“قليل من الرعب التقني وكثير من الجنون البشري”.. لماذا صدم المشاهدون بمسلسل Black Mirror في موسمه السادس؟

منذ خُلق الإنسان خُلق الخوف معه كأنهما توأمان متلاصقان، كان الإنسان القديم خائفاً من الظلام والوحوش والجوع ثم تطورت الحضارة فأصبح يخاف من الفقر وشر الآخرين والمرض، الإنسان عدو ما يجهل كل ما هو مجهول غير المفهوم هو بالقطع أمر مخيف، لقد ازداد التطور البشري خلال القرن الماضي ازدياداً خارقاً، منذ عشرين عاماً لا أكثر كانت فكرة وجود برنامج حاسوبي يمتلك ذكاء شبه بشري شيئاً خيالياً قادماً من عوالم حرب النجوم.

لكن الخيال أصبح حقيقة وأصبح العالم الآن مفتوناً بتشات "جي بي تي" برنامج الذكاء الاصطناعي الذي سيلبي أي أوامر تصدرها، لكن ولأن الخوف من المستقبل ماثل في خلايانا أعرب العديد من الناس عن قلقهم من احتمالية أن يصبح الذكاء الاصطناعي واعياً أي أن يمتلك وعياً بشرياً يجعله يعتقد أنه إنسان له حقوقه مما يجعلنا تحت سيطرته، لو كنت تظن هذا خيالاً سخيفاً فنذكرك أن جول فيرن عندما تحدث عن رحلة إلى القمر نال سخرية الجمهور والقراء والناس كافة والآن كاد البشر أن يصلوا إلى المريخ. 

لقد سكن الخوف قلوب البشر قروناً لكنهم دومًا ما استطاعوا إيجاد وسيلة للتعبير عن مخاوفهم وشكوكهم وكانت وسيلتهم هذه هي الفن في البداية. كان الرسم على الكهوف ونحت الأدوات من الخشب والحجارة لاحقاً اكتشف البشر طريقة لتسجيل الحياة هي السينما وأصبحوا قادرين على تحويل مخاوفهم ومعتقداتهم وأفكارهم وتاريخهم وعرضه على الآخرين بأي شكل يرغبونه لتنضم السينما إلى الفنون وتتصدر الرقم سبعة وتصبح الفن الأعظم الفن السابع.

من وحي مخاوف المستقبل الدائمة وما قد تفعله التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي بنا، خرج مسلسل Black mirror أو المرآة السوداء ليقدم لنا على مدار مواسمه وحلقاته قصصاً فريدة وتصوراً مرعباً لما قد يحمله لنا المستقبل.
إن "بلاك ميرور" عمل فريد من نوعه، لا يركز على قصة واحدة ولا يسير على سياق محدد إنه مجموعة مختلفة من الأحداث والقصص والممثلين والرعب المختلف من حلقة لأخرى لكن ما يجمعها كلها هو ما الذي ستفعله التكنولوجيا بنا والعاقبة الأخلاقية لتطورنا التقني. 

انتظر عشاق هذه السلسلة أربعة أعوام كاملة كي يشاهدوا الموسم السادس من المسلسل خاصة أن الموسم الخامس كان مخيباً للآمال بعض الشيء وكالعادة سنقوم في "أراجيك فن" بتقديم مراجعة شاملة ليس لهذا الموسم فقط لكننا سنذكرك بأبرز حلقات المسلسل بأكمله مستعرضين أهم أسباب نجاحه الذي جعله المسلسل الأكثر انتظاراً والأكثر مشاهدة حتى الآن..!

إن كنت تنتظر حلقات تتحدث عن الذكاء الاصطناعي الذي سيسيطر على البشرية أو حلقة عن شخصية مريبة تشبه إيلون ماسك أو أي رعب تكنولوجي فلربما سيخيب أملك بعض الشيء إذ إن المسلسل هذا الموسم قرر اتخاذ منحى مختلف تماماً عما قدمه في المواسم السابقة؛ لم يعد هناك مستقبل وآلات متطورة وذكاء اصطناعي وعلماء مخابيل لقد قرر صناع العمل أن يثيروا رعبنا بأن يرونا حقيقتنا وما وصلنا إليه كبشر من أنانية وجشع.

لطالما تميز بلاك ميرور عن غيره بكونه Twilight zone العصر الحديث ولطالما برع في الاستفادة من المخاوف المرتبطة بقضايا حياتية تخصنا مثل وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب والذكاء الاصطناعي.

 لا يزال بروكر كاتب العمل ومنتجه مراقباً ذكياً للعصر الحديث ولديه بصيرة نافذة تربط بين ثقافة البوب والسياسة والتكنولوجيا. ومع ذلك لم يكن لهذا الموسم رونقًا تميز المواسم السابقة لكن وقبل أن نعطي رأياً نهائياً في العمل سنستعرض حلقات الموسم والأفكار المطروحة في كل حلقة التي كانت كالعادة مختلفة ومليئة بالأحداث المشوقة الغريبة التي تندمج مع الموسيقى التصويرية المميزة كعادة المسلسل. 

جاءت الحلقة الأولى من الموسم بقصة مسلية مغلفة بالكوميديا اللطيفة المقدمة من الجميلتين آني ميرفي وسلمى حايك. تحكي الحلقة قصة جون ذات تسريحة الشعر المميزة التي تعمل في شركة كبيرة وفي مركز مرموق، كأي شخص آخر تمتلك جون أسراراً خاصة بها لا تفشي بها إلا لطبيبتها النفسية مثل شعورها بالملل مع خطيبها كريش وإعادة تواصلها مع حبيبها السابق.

أثناء جلوسها لمشاهدة فيلم عَبر منصة ستريمبيري المعادل الساخر لنتفلكس تكتشف جون وجود مسلسل اسمه جون شخص فظيع من بطولة سلمى حايك وأن هذا المسلسل يعيد تجسيد يومها بكل تفاصيله حتى أدق أسرار حياتها فضحها المسلسل الذي شاهده كل شخص في حياتها طبعاً.

تنقلب حياة جون رأساً على عقب تخسر عملها وخطيبها وتخسر أهم شيء في العالم خصوصيتها، كل ما تفعله سيعرض في اليوم التالي ليراه الناس وعندما تحاول جون مقاضاة الشركة تكتشف أنها وعن غير قصد وقعت عقداً يتيح لهم استغلال أي معلومات عنها وتحويلها إلى مسلسل ذلك عندما وافقت على بنود الخدمة.

لم يعد لجون المدمرة حل آخر سوى أن تلفت انتباه نجمة العمل سلمى حايك التي لا تمثل فعلاً في المسلسل بل أن العمل بأسره مصنوع بالذكاء الاصطناعي وسلمى باعت حقوق استخدام صورتها في أي عمل للمنصة، تستمر أحداث الحلقة بقوة وغرابة تذكرنا بأجواء كريستوفر نولان الفريدة رغم أن نهاية الحلقة كانت مشوشة وضائعة إلا أنها كانت افتتاحية جيدة للموسم.

لقد قدمت الحلقة خوفاً يلازمنا جميعاً، إلى أي مدى نمتلك حقاً خصوصية نحن محاصرون طوال الوقت هواتفنا الذكية التي أصبحت عضواً من أعضاء الجسد تتجسس علينا طوال الوقت، وسائل التواصل الاجتماعي ألغت أي خصوصية كل شخص يعرف كل شيء عن كل شخص آخر كل ما عليك فعله هو أن تبحث في حساباته على وسائل التواصل وستعرف ما يحب ومن صديقه وأين يعمل وكيف يأكل.

كما قدمت الحلقة فكرة مهمة هي قدرة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي على تحوير الحقائق، لقد كانت جون شخصاً عادياً مملاً جعلها المسلسل شخصاً بغيضاً لأن هذا ما يجذب المتابعين دون أي اعتبار لها ولمعاناتها لقد وافقت أليس كذلك؟

لم تكن فكرة الحلقة متعلقة بالمستقبل البعيد الغامض كالمواسم السابقة بل ركزت على حقيقة أننا كبشر استهلكنا أنفسنا وأصبحنا نستمتع برؤية البؤس والحقد والألم طالما أنه لا يمسنا لا أحد سيشاهد برنامجاً عن شخص رائع لطيف محبوب. نحن مهووسون بالسلبية والمشاعر السيئة كما حملت الحلقة تنبيهاً للجميع كي يقرأوا بنود وشروط الخدمة قبل ضغط زر موافق كي لا يجدوا أنفسهم قد تحولوا إلى مسلسل وقت الذروة.

الحلقة الوحيدة التي تدور في الزمن الحالي تدور أحداثها في سكوتلندا الجميلة حين يصل دايفس مع صديقته بيا إلى قريته الاسكتلندية الصغيرة المنعزلة لتصوير وثائقي ممل عن حامي البيوض النادرة قرية بحيرة هنري منطقة معزولة لا يوجد فيها حتى شبكة اتصال أو انترنت كما أنها خالية من السياح بشكل مريب.

تكتشف بيا عن طريق ستيوارت مالك الحانة وصديق دايفس المقرب أن السبب الذي يجعل الجميع يخاف القرية هو السفاح أيان أدير الذي قام بقتل وتعذيب ما لا يقل عن ثمانية أشخاص في التسعينات وقد اكتشف الشرطي والد دايفيس حقيقته لكنه تعرض لطلق ناري في الكتف من قبل إيان الذي قتل نفسه ووالديه بالرصاص بعدها.

تهتم بيا على الفور بالقصة وتفضل أن تجعلها محور الفيلم الوثائقي كذلك ستيوارت الذي رأى أن نجاح الفيلم الوثائقي سيجذب السياح إلى القرية وستنتعش الحانة رغم ممانعة والد ستيوارت القوية لهذا القرار إلا أن الثلاثة يقررون المضي قدماً في خطتهم الأمر الذي يؤدي إلى سلسلة من الأحداث المأساوية الصادمة بأداء رائع من صموئيل بلينكين وميالا هيرولد.

رغم أن الحلقة كانت بعيدة تماماً عن عوالم بلاك ميرور المعروفة إلا أن كثيرين رأوا أنها كانت من أفضل حلقات الموسم إذ كانت ممتعة مشوقة صادمة لقد تحول الخيال إلى واقع أسوء وأقسى من الخيال وكانت الحلقة مميزة بكثير من المنعطفات والأحداث الصادمة اختتمت بنهاية مثالية. 

ترصد الحلقة حقيقة مؤلمة لا ينتبه إليها الكثيرون لقد تحولت الجريمة بفضل الإعلام والسينما إلى متعة نتابع تفاصيل حياة وتاريخ مرتكبيها بشغف بل حتى أن قصص هؤلاء الوحوش تتحول إلى أعمال ناجحة تنهال عليها التكريمات.

في العام الماضي قدمت نتفلكس مسلسلاً عن القاتل المتوحش جيفري دامر الذي قتل أكثر من 15 شخصاً بطريقة متوحشة لقد حطم المسلسل الأرقام القياسية في نسب المشاهدة وانهالت التقييمات الايجابية والتكريمات من كل حدب وصوب دون أن يهتم أي شخص بمشاعر وألم أهل الضحايا، لقد رأى هؤلاء الناس الشخص الذي دمر حياتهم وقتل أطفالهم وأصدقائهم يصبح بطلاً معروفاً. 

نرشح لك: أفضل مسلسلات نتفليكس 2023: قائمة طويلة من إبداعات المنصة التي لا تنتهي!

كل الوثائقيات التي تحدثت عن السفاحين ساهمت بدون قصد في شهرتهم لا أحد يكترث بالضحية ومشاعر من يعرفونها، إن قصص السفاحين والقتلة المتسلسلين ممتعة مثيرة وتحقق دومًا مشاهدات مرتفعة وهذا أكثر من كاف. 

يعود "بلاك ميرور" إلى عالم التكنولوجيا في هذه الحلقة لكن ليس في المستقبل بل في الماضي في نهاية الستينيات. تحكي الحلقة عن ديفيد وكليف رائدا الفضاء اللذان يعودان إلى الأرض لزيارة العائلة عن طريق كيان آلي يستطيعان نقل وعيهما إليه لفترة زمنية محددة ثم يعودان إلى جسدهما الأصلي.

حياة كليف الزوجية متوترة مضطربة سواء مع زوجته لانا أو مع ابنه الذي لا يعرف كيفية التواصل معه. أمًا ديفيد الرسام الموهوب فحياته مثالية زوجة سعيدة محبوبة طفلان جميلان إنها حياة مثالية تتدمر في لحظة واحدة عندما يهجم مجموعة من الهيبيين على المنزل - الأحداث تدور في الستينات كما قلنا - إنهم مقتنعون أن ديفيد مخلوق فضائي وأن عائلته ليسوا بشراً أيضاً لذا يقتلون زوجته وطفليه ويقومون بتدمير جسده الآلي بمأساة تذكرنا بما حدث للجميلة الراحلة شارون تيت. 

يدخل ديفيد في اكتئاب عميق يجعله عاجزاً عن القيام بمهامه في السفينة فيقرر كليف بالاتفاق مع زوجته لانا السماح لديفيد بنقل وعيه إلى جسد كليف الآلي كي يشعر بالحياة مرة أخرى، القرار الذي سيسبب سلسلة صادمة من الأحداث المعقدة التي تنتهي نهاية مقلقة تليق بحلقة غريبة كهذه.

لقد كانت الحلقة الثالثة درة الموسم أقل ما يمكن وصفها أنها أسطورية إن استخدام الخيال العلمي الجامح لحكاية قصة إنسانية معقدة كان دومًا ما يميز بلاك ميرور عن أي عمل آخر.

كان أداء كل طاقم التمثيل مميزاً ورائعاّ لكن أفضل ما في هذه الحلقة كان آرون بول، لقد نضج جيسي بينكمان الصغير وأصبح ممثلاً رائعاً من العيار الثقيل.

ما بين الأرض والفضاء الذي يذكرنا نوعاً ما بتحفة كوبريك أوديسا الفضاء لا تركز الحلقة على فكرة الروبوتات والفضاء الخارجي بل تركز على دواخلنا والقسوة المدفونة في أعماقنا، الإنسان كائن أناني للغاية ستشعر بانزعاج وقلق لو أنك أعرت سترتك لشخص آخر فماذا عن زوجتك وعائلتك وجسدك نفسه.

لقد ظهر هذا الأمر وبوضوح ضمن أحداث الحلقة التي كانت تعج بالمشاعر والعلاقات الإنسانية المتشابكة الغيرة الحزن الخوف الألم. كل هذه الأحاسيس المختلطة ظهرت بين امرأة محبطة وزوج محطم وصديق غارق في الحزن لتسير أحداث الحلقة الأطول في الموسم بسلاسة تامة تكاد لا تشعر معها بطول مدة العرض لتختتم بنهاية مفتوحة جعلت منها وبدون أي شك واحدة من أساطير بلاك ميرور.

بعد حلقة Beyond the sea الأسطورية تأتي حلقة مايزي داي لتكون سقطة الموسم، لقد نوهنا في بداية المقال إلى حقيقة أن صناع العمل قرروا اتخاذ منحى مختلف عما تم تقديمه في السابق لم يعد الرعب مقتصراً على التكنولوجيا بل تعدى إلى عوالم ما وراء الطبيعة أيضاً. 

تعيدنا أحداث الحلقة إلى زمن المصورين المتطفلين أو الباباراتزي عندما كان كل شخص مسلحاً بكاميرا يحشرها في وجه أحد المشاهير كي يلتقط له صورة فاضحة تنهي حياته المهنية بل وحياته بالمطلق أحياناً.

تحكي الحلقة قصة بو الباباراتزي التي قررت الاعتزال بعدما تسببت صورة التقطتها في انتحار أحد المشاهير لكن احتياجها للأموال دفعها للعودة إلى العمل وملاحقة الممثلة مايزي داي المختفية منذ أشهر كي تحاول التقاط صورة لها وهي منتشية فكلما كانت الصورة مؤذية أكثر كلما كانت مربحة أكثر لكن الأحداث تكشف أن هناك أسراراً أكبر بكثير خلف .اختفاء مايزي داي الغامض

تبدو هذه الحلقة خارجة من أسوء مواسم Supernatural الشهير بل حتى أنها لا تتطرق ولو قليلاً لعالم التكنولوجيا أو مخاطرها. لم يكن هذا هو السبب أنها أضعف حلقات الموسم بل السبب هو الكتابة الضعيفة على غير العادة وتسارع الأحداث الغير منطقي رغم الأداء التمثيلي المتقن من طاقم عمل الحلقة لكن زوايا التصوير الحادة والألوان الداكنة لم .تساعد كثيراً في رفع مستوى الحلقة 

تحاول الحلقة لفت الأنظار إلى أهمية خصوصيتنا سابقاً كان الباباراتزي يخترقون حياة المشاهير بكاميراتهم لكن في وقتنا الحالي تولى المشاهير هذه المهمة بأنفسهم دون مساعدة من أحد عن طريق الانستغرام والتيك توك وغيرها لقد أصبحنا جميعاً تحت الأضواء.

لعل الشيء الوحيد الجيد في الحلقة كان تذكيرنا بمأساة بريتني سبيرز المغنية التي فقدت كل شيء وانهارت تماماً ورغم ذلك استمر المصورون بالالتفاف حولها كالذئاب المسعورة ولربما كانت هذه هي الفكرة القابعة خلف الحلقة.

جاءت الحلقة الختامية لهذا الموسم كالحلقة الأكثر رعباً واضطراباً وغرابة لعل أول ما يلفت نظرك هو أنها جاءت تحت عنوان Red mirror أي المرآة الحمراء وهي تسمية مختلفة عن المرآة السوداء التي دومًا ما ركزت على الرعب الخاص بالتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي أمًا ريد ميرور تركز على نوع آخر من الرعب، الشياطين.

للرعب وجوه كثيرة وبالقطع فإن الأشباح والشياطين والموت من أبرز وجوهه. تدور هذه الحلقة الغريبة في فترة السبعينيات العسيرة حيث العنصرية في كل مكان وشبح الحرب الباردة مخيم فوق القلوب مهدد بفناء الأرض بحرب نووية في هذا العالم القبيح تعيش نيدا التي تعقد بدون قصد منها عقداً مع الشيطان غاب، لا هذه ليست تنويعة جديدة لفاوست نيدا لن تنال الشباب الأبدي كل ما ستفعله هو قتل ثلاثة أشخاص خلال ثلاثة أيام أو مواجهة نهاية العالم. 

رغم أن قصة الحلقة بسيطة إلا أنها كانت فعلاً مرعبة مخيفة صحيح أنها كانت بعيدة عن أي شيء يخص المستقبل أو التكنولوجيا لكنها كانت حلقة فلسفية غريبة مقلقة طرحت العديد من الأسئلة الوجودية، ماذا يوجد بعد الموت أهو الفراغ والعدم؟ لو كان قتل إنسان واحد سبباً في إنقاذ البشرية جمعاء فهل ستفعلها؟

لقد جاء ختام الموسم السادس حاملاً حلقة هي الأشد غرابة ولو كنت متابعاً لبلاك ميرور ستعرف أهمية مثل هذا الكلام لم تكن هذه الحلقة الأفضل لكنها كانت حلقة مميزة بكتابتها المتينة وأداء الممثلين المتقن وقطعاً استعراض أجواء السبعينيات الفريد من نوعه.

لربما سنرى المزيد من حلقات ميرور بعدما حققت الحلقة نسب مشاهدة مرتفعة ونجحت في نيل استحسان النقاد والمشاهدين على حد سواء.

كانت هذه نظرة عامة حاولنا جعلها خالية من الحرق قدر المستطاع لحلقات الموسم السادس من بلاك ميرور. لقد توقع الكثيرون أنه وبعد انتظار أربع سنوات والتطور التكنولوجي المرعب الحاصل في الأعوام الأخيرة سنرى مجموعة مميزة من الحلقات التي تتنبأ بمستقبل مظلم حالك كما اعتدنا من المسلسل لكن يبدو أن مبتكر المسلسل تشارلي بروكر قرر دفع المسلسل إلى أقصى حدوده وتقديم جديد غير المطروق بعدما قدم الكثير من الحلقات التاريخية الرائعة التي جمع فيها أكبر مخاوف الإنسان الخوف من التكنولوجيا.

نرشح لك: أفلام الذكاء الاصطناعي: تأثير الذكاء الاصطناعي في السينما ومخاطره على البشر!

والخوف من المستقبل لكن هذا الموسم لم يركز على خوف التكنولوجيا كما اعتدنا منه بل ركز علينا نحن البشر ركز على حقيقة أننا سمحنا أن يتم استهلاكنا وأن نتجرد من إنسانيتنا ونتمتع بآلام الآخرين طالما أنها ليست آلامنا، صحيح أن مسار المسلسل اختلف قليلاً وأن بعض الحلقات كانت أقل من المتوقع لكن المؤكد أن بلاك ميرور لا يزال قادراً على جذب المشاهدين بقصص لا تفوت حتى أن بعض حلقات المسلسل في المواسم السابقة تحولت إلى مرجعية في عالم الرعب والإثارة وسنقوم بتذكيرك بها لو شاهدتها أو سنجعلك متحمساً لمشاهدتها لأول مرة. 

منذ بداية عرضه عام 2011 نجح "بلاك ميرور" في فرض نفسه كمسلسل مرعب مقبض سوداوي مختلف عن أي شيء آخر لطالما حملت حلقات المسلسل ذلك الشعور الغريب باليأس والفراغ لعل هذا سبب تسمية المسلسل. 

إن ما يميز بلاك ميرور هو طريقة تقديم الرعب، لقد ولى زمن دراكولا وأنيابه الحادة، هناك ما هو مرعب أكثر، هذا الشيء الملتصق بيدك ليل نهار والذي لا تستطيع الاستغناء عنه لحظة واحدة ولو فقدته، فإن الأمر شبيه بفقدانك لأحد أطفالك، نعم هاتفك الذكي هو أكثر ما يجب أن يثير رعبك.

نرشح لك: فيلم Renfield.. هل يعيد نيكولاس كيدج كاريزماه بنرجسية دراكولا الدموية بعد 34 عامًا؟

لقد أصبحنا شئنا أم أبينا منعدمي الخصوصية، نحن مراقبون طوال الوقت ونستعبد أنفسنا بأنفسنا بشكل أو بآخر، رعب التكنولوجيا ماثل في خلفية أذهاننا وكل ما فعله المسلسل هو استعراض هذا الخوف ببراعة مطلقة والتنبيه دون أمل إلى مخاطر ما نفعله بأنفسنا مع كل هذا التطور الذي اقدمه البشرية.

لطالما كانت نظرة بلاك ميرور للمستقبل شديدة السوداوية لا يمكن لوم صناع العمل؛ فالواقع يفرض حقيقة أننا ندمر أنفسنا وأرواحنا شيئاً فشيئاً بسبب اعتمادنا المطلق على التكنولوجيا الحديثة التي جعلتنا عبيداً لها. 

عبر الأعوام والمواسم المختلفة قدم المسلسل حلقات يمكن وصفها بالتاريخية، سبب هذا الوصف ليس تحقيق الحلقة لتقييمات مرتفعة أو نسب مشاهدة عالية فقط بل يعود لكونها قدمت قصصاً فريدة مميزة مذهلة وتصوراً مستقبلياً.

تحول إلى أمر واقع في بعض الحلقات لكننا سنتكلم عن هذا لاحقاً في مقالنا.. أما الآن فسنستعرض مجموعة من أبرز وأفضل حلقات المسلسل عَبر كل المواسم، قد تتضمن بعض الحرق للأحداث فلو لم تكن قد شاهدتها بعد شاهدها أولاً ولن تندم على الإطلاق.

كانت هذه الحلقة هدية صناع العمل في عيد الميلاد ويا لها من هدية، بشكل عام كان الموسم الثاني واحداً من أفضل مواسم العمل لكن هذه الحلقة كانت مختلفة حزينة مرعبة.

تدور أحداث الحلقة حول رجلين يقضيان عيد الميلاد في كوخ معزول محاط بالثلوج جو بوتر ومات ترينت عاشا معاً في مقصورة لمدة خمس سنوات ولكنهما بالكاد يتحدثان لكن ومع أجواء عيد الميلاد اللطيفة يبدأ مات بتشجيع جو فيشرح له لماذا انتهى به المطاف في المقصورة.

لقد كان مات يعمل في وظيفة غريبة، في زمن الحلقة المستقبلي يمكن للناس استخراج جزء من وعيهم وتحويله إلى نسخة رقمية كي يصبحوا مساعدين رقميين ومهمة مات تدريب "الكوكيز" كما يطلق عليهم.

يتشجع جو ويحكي قصته هو الآخر إذ تم "حظره" من قبل خطيبته بيث بعد أن تشاجرا بشأن قرارها بإجراء عملية إجهاض إن قيامك بحظر شخص ما يجعلك تراه خيالاً ضبابياً بلا ملامح عاجز تماماً عن رؤيته أو التكلم معه بعد أشهر وبمحض المصادفة يرى جو صورة ظلية يدرك أنها بيث ويصدم أنها لا تزال حاملاً لكنه يعجز تماماً عن التواصل معها لذا.

 وفي كل ليلة عيد ميلاد كان جو يسافر إلى منزل والد بيت ليشاهد سراً بيت وابنتها (التي يمتد إليها الحظر) عاماً بعد عام بعد وفاة بيث في حادث قطار يزول أثر الحظر فيكتشف جو أمراً صادماً أدى إلى سلسلة من الأحداث السوداوية التي انتهت نهاية خيالية مؤلمة جعلت هذه الحلقة هي أفضل ما قدمه المسلسل وأشده قسوة. 

لقد كانت هذه الحلقة مريبة بقدر ما كانت مثيرة وطرحت أفكاراً وإمكانيات مستقبلية مرعبة لقد جعلت وسائل التواصل الاجتماعي خصوصيتنا وهماً كما أن اعتمادنا المطلق على التكنولوجيا الحديثة سيؤدي بنا إلى العبودية الذاتية تلك التي حاربها البشر قروناً لكنهم شيئاً فشيئاً يعودون إليها مع كل تطور جديد. 

إن ما يميز هذه الحلقة عن غيرها هو أنها لم تقدم قصة واحدة بل مجموعة من القصص المتنوعة المرعبة التي يجمع بينها ما يميز العمل ككل، أضرار التكنولوجيا. 

تدور أحداث الحلقة حول نيش التي تزور المتحف الأسود البعيد في محطة تعبئة وهناك يشرح لها المالك رولو هاينز القصص المتوارية وراء القطع الأثرية في المتحف، كل قطعة من هذه القطع تسببت في جريمة شنيعة بشكل أو بآخر بقدر ما كانت الحلقة مقبضة مستفزة بقدر ما كانت نهايتها صادمة قوية، لقد كانت أفضل ختام للموسم الرابع.

في الواقع فكرة المتحف الأسود ليست بجديدة إذ قدم الأديب المصري الراحل د.أحمد خالد توفيق حبكة مشابهة لهذه الحبكة في سلسلة "ما وراء الطبيعة" تحت نفس العنوان المتحف الأسود لكن بدلاً من أن يستعرض قطعاً تقنية استعرض معرض أحمد خالد توفيق قطعاً شيطانية حملت كل منها قصة مرعبة خوارقية، هل اقتبست نتفلكس عمل العراب؟ لا إجابة عن هذا السؤال حقاً كل ما يمكن قوله أن كلا المتحفين قدم قصصاً رائعة في رعبها.

نرشح لك: نجاح ما وراء الطبيعة: نتفليكس.. بداية الانفتاح الجديد، وموت الرقابة

قدمت نتفلكس عام 2018 تجربة فريدة من نوعها وهي فيلم تفاعلي، أي أنك أنت كمشاهد ستتخذ القرارات الخاصة بالشخصية الرئيسية وكل قرار تتخذه سيغير مسار الأحداث تغيراً جذرياً القصة الرئيسية للفيلم هي ستيفان بتلر مبرمج شاب يقتبس رواية فانتازيا ويحولها إلى لعبة فيديو خلال ثمانينات القرن العشرين الفيلم مبني على لعبة فيديو غير صادرة بعد إفلاس الشركة المصممة لها: Imagine Software عام 1984.

 لا يمكن لنا استكمال الحبكة لأن أي قرار تختاره سيؤدي إلى أحداث مختلفة، كانت كتابة فيلم كهذا صعبة حقاً على تشارلي بروكر لكنه وبالتأكيد استطاع خلق تجربة ممتعة رفعت نسب اشتراكات نتفلكس ارتفاعاً كبيراً في حينها، لعل السبب الأساسي في عدم تكرار هذه التجربة هو الإرهاق والصعوبة التي يتطلبها الأمر، لكن تميزها يجعل هذا الفيلم ضمن حلقات بلاك ميرور التاريخية.

كانت هذه الحلقة افتتاحية رائعة للموسم الثالث، في عالم مستقبلي أصبح المجتمع مبنياً على أساس تقنية يشارك فيها الجميع أنشطتهم اليومية عن خلال خلايا مزروعة في العين والأجهزة المحمولة حيث يقيم المرء تفاعله مع الآخرين على مقياس من نجمة واحدة إلى خمس نجوم مما يؤثر بشكل تراكمي على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للجميع.

 كلما ارتفع تقييمك كلما أصبحت حياتك أفضل والعكس صحيح في ذلك العالم تسعى لايسي باوند إلى رفع تصنيفها من 4.2 إلى 4.5 للحصول على خصم على شقة فاخرة ومع ذلك وعلى الرغم من محاولاتها أن تكون جذابة وممتعة وتصنيفها ثابت لا يتغير تتحدث لاسي إلى أحد الاستشاريين الذي يقترح الحصول على دعم من الأشخاص ذوي التصنيف العالي جداً فتحاول لايسي مع صديقتها نايومي فعل كل شيء وأي شيء لرفع تصنيفها مما يؤدي إلى مجموعة من الأحداث المؤسفة.

لم تكن الحلقة مرعبة تماماً لكنها حملت تنبيهاً قوياً لحقيقة ما فعله بنا الإنستغرام، في عالم لايسي ونايومي يتم تقييم الناس وفق معايير محددة وفي عالمنا هذا الأمر نفسه تماماً نحن نعطي سلطة وأهمية وانتباهاً لأشخاص لا يفعلون أي شيء سوى استعراض أنفسهم وأدق تفاصيل حياتهم أمام كل من يمتلك حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي ومن يدري قد يتحول الخيال إلى حقيقة وتصبح عاجزاً عن شراء شقة طالما أن تصنيفك أقل من اللازم في انستغرام.

في الحقيقة استطاعت بعض حلقات بلاك ميرور استكشاف المستقبل بطريقة أو بأخرى إذ أن بعض الأحداث التي وردت في المسلسل على أنها محض خيال جامح تحولت إلى أمر حقيقي على أرض الواقع قد تكون الحقيقة أحياناً أغرب من أغرب خيال. 

نرشح لك:  حلقتان من بلاك ميرور Black Mirror تتحولان إلى حقيقة!

لا حدود للخيال الإنساني يقال أن خيال البشر أوسع من أوسع محيط، لطالما استعمل الإنسان خياله لاستكشاف ما قد يحمله المستقبل لنا، لقد تخيل جول فيرن الكاتب الشهير البشر يخترقون أعماق البحار وغياهب الفضاء وهو ما أصبح حقيقة طبيعية في وقتنا الحالي في الواقع أغلب المخترعات التي نتمتع بها في وقتنا الحالي كان مردها الأصلي خيالاً جامحاً لشخص حالم.

بشكل عام يحاول الخيال العلمي تصوير وتقديم نظرة معينة نحو مستقبلنا لكن الاتجاه الذي تتخذه البشرية تجعل قصص الخيال العلمي تحذيراً وتنبيهاً لما يمكن أن يحصل لنا بسبب مسارنا هذا.

من المحتمل أن يكون هذا السبب الرئيسي للنجاح الكبير الذي حققه "بلاك ميرور" لقد أثارت السرعة الكبيرة التي تطورت فيها التكنولوجيا كثيراً من المخاوف والقلق بين العوام وجاء بلاك ميرور ليجعل هذه المخاوف مجسدة حقيقية بل أن بعض حلقات بلاك ميرور كادت أن تتحول إلى حقيقة ليس بشكل حرفي لكن بتشابه يثير القلق أحياناً.

والصدمة أحياناً أخرى إن كان هذا يعني شيئاً فإنه يعني عدم التقليل من شأن الخيال العلمي وقدرته على قراءة أنفسنا وذواتنا بشكل أفضل من أي شيء آخر تشارلي بروكر. لم يقتبس أحداث حلقاته من الفضاء الخارجي بل مما يحدث في الحياة الواقعية مما تفعله التكنولوجيا بنا. بعض حلقات بلاك ميرور كادت أن تتنبأ بالمستقبل الذي لم يكن مشرقاً مبهجاً بأي حال وإليك بعض الحلقات والحقائق المرتبطة بها.

أول حلقة من بلاك ميرور تعرض على الشاشة ولعلها واحدة من أكثر الحلقات غرابة وإثارة للإشمئزاز تبدأ أحداث الحلقة بعد اختطاف أحد أفراد العائلة المالكة البريطانية يطالب الخاطف رئيس الوزراء بفعل أشياء معينة مع خنزير على الهواء مباشرة من أجل إطلاق سراحها تمتد الفرضية السخيفة والمثيرة للقلق ببراعة ما بين السخرية السياسية والكوميديا السوداء  والدراما المظلمة للغاية لإنشاء قصة فريدة بشكل لا يصدق ومقلقة إلى أقصى حد أراد بروكر استفتاح مسلسله باستعراض القوة الهائلة للإعلام التي يمكن أن تدمر مسيرة حياتية كاملة في لحظة واحدة. 

على أرض الواقع وبعد أربع سنوات من بث هذه الحلقة كان رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون متهماً بفعل أشياء لخنزير خلال حفل خاص، على الرغم من أن هذا الادعاء لم يتم البت في حقيقته بشكل كامل أبداً إلا أن الفكرة البسيطة التي تقول أن هذا ربما حدث هي فكرة مضطربة ولكنها أيضاً مضحكة بشكل غريب وهو أمر يتفق معه مبدع المسلسل تشارلي بروكر أيضاً.

خاتمة الموسم الأول الأعظم في تاريخ بلاك ميرور أطلقت الحلقة عام 2011 في بداية ظهور وسائل التواصل الاجتماعي 

تحكي الحلقة قصة محامي يشك في أن صديقته تخونه مع صديقه المقرب ويبدأ في الغوص بعمق في ذكرياتهم الحقيقية من خلال "الأقراص" التي المزروعة في أدمغتهم وتسجل حياتهم بأكملها.

هذا هو التميز الحقيقي لبلاك ميرور استكشاف العواقب الأخلاقية المظلمة للتكنولوجيا ومع ذلك فقد قدمت الحلقة أيضاً نظرة أكثر قتامة وشراً إذا نظر المرء بشكل أعمق.

لربما لا نمتلك أقراصاً مزروعة في جماجمنا لكن التكنولوجيا التي قدمتها الحلقة تشبه إلى حد كبير وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف التي نمتلكها في الوقت الحاضر والتي تتبع كل ثانية من حياتنا.

نحن مهووسون بإبقاء حياتنا محفوظة بالكامل عبر انستغرام وفيسبوك وغيرها نخزن أجمل وأفضل ذكرياتنا هناك يمكن أن يكون هذا الهوس سيفاً ذو حدين كما تظهر الحلقة حيث يمكن لهذه الأشياء أن تساعد في استعادة الذكريات الجيدة ولكنها أيضاً قد تحتوي على أشياء نود إخفاءها بعيداً عن الغرباء أو المقربين أحياناً إن هذه الحقيقة والتطور الحاصل في عالم التكنولوجيا والاعتماد المطلق على عيش حياتنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي كل هذا يجعل هذه الحلقة بالغة الأهمية وتحذيراً صارخاً مدوياً لما قد يحمله لنا المستقبل.

بنظر الكثير من المتابعين تعد هذه واحدة من أعظم حلقات المسلسل تحكي الحلقة قصة امرأة شابة يقتل صديقها في حادث سيارة وفي خضم حدادها تقرر تجربة ذكاء اصطناعي جديد يمكنه "إعادته" بطريقة ما عبر استنساخ وجوده ومشاعره وأفكاره من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به وزرعها في روبوت يشبهه تماماً إنها حلقة مأساوية مؤلمة تطرح أسئلة مهمة حول حقيقة. تخطي الحزن والمضي قدماً في عصر تترك فيه منصات التواصل الاجتماعي الشخص مرئياً بعد فترة طويلة من وفاته.

لاحقاً في عام 2015 قامت شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي تدعى Luka بإنشاء روبوت محادثة مشابه بشكل مخيف لذلك الموجود في هذه الحلقة حتى أنهم أعلنوا أن روبوت المحادثة هذا مستوحى بشكل كامل من الحلقة، يمكننا أن نناقش طوال اليوم حقيقة كون الشركة قد أخذت الرسالة الخاطئة من الحلقة لكن الأمر المهم هو حقيقة أن الخيال العلمي يؤثر على الكثير من تقنياتنا الحديثة كما قلنا في بداية الفقرة.

هي واحدة من أكثر حلقات بلاك ميرور تكلفة تتبع الحلقة مبرمجاً موهوباً للعبة عبر الإنترنت يستخدم الحمض النووي لزملائه في العمل لإنشاء نسخ داخل اللعبة والتحكم فيها قد تشعر للوهلة الأولى أنها واحدة من حلقات ستار تريك الشهير لكن وفي واقع الأمر فإن هذه الحلقة هي إدانة لاذعة للرجولة السامة والتحكم الذكوري والسمية في القاعدة الجماهيرية.

لذلك من المناسب إطلاق الحلقة في ديسمبر 2017 بعد شهرين من فضائح هارفي واينستين المخرج والمنتج الذي تم توجيه اتهامات إليه بالتحرش الجنسي على مدى ثلاثين عاماً من قبل عشرات النساء. 

تستمر الحلقة في كونها ذات بصيرة نافذة وتتوقع حدوث أشياء متعددة في القاعدة الجماهيرية في الوقت الحالي حيث يستمر إقصاء بعض الرجال ذوي القاعدة الجماهيرية الواسعة بسبب تمييزهم الجنسي وإساءة معاملتهم المتفشية لقد ظهرت حلقة USS Callister في أفضل وقت ممكن وساعدت في إلقاء الضوء على ما كان يحدث في كواليس صناعة السينما لكثير من النساء طوال الوقت دون علم أحد.

خلال الأعوام الأخيرة قفز التطور قفزة مخيفة غير المسبوقة؛ برامج محادثة تمتلك ذكاءً اصطناعياً عالم الميتافيرس نظارات تنقلك إلى عالم افتراضي يجعل الخط الفاصل بين الحقيقة والوهم رفيعاً حقاً، وطبعاً لا ننسى المليونير إيلون ماسك الذي يمتلك غرابة أطوار تؤهله كي يكون أحد أشرار سوبرمان.

 كل هذه الأسباب السابقة جعلت من الموسم السادس من بلاك ميرور منتظراً بشدة، لقد توقع كثيرون أن يتناول الموسم قصصاً تتعلق بسيطرة الذكاء الاصطناعي على حياتنا أو بتقديم قصة عن عالم مخبول يخلق عالماً وهمياً خاصاً به يرغب في استبدال الواقع به.

لكن تشارلي بروكر وطاقمه قرروا أنهم قدموا ما يكفي في هذا المجال لقد حذروا كثيراً جداً من العاقبة الأخلاقية لكل هذا التطور التقني وآن الأوان للتغيير وتقديم قصص أخرى بنكهة مختلفة عما سبق تقديمه لا يمكن لبلاك ميرور إعادة نفسه مرة تلو الأخرى مهما بلغ حبك وإعجابك به ستشعر بالملل والضجر لا محالة وبما أن بلاك ميرور قرر اتخاذ منحى مختلف عن توقعاتنا فهنا نطرح سؤالاً مهماً. 

سيكون قول كلام كهذا ظلماً بيناً، صحيح أننا تمنينا رؤية المزيد من الرعب التقني الذي اعتدناه من المسلسل إلا أن ما تم تقديمه لم يكن سيئاً على الإطلاق لقد كانت حلقتا بحيرة هنري والشيطان 79 رائعتين حقاً سواء كقصة أو كتمثيل رغم بعدهما عن عالم بلاك ميرور المعروف.

 ولو عنى هذا شيئاً فإنه يعني أن بلاك ميرور سيبقى دومًا علامة فارقة في تاريخ التلفاز حتى لو قرر بلا أي سابق إنذار تغيير اتجاهه سنظل مستمتعين متحفزين متشوقين لأحداثه مستمتعين بالأداء التمثيلي الرفيع من كل فرد من أفراد طاقمه.