لأول مرة… محاكاة حاسوب كمي كامل بقدرات 50 كيوبت تصبح واقعًا

ملاذ المدني
ملاذ المدني

3 د

نجح فريق ألماني في محاكاة حاسوب كمي من 50 كيوبت باستخدام حاسوب JUPITER الخارق.

تجاوز هذا الإنجاز الرقم القياسي السابق بفضل تطور الحوسبة عالية الأداء.

المحاكاة تمكّن من اختبار الخوارزميات الكمية بدقة في مجالات عدة.

تطلّب الأمر معالجة 2 مليون غيغابايت وتزامن عمليات معقدة على آلاف العقد البرمجية.

استخدمت بنية هجينة بين المعالجات لتحسين أداء نظام المحاكاة والكفاءة.

في خطوة تفتح باباً واسعاً أمام مستقبل الحوسبة الكمية، نجح فريق من مركز يوليش للحوسبة الفائقة في ألمانيا، بالتعاون مع خبراء من إنفيديا، في تحقيق إنجاز عالمي غير مسبوق: محاكاة حاسوب كمي كامل مكوّن من 50 كيوبت. هذا الحدث الذي تم على حاسوب JUPITER الخارق، أول نظام من فئة إكساسكيل في أوروبا، يعكس قفزة عملاقة في قدرات المحاكاة الرقمية ويمهّد لابتكارات قد تغيّر شكل التكنولوجيا والبحث العلمي خلال السنوات المقبلة.


محاكاة تعيد رسم حدود الإمكانات

اللافت أن هذا الرقم الجديد يتجاوز الرقم القياسي السابق الذي وقفت عنده الأبحاث منذ عام 2019 عند 48 كيوبت. وهذا الإنجاز لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة تطور هائل في قدرات الحوسبة عالية الأداء، حيث يسمح JUPITER برفع مستوى المحاكاة إلى نطاقات كانت تُعدّ قبل سنوات قليلة ضرباً من المستحيل. وهذا يربط بين قدرات المحاكاة الحالية وسباق عالمي يتسارع لتطوير حواسيب كمية حقيقية قابلة للاستخدام العملي.
ومن هنا تبرز أهمية هذه المحاكاة، فهي تمكّن الباحثين من اختبار الخوارزميات الكمية والتحقق من سلوكها بدقة، مثل خوارزمية البحث في المواد ودراسة الجزيئات، أو خوارزميات تحسين القرارات المستخدمة في اللوجستيات والذكاء الاصطناعي.


تحديات هائلة في التعامل مع 2 مليون غيغابايت

عند الحديث عن 50 كيوبت، نحن لا نتحدث عن قفزة بسيطة، بل عن تضاعف جنوني في عدد الحالات الكمية المحتملة. كل كيوبت إضافي يضاعف الحاجة إلى الذاكرة والحسابات، حتى إن محاكاة 50 كيوبت فقط تحتاج إلى نحو 2 بيتابايت، أي ما يعادل مليوني غيغابايت. وهذا الرقم يوضح حجم التحدي ويشرح لماذا لا يمكن لأي جهاز منزلي أو حتى أغلب الحواسيب الفائقة أن تقترب من هذه القدرة. وهذا يمهّد للحديث عن المكوّنات التقنية التي أدت إلى هذا الانتقال الهائل.
نجاح المحاكاة تطلّب أيضاً معالجة 2 كوادريليون قيمة عددية تتغير مع كل بوابة كمية، وهي عمليات يجب أن تتزامن على آلاف العقد البرمجية في الوقت نفسه لضمان نتائج دقيقة تشبه أداء معالج كمي حقيقي.


عنوان رئيسي: بنية هجينة تدفع حدود الهندسة الحاسوبية

جوهر هذا الاختراق كان في الدمج الذكي بين وحدات المعالجة المركزية ووحدات الرسوميات داخل شرائح إنفيديا GH200 المستخدمة في JUPITER. هذه البنية الهجينة أتاحت الاحتفاظ بجزء من البيانات في ذاكرة المعالج المركزي عندما تتجاوز إمكانيات بطاقة الرسوميات، دون فقد كبير في الأداء. وهذا بدوره قاد إلى تحديثات مهمة في برنامج المحاكاة JUQCS، الذي تطور إلى نسخة جديدة باسم JUQCS‑50، لتستغل البنية الهجينة بأعلى كفاءة ممكنة.
ويأتي هذا في سياق تطوير تقنيات ضغط متقدمة قلّلت حجم البيانات ثماني مرات، إلى جانب خوارزمية ديناميكية تدير تبادل البيانات بين أكثر من ستة عشر ألف شريحة GH200 تعمل بتناغم شبه مثالي.


من منصة بحث إلى خدمة عالمية

المشروع لم يكن مجرد نجاح داخلي، بل خطوة نحو فتح الوصول إلى هذه القدرات لمؤسسات بحثية وشركات عالمية عبر منصة JUNIQ. وبذلك يصبح النظام أداة اختبار عالية الدقة للخوارزميات الكمية، ومرجعاً يقيس إليه المطورون أداء الجيل القادم من الحواسيب الفائقة. وهذا يربط بين البحث الحالي وطموحات بناء منظومة أوروبية متقدمة لتقنيات الكم والإكساسكيل في السنوات المقبلة.
كما ساهم برنامج الوصول المبكر JUREAP في تسريع التعاون بين فرق يوليش وإنفيديا، لدمج التطوير البرمجي مباشرة داخل عملية بناء JUPITER، وهو مثال نادر على ما يُعرف بتصميم العتاد والبرمجيات بالتوازي.

ذو صلة

خاتمة

إن محاكاة 50 كيوبت تمثّل أكثر من مجرد رقم قياسي جديد، فهي خطوة استراتيجية تمنح الباحثين نافذة مبكرة على مستقبل الحوسبة الكمية قبل أن يصبح ذلك المستقبل واقعاً ملموساً. وبين قدرات JUPITER المتصاعدة ومستوى التعاون العلمي الرفيع، تبدو أوروبا اليوم في موقع متقدم لقيادة موجة الابتكارات الكمية المقبلة، حيث يلتقي العلم بالحوسبة الفائقة ليرسم ملامح جيل جديد من التقنيات.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة