لماذا يعشق الرجال كرة القدم؟

كرة القدم، أو الساحرة المستديرة التي تسلب عقول الشباب بينما تقف النساء مذهولات في كل مرة يتمكن الرجال فيها قضاء ساعات وساعات في مشاهدة مباريات إحدى النوادي الأوروبية أو اللعب على البلايستيشن لفترة مفتوحة لا تنتهي إلا بخلودهم للنوم بعد تعب شديد.

تُرى ما سر ذلك الرابط العجيب بين الرجال وتلك اللعبة الشهيرة، ولماذا يعشق الرجال كرة القدم لذلك الحد؟ ذلك هو السؤال الذي يدور في أذهان الكثير من النساء وسنحاول الإجابة عليه هنا من الناحيتين العلمية والنفسية.

للرجال مواصفات خاصة يجب أن تتوافر في الأنشطة التي قد يتمتعون بها ويفضلونها تمامًا كالنساء، فترى الفتيات يفضلنّ النشاطات التي تجعلهنّ في تواصل أكثر مع مشاعرهنّ ومشاعر الآخرين من حولهنّ، فهنّ قادرات على التعبير بسلاسة عن سعادتهنّ وخوفهنّ والمرح الذي يستشعرونه عند الانتهاء من أمر ما، وذلك ما يجعل النساء عُشاق للدراما التلفزيونية والأفلام الرومانسية أو التسوق.

بينما يُفضل الرجال النشاطات المعتمدة على التسلية والترفيه في كثير من الحركة والعنف إن لزم الأمر، لأنهم يجدون التعبير عن مشاعر كالغضب والفخر والحماس أكثر سهولة من الحديث عن مدى سعادتهم في الوقت الحالي بخلاف النساء، وتمثل مباريات كرة القدم كل شئ يبحث عنه الرجل للهروب من التفكير في أعبائه ومسئولياته داخل ملعب ضخم معزول عن العالم الواقعي، يلعب فيه رجال مثله لعبة لا تمت قواعدها للواقع بأي صلة، مما يخلق له عالمًا خاصًا يستطيع أن يغيب فيه لساعات من الحماس ونشوة الفوز التي نادرًا ما يستشعرها في الواقع.

إن هذا العالم المثالي الذي خلقته كرة القدم للرجال، يوفر لهم عذرًا جيدًا للتعبيرعن كل المشاعر التي يرى المجتمع أن على  الرجل إخفائها لأنها تشكل نقطة ضعف بالنسبة إليه، فلطالما عُدت المشاعر بالنسبة للرجال أمرًا محرجًا من الأفضل إخفاؤه، فكانت كرة القدم بذلك هي المساحة الآمنة التي يكون فيها الرجال على طبيعتهم دون إصدار الأحكام، وفي تلك المساحة يجد الرجال الكثير من الأمور التي تنقصهم في العالم الواقعي، ومن هذه الأمور:

لعل كرة القدم هي الشئ الوحيد الذي يتفق الرجال على الإعجاب به بعيدًا عن النساء، وحتى إن لم يتفق جميعهم على  فريق أو لاعب واحد، فإن الحديث عن مهارة لاعب ما ومدى روعة المباراة التي شاهدها الجميع بالأمس، أو الأحداث والمباريات المنتظرة في الدوري الأوروبي أو الإنجليزي القادم يجلب الكثير من السعادة والحماس عند مشاركة الرجل لها مع أقرانه، فيمكن للشباب الحديث عن كرة القدم في أي وقت ومع أي شخص في العمل، أو في المواصلات العامة وأوقات التنزه، ومع أصدقائه وأبنائه أو حتى مع الغرباء.

يفتقد الرجال في عالمنا الحالي إلى ما يشعرهم بالفخر والانتماء لأمر ما هام، فلم يعد مجال السياسة مفتوحًا للنقاش كما كان في السابق، ولا العلم والتقدم التكنولوجي أمرًا مبهرًا ومحط اهتمام لدى الكثير من الرجال، أما الأوضاع الاقتصادية فيهرب الرجال من مناقشتها فور خروجهم من المنزل، فكانت الرياضة أو كرة القدم بذلك هي دائرة الاهتمام الأكبر لدى الرجال ومع الوقت يصبح النادي أو اللاعب أو الفريق الذي يشجعه الفتى أو الشاب هو بمثابة الصديق أو العائلة التي يحظى بها، ويشاركها الفوز والخسارة من كل قلبه، وتتكون رابطة عاطفية قوية بين المشاهدين والفريق، مشابهةً للرابطة التي تكونها النساء مع مسلسلات الدراما الطويلة ولكن الفرق هنا أن اللاعب والفريق شخصيات حقيقية تُكون روابط ومشاعر أقوى وأعمق.

أولئك الذين كانوا يحلمون باحتراف الكرة أو تدريبها، أو من اعتادوا ممارسة إحدى الرياضات في شبابهم، ويحظون بمكانة خاصة كونهم كذلك، تمنحهم كرة القدم شيئًا من السلوان والبهجة التي تذكرهم بأمجاد الماضي، خاصةً إذا ما فاز فريق لاعبهم المفضل -الذي يذكرهم بما مضى كثيرًا- بمباراة هامة أو كأس ما، فيشعر الشخص حينها بأن جزء منه قد فاز مع الفريق.

يميل الرجال بطبيعتهم الخشنة إلى بعض من العنف والإثارة المدفوعة به، وذلك ما تتمكن كرة القدم من تقديمه إلى المشاهد من حين إلى أخر، فقد يتسبب لاعب ما في إصابة نظيره من الفريق الآخر، أو عرقلته أو طرده وغير ذلك من المكائد الصغيرة التي قد يستمتع بها الرجال، وهذه المتعة هي بديل للعنف ومنفس للغضب الذي قد يشعر به الرجل من حين إلى أخر، كونها مبررة ومنطقية، وتلك الطبيعة القاسية والتنافسية لكرة القدم هي ما تجعل معظم مشجعيها من الرجال دونًا عن النساء.

سواء كنت تشجع الفريق الفائز أو الخاسر، سوف تظل كرة القدم دائمًا لعبة من الممتع مشاهدتها أو ممارستها داخل الملعب، فالتنافس المشتعل بين الفريقين في ساحة اللعب هو الذي يجلب الحماس إلى اللعبة في نهاية الأمر، ومهما كانت النتيجة سيئة بالنسبة إليك، فسوف تواصل المشاهدة، لأن الاستمتاع باللعبة هو ما يجعلك تحب كرة القدم وليس النتيجة. 

في حياة الرجال العادية المليئة بالروتين، والخالية من أي جديد يبعث نوعًا من الإثارة والحماس في النفوس، يمثل فوز الفريق المفضل انتصارًا حقيقيًا للشخص، ويملؤه السرور كما لو كان هو من فاز وتوج بالانتصار، لذلك ترتبط أحلام الرجل كثيرًا بكرة القدم، ويريد الجميع أن يكون جزءًا من ذلك الحلم، إما بالتشجيع أو اللعب أو حتى التحليل الكروي الذي لا تخلو منه جلسات الرجال.

تعتمد تلك اللعبة على اللياقة البدنية والمهارات الجسدية لدى الرجال والتي تلفت انتباه النساء إلى الرجل، وتجعله محط إعجاب وتقدير، وكرة القدم ما هي إلا ساحة لاستعراض المهارات البدنية وسط تنافس شديد على مرأى ومسمع من الفتيات، فانتماء الرجل إلى إحدى الفرق الرياضية -محلية أو عالمية- يمنحه ميزة خاصة لدى النساء.

في النهاية، يتبين لنا أن كرة القدم تجعل الرجال على طبيعتهم بطريقة لا يستطيع أي نشاط آخر القيام بها، فينسى الرجال بذلك متاعبهم وهمومهم لمدة 90 دقيقة من التشويق والحماس مليئة بالطرق الرجالية في التشجيع والاحتفال والصراخ والغضب، وهو عالم ليس على النساء فهمه ولكن عليهم فقط التعايش معه.