الذكاء وغير بيولوجي في الوقت ذاته من الأمور الفطرية في الطبيعة البشرية.

كما يبدو أن المعضلات الأخلاقية ومخاطر هذه الكائنات غير البيولوجية كانت مطروحة منذ القدم أيضًا، فهناك ثلاثة تساؤلات يتعين التفكير بها؛ ما هي مخاطر الذكاء الاصطناعي على البشر وإلى أي مدى يمكننا الذهاب معه وتطويره والاعتماد عليه، وهل يمكن بالفعل أن يحلّ مكان البشر والتسبب في انقراضنا؟ فهذه الأسئلة وأكثر يمكن للأساطير اليونانية أن تُجيب عنها من خلال ثلاثة قصص بالتحديد كانت هي الأكثر قربًا لمفهوم الروبوتات الحديث الذي خُلق لهدف محدد لا يحيد عنه ولا يتطور بيولوجيًا مثل البشر.


العذارى الذهبيات أو Golden Maidens

تم تصميم ثلاث عذارى ذهبيات على يد إله النار هيفايستوس Hephaestus، وعلى الرغم من أنهن عذارى جميلات، ولكن تتمثل مهمتهن فقط في توقع احتياجات إله النار والاستجابة لها، وقد وهبها بعض السمات البشرية من ذكاء وقدرة على التعلم والوعي والقدرة على الكلام.

الذكاء الاصطناعي

وتؤكد مايور في كتابها أن وجه التشابه هنا بين أسطورة العذارى الذهبيات والمجتمع الحديث هو أن أحد أهم أسباب ابتكار الآلات الذكية والأتمتة هو توفير العمالة، والتي لم تكن فكرة حديثة على الإطلاق.

فمنذ عهد أرسطو تم طرح هذه الفكرة ليقول في كتابه الأول إنه إذا تمكنت كل أداة من تأدية عملها بمفردها وتوقع احتياجات الآخرين فلن يحتاج الحرفيون إلى الخدم ولن يكون السادة في حاجة إلى عبيد.

فالفكرة طُرحت في البداية لمحاولة إلغاء نظام العبيد وبقدر بساطتها إلا أنها كانت سابقة تمامًا لعصرها، فبدلًا من الاعتماد على مؤسسة العبودية، تم طرح فكرة إطلاق خدم ميكانيكيين، لتظهر بعد عدة قرون المكانس الكهربائية والأجهزة المنزلية وحتى الروبوتات الجراحية والروبوتات العسكرية المصممة لنزع القنابل والطائرات دون طيار وغيرها من آلات تحمي البشر من المهام الخطرة.

وهنا تثور أكبر معضلة أخلاقية تتعلق بالذكاء الاصطناعي، إذ إن استخدامه على نطاق واسع سوف يؤدي لتدمير صناعات بأكملها ليكون العمّال أحرارًا، ولكنهم في الوقت ذاته مُفلسون. لذا فمن المؤكد أنه إذا لم يتم توزيع الثروة الناجمة عن زيادة الإنتاج بكفاءة وعدالة على المحرومين، فإن النتائج الاجتماعية لا يمكن توقعها على الإطلاق ليكون أشبه بالأزمة التي حدثت في المجتمع الأمريكي بعد إلغاء العبودية بقانون، إذ وجد الكثيرون أنفسهم دون مهارات حقيقية تمكنهم من العمل بكفاءة في غير مؤسسة العبودية!


تالوس: عندما يُسيطر الطغاة على الآلات الذكية

إذا كانت العذارى الذهبيات مصممات فقط لتلبية حاجات سيدهن دون إحداث ضرر، فلم يكن تالوس كذلك، فقد تم تصميمه للتدمير، وابتكره هيفايستوس أيضًا ولكن ليهديه زيوس لابنه مينوس لحماية جزيرة كريت وحراستها.

ومثل الروبوتات العسكرية في العصر الحالي، فإن كل مهمة تالوس كانت تتمثل في إلقاء الحجارة على سفن الأعداء أو احتضانهم وإحراقهم نتيجة قدرته على تسخين جسده البرونزي.


إن المعضلة الأخلاقية التي يطرحها تالوس هي قدرة التكنولوجيا الفائقة على فرض السيطرة، ونحن هنا لا نتحدث فقط عن الآلات العسكرية البحتة سواء التي استخدمت منذ الحرب العالمية الثانية أو في الحرب الحديثة بين روسيا وأوكرانيا، ولكن تساعد التكنولوجيا الفائقة الذكاء على إحكام سيطرة الأنظمة الاستبدادية على المواطنين والتأثير على تدفق المعلومات وتهميش الأصوات المعارضة.

فمثل تالوس الذي زاد من إحكام سيطرة الاستبداد وكان لديه قدر كبير من حرية الحركة والتصرف، فإن التكنولوجيا الحديثة ترفع من مستويات هيمنة الدول القوية وسوف تُعمِّق بالتالي من الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين الشعوب، لأن طبيعة هذه التكنولوجيا سوف تكون مركزية أو في يد قلة من الدول، وما لم تتمكّن الدول الأخرى من تطوير تكنولوجيات مشابهة أو سرقة أكواد تلك الآلات كما فعل الاتحاد السوفييتي مع الولايات المتحدة الأمريكية في القنبلة النووية، فإن العالم سوف يكون قريبًا للغاية من سيطرة عدد قليل للغاية من الأفراد والشركات والخضوع التام لكل رغباتهم.


صندوق باندورا: الثمن الخطير للمعرفة وتجاوز الحدود الإلهية

عندما سرق بروميثيوس النار ومنحها للبشر، قرر زيوس معاقبتهم بصندوق باندورا الأسطوري، والذي بمجرد فتحه أطلق كل الشرور على البشرية مع محاصرة الأمل بداخل الصندوق دون أن يتمكّن من الخروج.

ويُشبِّه الكثيرون الذكاء الاصطناعي بصندوق باندورا، فنحن لا نعرف على وجه التحديد ما الذي يوجد بداخل آلات الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على التعلم الآلي والتطور المستمر، والمنطق يقول إنه إذا كانت لدى الآلة استقلالية كاملة ووعي فإنها سوف تكون حُرّة تمامًا ويمكنها التفكير بأي طريقة وبالتالي سوف تكون شديدة الخطورة مع تمتعها بإمكانات فائقة مقارنة بالبشر.

ومثلما تجاوز بروميثيوس الحدود الإلهية وسرق النار، فإن البشر بتمكُّنهم من إنتاج آلات تفوقهم في الذكاء والسرعة والقوّة اعتبروا أنفسهم في مصاف الآلهة.. فهل يفتحون على أنفسهم صندوق باندورا؟


العقدة الإلهية والغطرسة الإنسانية

إن جزءًا أساسيًا من تحليل الأساطير اليونانية يكمن في التحذير من الغطرسة الإنسانية، فعندما ينتهك البشر النظام الطبيعي للكون ويتجاوزون الحدود الإلهية فإن هذا يتطلب بالضرورة عقوبة من الله عز وجل تؤكد لهم أنهم ليسوا آلهة.

ويقول مهندس الذكاء الاصطناعي جورج زاركاداكيس إن هيمنة وادي السيليكون وكبرى الشركات التقنية على الذكاء الاصطناعي تمنع الخوض في أي طرح أخلاقي بشأنه وتعمل على قمع أي تحذيرات منه.

وتتفق رؤيته مع الكاتب والروائي ستيفن كينج الذي قال في مقابلة مع BBC إن تطوير الذكاء الاصطناعي يعني نهاية الجنس البشري، فهذه الأجهزة فائقة الذكاء سوف تنطلق من تلقاء نفسها وتتطور باستمرار دون أن تعيقها أي أسباب بيولوجية تُبطئ نمو وتطور الإنسان.

ويعتقد زاركاداكيس أن الإنسان يبني الآلات الشبيهة له تمامًا فيعتقد أنه قد أصبح إلهًا أو على الأقل ليس في حاجة إلى آلهة بعد الآن، فما يكون منه إلا أن يفتح صندوق بندورا على نفسه.

ويؤكد أن اختيارنا الآن لا يختلف كثيرًا عما فعله بروميثيوس، فالتعلم الآلي يعتمد على أنظمة الشبكات العصبية العميقة أو DNN وهذا يعني عدم قدرة العلماء على تحديد كيفية صناعة القرار على الرغم من قدرتهم على التوصل للمدخلات والمخرجات.

بعبارة أخرى فإن الذكاء الاصطناعي من الداخل مثل الصندوق الأسود أو جرّة بانادورا، ومن الخطر تمامًا التسرع في بناء واستخدام أشياء لا نفهمها تمامًا لمجرّد أننا نستطيع ذلك، وقد حاولت الأساطير القديمة تحذيرنا ولكن لا يبدو أن هناك أحدًا يحاول إعمال عقله.


هل الآلة والروبوتات الذكية أكثر قوّة أم الإنسان؟

يُثير الذكاء الاصطناعي تساؤلًا فلسفيًا أكثر خطرًا، ألا وهو من الأكثر قوة، هل خلق الله عز وجل أم خلق الإنسان؟

في حين أن الإجابة الأكيدة لمن يؤمنون بوجود الله تعالى بالطبع أن خلق الله بالتأكيد الأكثر قوّة لأنه من صنع الله وبالتالي فلا مجال للخوف من الذكاء الاصطناعي على انقراض البشرية.. إلا أن الأمر أكثر عمقًا من هذا التصور.

ذو صلة

فالذكاء الاصطناعي هنا يُشبهه الكثيرون بصندوق باندورا والذي لم يكن يحتوي على الشر فقط، ولكن كان بداخله الخير والأمل أيضًا، إلا أنه حُوصر بالداخل ولم يتم إطلاقه، فكما يؤدي الذكاء الاصطناعي للتدمير، إلا أنه يساعد أكثر في الرعاية الصحية وتوفير وقت العمال للاهتمام بجوانب اجتماعية وإنسانية أكثر وزيادة الإنتاجية وغيرها.

لذا لا يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي الآن أقوى من الإنسان، بل هو بشكل أو بآخر نوع من الاختبارات الإلهية، وعلى الإنسان فقط أن يُحدد الطريقة التي سوف يستخدمه بها بمنتهى الحريّة التي منحها الله تعالى له، فهل سيُطلق كل الشرور ويترك الخير بالداخل بمنتهى الغطرسة فيستحق العقاب الإلهي؟ أم سيحرص على الاستفادة من خيراته ويتذكر أنه في النهاية مجرّد بشر وأن الروبوتات صناعة بشرية لم ولن تحوِّله إلى إله، بل قد تنقلب عليه في أي وقت وبالتالي يحاول مقاومة شروره وكبح جماحها بكل طريقة ممكنة قبل أن تدمره هو تمامًا نتيجة اختياره الحرّ قبل أي شيء؟

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

sulaimanib6l

0534062933

صراحة اتفق مع هذا المقال وبشدة لان التطور المستمر في الروبوتات والذكاء الصناعي اصبح مخيف جدا وكلنا لاحظنا مدى قوة الروبوتات بس السؤال هل بتقدر الروبوتات من تجاوز الذكاء البشري والتفوق عليه لان اذا تفوقت علية بشكل كامل هنا بتكون المشكلة ولخطر الحقيقي

ذو صلة