تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

كيف يمكن للأقمار المتجمدة أن تمتلك محيطات سائلة؟

ضحى نبيل
ضحى نبيل

6 د

على بعد 780 مليون كيلومتر من الشمس يقع أوروبا أحد أكبر أقمار كوكب المشتري، وإن ألقيت نظرة عليه سوف تعتقد أنه عالم متجمد ومظلم وهو أمر بديهي نظرًا لبعده الساحق عن الشمس، فكمية الضوء الواصلة من الشمس لذلك القمر هي أضعف بـ 25 مرة من تلك الواصلة للأرض، لكن المفاجأة هنا أنه على الرغم من كل تلك المسافة إلا أن العلم أثبت وجود محيطات سائلة تحت هذا القناع الثلجي.


أضف على ذلك أنه ليس القمر الوحيد الذي يحوي مثل تلك المفاجآت، إذ توجد مؤشرات قوية على وجود محيطات تحت سطح إنسيلادوس أيضًا وهو أحد أقمار كوكب زحل، فكيف يمكن أن يكون ذلك صحيحًا؟ وكيف تتكسر قوانين العلم بهذا الشكل؟ أليس من المفترض توفر الحرارة الكافية بصورة مستمرة من أجل تواجد المياه في صورتها السائلة؟ دعنا نبدأ بفهم القصة خطوة خطوة.


أوروبا


أوروبا هو واحد من أقمار جاليليو الأربعة التي تدور حول كوكب المشتري ويعد حجمه مقاربًا لحجم قمر الأرض فهو يساوي نحو 90% من حجم الأخير، وفي بداية اكتشافه لم تكن الكثير من التفاصيل معروفة عن سطحه نظرًا لبعده الكبير عنا، حتى بدأت التلسكوبات الأرضية في التقاط صور قريبة منه نسبيًا في الستينيات من القرن الماضي، ووجدنا خلالها أن سطح أوروبا مغطى بالثلوج كبقية الأجسام البعيدة في المجموعة الشمسية.

كانت أول الصور الواضحة والدقيقة لسطح أوروبا هي تلك الملتقطة بواسطة المركبتين فويجر 1 وفويجر 2 عام 1979 إذ أظهرت بوضوح أن سطح أوروبا ساطع أكثر بكثير من قمرنا، وكذلك أنه يخلو من الحفر والفوهات التي تغزو أسطح الأقمار في المعتاد، وبدلًا منها تنتشر العديد من الخطوط والتصدعات على سطحه.

عكف العلماء على دراسة تلك الصور فهي كلها تشير لاحتمالية وجود نشاط حيوي تحت سطح القمر مما جعل وكالة ناسا تطلق مهمة جديدة بهدف دراسة أقمار المشتري الأربعة وهي مهمة جاليليو والتي وصلت بالفعل لمدار الكوكب عام 1995، لتبدأ برصد أوروبا وإرسال الصور إلى الأرض لدراستها وتحليل بياناتها.

كانت أكثر تلك البيانات دهشةً هي تلك التي تشير لوجود مجال مغناطيسي غريب صادر من القمر والتي تدل بلا شك على وجود طبقة من مواد سائلة موصلة كهربيًا موجودة تحت السطح، وحسب الدراسات اللاحقة توصل العلماء إلى أن المادة السائلة التي يمكنها إحداث مثل هذا المجال المغناطيسي هي المياه المالحة، وهذا يعني وجود محيط شاسع من المياه المالحة في صورتها السائلة يتدفق تحت سطح أوروبا الصلب.


إنسيلادوس


إنسيلادوس هو أحد أقمار زحل ويعد أكثر الأجسام العاكسة في المجموعة الشمسية بأكملها، فالصور التي التقطت له بواسطة مركبة فويجر 2 في الثمانينات أظهرت سطحه الثلجي الأملس والأبيض وقليل من الحفر والفوهات، لكن لم يكن العلماء يدركون ما السبب وراء ذلك.

أرسلت وكالة ناسا المركبة كاسيني لاستكشاف زحل وحلقاته وأقماره واكتشفت عام 2005 اكتشافًا مذهلًا، إذ رصدت انبعاثات لمواد ما من القمر اتضح بعد ذلك أنها لبخار الماء وغازات أخرى تخرج بمعدل سريع يقارب 400 مترًا كل ثانية من فتحات بقطب القمر الجنوبي، ويبدو أن تلك المواد تنطلق من القمر بمعدل مستمر لدرجة أنها كونت هالة حول القمر من الرماد والثلج، كما ينضم جزء من تلك المواد لحلقات زحل والباقي يسقط مرة أخرى إلى سطح القمر، وذلك قد يكون هو أحد الأسباب في كون القمر ناصع البياض.

بعد دراسة العلماء لتلك الظاهرة المدهشة وجدوا أن تلك الانبعاثات المستمرة من القطب الجنوبي سيكون أقرب تفسير لوجودها هو وجود محيط شاسع تحت السطح أيضًا، وما زاد اعتقادهم بهذا الأمر هو اكتشافهم لوجود مادة السيليكا بين المواد المنطلقة من القمر، وتلك المادة تنتج عادةً عندما يتفاعل الماء السائل مع الصخور تحت درجة حرارة 90 درجة مئوية، وبالتالي إن صح ذلك فهو يدل على وجود نشاط مائي حراري تحت سطح القمر كالذي نراه بالضبط تحت سطح الأرض.


كيف يمكن للماء أن يبقى في صورته السائلة هناك؟

هنا يكمن السؤال المهم، كيف يمكن أن يحدث هذا على بعد ملايين الكيلومترات من الشمس؟ في الواقع يمكن أن يبقى الماء في صورته السائلة إن وجد أي مصدر كاف للحرارة، لكن أي شكل من أشكال الحرارة يوجد تحت سطح أوروبا وإنسيلادوس؟ توجد العديد من النظريات التي تحاول تفسير الأمر بقدر الإمكان.


المد والجذر، ولكن من نوع آخر


الشكل المعتاد في أذهاننا للمد والجذر هو ذلك الذي نراه في البحار والمحيطات بفعل جاذبية القمر، وفي حالة أقمار المشتري فالأمر مشابه بعض الشيء ولكن تتأثر طبقات القمر الصلبة بتغير الجاذبية بدلًا من الماء، إذ توجد علاقة تناغم خاصة بين أقمار المشتري الأربعة، فمع كل أربع دورات يكملهم قمر آيو يُكمل أوروبا دورتين ويكمل جانيميد دورة، وهذا التناغم والارتباط بينهم يجعل مدار آيو بيضاويًا وليس دائريًا وبالتالي تكون جاذبية المشتري للقمر مختلفة أثناء دورانه، فعندما يكون آيو قريب من المشتري تكون الجاذبية في أشد قواها وعندما يبتعد يكون العكس صحيحًا.


هذا الاختلاف في قوى الجاذبية يخلق مدًّا وجذرًا يؤثر على طبقات القمر الصلبة إذ ترتفع وتنخفض كما يحدث للماء بالضبط على كوكب الأرض، كما أن حركة طبقات القمر المستمرة تخلق احتكاكًا بينها وبين بعضها وذلك الاحتكاك يولد حرارة كافية لإذابة الصخور فيها، ولذلك يعتقد العلماء في وجود محيط من الحمم البركانية الملتهبة تحت سطح آيو.

يعتقد العلماء أنه قد يكون الأمر مشابهًا بالنسبة لأوروبا وإنسيلادوس، فقد تتسبب علاقة الارتباط بين كل قمر منهما بأقرانه بخلق مد وجذر بين طبقات كل قمر، وتلك القوى من الاحتكاك  تتسبب بتوليد الحرارة الكافية من أجل إذابة طبقات الجليد السميكة وتحويلها لمحيط سائل يتدفق حتى يومنا هذا.


البقايا المشعة


يعتقد بعض العلماء أن بقايا المواد المشعة التي ترجع لبداية تكوين الأقمار قد تكون هي مصدر تلك الحرارة القادمة من الأعماق، فكما أن كوكب الأرض جزء من حرارته الداخلية تنتج عن تحلل العناصر المشعة، كذلك الأقمار أوروبا وإنسيلادوس قد تحتوي هي الأخرى على اليورانيوم والثوريوم والبوتاسيوم المشع القادر على إمدادها بالحرارة لمليارات السنين، وبالتالي تكون كافية لجعل محيطاتها تظل في الصورة السائلة.


الأقمار ما زالت في أعمار صغيرة


ذو صلة

لم لا تكون تلك الأقمار صغيرة من حيث عمر الكون؟ فنحن نعرف أن الأجرام السماوية جميعها بدأت في التكون تحت ظروف من درجات الحرارة العالية جدًا والتي تبدأ تدريجيا في الانخفاض حتى تستقر، وقد يكون قمر إنسيلادوس حديث التكون كما يعتقد بعض العلماء، وبالتالي ما زال محتفظًا بالحرارة التي رافقت تكونه في المراحل الأولى وبالتالي يكون من الطبيعي أن تكون محيطاته في صورتها السائلة.

ما زال العلماء عاكفين على دراسة أوروبا وإنسيلادوس من أجل التحقق من وجود المياه السائلة تحت سطحيهما، ولذلك تعمل وكالة ناسا على إطلاق مهمة أوروبا كليبر عام 2024 بهدف دراسة سطح أوروبا دراسةً متعمقةً وشاملةً عن قرب، فإن تأكد وجود المياه السائلة تحت غطائه الثلجي فلا نستبعد قط وجود كائنات حية هناك وهو ما سيحدث ثورة في التاريخ البشري.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة