أقدم ماء على وجه الأرض… وداخل كل قطرة قصة عمرها 2.6 مليار سنة

3 د
اكتشف العلماء مياهً عمرها 2.
6 مليار سنة في منجم كندي عميق.
تحتوي هذه المياه القديمة على نشاط ميكروبي قديم مستقل عن الشمس.
تذوّقت الباحثة باربرا المياه، ووصفتها بأنها مالحة للغاية.
يفتح الاكتشاف نقاشات حول احتمال وجود حياة في كواكب أخرى.
تُظهر المياه قدرة الطبيعة على الاستمرار والتجدد عبر الأزمان.
في أعماق منجم كندي، وقع العلماء على اكتشاف مذهل ربما يُغيّر فهمنا للحياة على كوكب الأرض والكون بأسره. تخيّل أن هناك مياه حبيسة في صخور الأرض منذ أكثر من 2.6 مليار سنة! ليس هذا فحسب، بل إن أحد الجيولوجيين تذوّقها بنفسه ليحكي لنا طعم الماضي السحيق.
في عام 2016، فجّر فريق علمي بقيادة الأستاذة باربرا شروود-لولار من جامعة تورونتو مفاجأة مدوّية عندما اكتشفوا مياهاً لم ترَ النور منذ العصر السحيق، مختبئة على عمق ثلاثة كيلومترات في باطن الأرض. هذه المياه ليست قطيرات هنا وهناك، بل تنبع بكميات كبيرة وتندفع من باطن الصخور بمعدل لترات من المياه في الدقيقة الواحدة. استمرار تدفق هذه المياه الجوفية العتيقة دفع العلماء للتساؤل عن الأسرار التي تخبئها وعن قدرة الحياة على البقاء في عوالم معزولة كل هذه الأزمنة.
وباستخدام أدوات تحليل دقيقة، توصل الفريق العلمي إلى أن هذه المياه تحتفظ بتوقيع كيميائي واضح يشير إلى أنها كانت موطناً لنشاط ميكروبي ضارب في القدم. فعن طريق دراسة الكبريتات في المياه، كشف العلماء وجود دلائل لا تخطئها العين على تفاعل ميكروبات معزولة مع البيئة الصخرية حولها، دون الحاجة إلى أشعة الشمس. وقد شرح البروفسورة شروود-لولار أن تلك البصمات لا يمكن أن تتكون بين ليلة وضحاها، بل تتطلب مئات ملايين السنين من النشاط البيولوجي المستمر في أعماق ظلام الأرض.
العثور على هذه الحياة القديمة فتح شهيّة المجتمع العلمي لنقاش إمكانية وجود أشكال حياة مماثلة في باطن الكواكب أو الأقمار الأخرى في نظامنا الشمسي. فإذا كان بمقدور الميكروبات الأرضية الاستمرار كل هذه الفترة في عزلة تامة، فلماذا لا يكون هناك حياة خفية في باطن المريخ أو تحت جليد قمر "يوروبا"؟ الاحتمالات المثيرة تزيدها حقيقة أن تفاعلات الصخور مع المياه، وليس فقط الضوء الشمسي، بإمكانها تكوين مواد مغذية تسمح لدورة كيميائية حيوية بالبقاء لدهور طويلة.
وهنا ننتقل إلى نقطة أكثر إثارة: طعم المياه نفسها! لم يستطع الفضول أن يمنع البروفسورة شروود-لولار من تذوق نكهة أقدم المياه المعروفة للإنسان، فأخذت قطرة على إصبعها وتذوقتها بنفسها. وجاء التقييم لاذعاً:
"مالحة للغاية، أكثر حتى من مياه البحر!"
الطعم القوي يؤكد تعرض المياه الطويل للأملاح والمعادن في الصخور، ويبرهن فعلاً أنها قديمة بشكل استثنائي.
ولا تتوقف أهمية الكشف عند الجانب العلمي أو القصص الطريفة فحسب، بل تعكس هذه المياه قدرة الطبيعة الهائلة على الاستمرار والتجدد؛ فهي تلخص قصة الأرض، علم الجيولوجيا، سحر علم الأحياء الدقيقة، والبحث الأزلي عن الحياة بين النجوم.
ختاماً، يظهر لنا هذا الكشف النادر أن عالمنا لا يزال يخفي بين جنباته أسراراً لم تدركها عين، وأن كل قطرة مياه قد تحكي لنا قصة سحيقة في رحلة الأرض والحياة. وربما في المستقبل، يحمل لنا العلم المزيد من الإجابات عن أصول الحياة، ليس على الأرض فقط، بل في أعماق الكون الواسع.
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.









