هل أصبح حلمك في الفيديو حقيقة؟ علماء يقتربون من تسجيل الأحلام بذكاء اصطناعي

3 د
أعلن باحثون في كيوتو عن تقدم في تسجيل الأحلام باستخدام الذكاء الاصطناعي.
يعتمد النهج على دمج التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي وتعلم الآلة لإعادة بناء الصور.
وصلت دقة إعادة بناء الأحلام إلى 60% في المتوسط، و70% للفئات المحددة.
التقنية لا تزال تجريبية وتعتمد على بيانات شخصية، غير قابلة للتعميم بعد.
هل تمنيت يوماً أن تشاهد أحلامك على شاشة أو تعيد سرد تفاصيلها التي تتبخر مع الصباح؟ نحن على أعتاب عصر جديد في علم الأعصاب والتكنولوجيا، مع إعلان فريق ياباني عن خطوة مثيرة في سباق تسجيل الأحلام وفكّ شفرتها، وذلك بفضل الذكاء الاصطناعي.
في مختبرات علوم الأعصاب الحسابية بمدينة كيوتو اليابانية، كشف الباحثون عن تقنية جديدة تعتمد على الدمج بين التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) وتعلم الآلة. الفكرة المذهلة تنطلق من تتبع نشاط الدماغ والبصر أثناء النوم، ثم محاولة "إعادة بناء" ما رآه النائم أثناء الحلم لتحويله إلى صور تقريبية يُمكن مشاهدتها من جديد في اليقظة.
ومن هنا تتسائل: كيف يمكن تسجيل شيء شخصي وسري مثل الحلم؟ الطريقة التي اتبعها العلماء جمعت تسجيلات متزامنة لموجات الدماغ (بتقنية EEG) مع تصوير دقيق بتقنية الرنين المغناطيسي لمجموعة متطوعين ناموا في المختبر عدة ليال. في كل مرة يصل المتطوعون إلى مرحلة النوم المعروفة باسم "حركة العين السريعة" (REM)، يتم توقيفهم بلطف لسؤالهم عن وقائع حلمهم، مما أتاح للباحثين جمع قاعدة بيانات ضخمة تربط بين أنماط نشاط الدماغ والتجارب الحلمية الفعلية.
العقل في مواجهة الغموض: أولى نتائج تسجيل الأحلام
اللافت أن تقنية الذكاء الاصطناعي التي دُربت على هذه البيانات نجحت في إعادة بناء صور ومشاهد الأحلام بدقة بلغت نحو 60%، بل وصلت دقتها إلى ما يفوق 70% في التعرف على فئات محددة مثل الأشخاص أو بعض الأشياء الشائعة. البروفيسور يوكياسو كامي تاني، قائد الفريق العلمي، علق قائلاً: "استطعنا للمرة الأولى الربط بين النشاط الدماغي أثناء النوم ومحتوى الأحلام الذي أكده المتطوعون في شهاداتهم." وهنا تبرز أهمية قاعدة بيانات ضخمة تزخر بعشرات بل مئات التسجيلات من نفس الأشخاص، ما يسمح للذكاء الاصطناعي بتحليل الأنماط مرة إثر أخرى.
المعرفة هنا تفتح الباب لفهم روعة العقل البشري وأعماق الإدراك الباطن. إذ أن ترجمة صور الأحلام أو حتى النوايا الدفينة إلى طيف من الصور قد يحمل لاحقاً آثاراً بالغة في دراسة الاضطرابات الذهنية مثل الاكتئاب أو اضطرابات ما بعد الصدمة.
تحديات التقنية وحدودها الحالية
ومع هذا التقدم اللافت، ينبغي التحلي ببعض الواقعية: التقنية الحالية لا تزال في طور التجربة، والنتائج حتى اليوم غالباً ضبابية وغير واضحة المعالم—فالأحلام المؤرشفة تبدو أشبه بأفلام قديمة مشوشة، حيث تختفي الألوان والإحساس بالحركة ويندثر السياق الشعوري للأحداث. ولا يمكن حتى الآن تسجيل الأحلام أثناء حدوثها بل تأتي كل الاستعادات بصيغة ما بعد الاستيقاظ.
هذا التطور يقودنا للحديث عن الطابع الفردي للتقنية، إذ يوضح خبراء مثل الدكتور مارك ستوكس أن البرمجيات المدربة لا تصلح سوى للشخص الذي بُنيت عليه قاعدة البيانات، ولا يمكن حتى اللحظة بناء "قارئ عالمي" للأحلام يصلح للجميع. هذا يعكس تعقيد التركيبة العصبية والفروق بين الأفراد في أنماط التصور الذهني والإدراك.
بين الحلم والواقع: مستقبل استكشاف اللاوعي
ربما لا نزال بعيدين خطوة أو أكثر عن اليوم الذي نصبح فيه قادرين على تسجيل الحلم بجودة عالية أو استخلاص سيناريوهات واضحة منه. لكن هذه التجربة البحثية الاستثنائية وضعت الأحلام لأول مرة تحت المجهر العلمي الدقيق، وفتحت أمام الطب النفسي والتقنيات الإدراكية آفاقاً جديدة لفهم العقل الباطن وتحليل المشاعر وما يخفيه النوم من أسرار.
وفي نهاية المطاف، يظل الحلم مادة خصبة يتلاعب بها الذكاء الاصطناعي، ويجعلنا نعيد طرح أسئلة أزلية عن حدود المعرفة وقراءة ما يدور في أعماق وعينا. مع استمرار التطور في تقنيات الرصد العصبي والذكاء الاصطناعي، يبدو المستقبل أقرب من أي وقت مضى لزمن يكون فيه استرجاع أحلامنا جزءاً من حياتنا اليومية—حيث يلتقي الخيال العلمي مع الواقع خطوة بعد أخرى.
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.