تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

من الحروب والسيوف إلى رواد التكنولوجيا.. تاريخ اليابان مع الساموراي والنينجا

دعاء رمزي
دعاء رمزي

7 د

لمدة تزيد على 700 عام، شهدت اليابان هيمنة جنود الساموراي الذين استقروا على قمة النظام الاجتماعي. تلاهم بالأهمية المزارعون ثم الحرفيون وأخيرًا التجار. وعلى الرغم من متطلبات قواعد الـ"بوشيدو" الصارمة - التي تعني "طريق المحارب" والتي تؤكد على الانضباط والسلوك الأخلاقي والولاء المطلق للسيد، وغيرها من تعاليم كونفوشسيوسية بالإضافة لممارسات البوذية. إلا أن تطبيق هذه القواعد لم يكن ثابتًا طوال تلك الفترة.

فمن خلال حقهم الحصري في حمل الأسلحة وبسبب تفرع اليابان إلى مجموعة من الدويلات المستقلة خلال القرنين الـ15 والـ16،  تراجعت سمعتهم بمرور الوقت، وخصوصًا خلال التحولات الاجتماعية وتعزيز الإمبراطور لسلطته في القرن التاسع عشر. والآن، يظل السؤال مطروحًا: هل كان تخلي الساموراي عن قواعد البوشيدو سببًا في زوالهم؟ وهل تحول سيف الكاتانا من رمز للحماية إلى رمز للفوضى؟ وكيف استطاعت اليابان التحول من مجتمع مقاتل إلى مجتمع علمي متقدم؟


تاريخ الساموراي وعلاقته بالبوشيدو


تألق الساموراي بشدة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، إلا أن بدايتهم الفعلية كانت أبعد من هذا بكثير، وتعود إلى القرن الثامن الميلادي تقريبا في فترة هيبان، والتي تعتبر واحدة من أزهى عصور الإمبراطورية اليابانية التي تمكنت فيها من السيطرة على معظم جزر الأرخبيل. واستمرت هذه الفترة 350 عاما تقريبا من 794 ميلاديا إلى 1185، حيث كان يُؤخذ الأطفال من أمهاتهم ويوضعون في دور رعاية صارمة لمدة 12 سنة، يتعلمون فيها أن يكونوا شجعانًا ومطيعين وعلى قدر المسؤولية. مع تحسين قدراتهم الرياضية والبدنية والإتقان التام للتقنيات القتالية.

وكان نمو الجسد مدعومًا بتطور الروح والفكر، فقد تلقى المحاربون الشباب دروس القراءة والكتابة وحتى الغناء، بالإضافة لممارستهم تأمل الزِن ZEN لتنقية الروح وتحسين الثقة بالنفس والبقاء في حالة تأهب دائمة عند مواجهة الموت. كان الساموراي شديدي الأهمية في فترة هيبان، وتمكنوا من إخضاع شعب إيميشي الأصلي في منطقة توهوكو. لكنهم بالتدريج أصبحوا تحت سيطرة الإمبراطور ووُظّفوا من قبل ملاك الأراضي الأثرياء الذين استقلوا عن الحكومة المركزية وأسسوا جيوشًا لحمايتهم.

تحدت الساموراي بعد ذلك أقوى عشيرتين من ملاك الأراضي وهما ميناموتو وتايرا الحكومة المركزية، ليدخلوا جميعًا في صراع حقيقي للسيادة على البلاد، وتنتصر العشيرتين وتتشكل حكومة عسكرية عام 1192 بقيادة الشوغون أو القائد العسكري الأعلى الذي كان دائمًا من الساموراي، ويحكموا اليابان طوال 700 عاما مقبلة.


البوشيدو.. صعود وسقوط طبقة الساموراي في اليابان

البوشيدو يعني حرفيًّا طريق المحارب. ووفقًا لهذا الكود أو هذه الفلسفة خدم الساموراي أسيادهم بإخلاص وشجاعة، وساعدوهم في جمع الضرائب من المدنيين المتعثرين. فهي فلسفة لا تسمح بالتنازلات ولكن تحتوي على حرية كبيرة

ومع نقل تعاليم البوشيدو من جيل إلى جيل، تغلغلت هذه الثقافة في نفوس اليابانيين، ولكن شابها الكثير من التحريف، فقد شددت قواعد البوشيدو الأصلية على الولاء والتواضع ومهارات الحرب والشرف، كما قنّنت العلاقة بين المحاربين وبقية المجتمع.

هذه المبادئ جعلت الساموراي أقوياء وماكرين وواسعي الحيلة، ليبدأ تأثير طبقة الفرسان في التزايد بشدة ويتحكموا في البلاد تمامًا حتى القرن السادس عشر. لتبدأ سلطتهم في التراجع بالتدريج في فترة إيدو التي استمرت 250 سنة، واتسمت بالسلام وانخفاض أهمية المهارات القتالية. لينتهي العصر الإقطاعي عام 1868 وتُلغى طبقة الساموراي بعد سنوات قليلة.


أهم مبادئ البوشيدو أو طريق المحارب

  • قاعدة جي GI: وتنص على الاستقامة والأخلاق والصدق والعدالة، وهي تعني اتخاذ قرارات عقلانية دون تردد، والترحيب بالموت والهجوم عندما يحين وقت الهجوم.
  • قاعدة يوكي YUUKI: وتنص على الشجاعة والبسالة، فالموت غير المستحق لا يعتبر شرفا في الساموراي بل يجب عليه أن يسعى جاهدا لحماية سيده دون تعرضه للموت، ولكن الترحيب به وعدم الخوف منه في الوقت ذاته.
  • قاعدة جين JIN: وتنص على الحب والرحمة، فلم يكن الساموراي رجلا عاديا بل كان يجب أن يكون مفيدا للجميع وخصوصا الضعفاء والمضطهدين.
  • قاعدة ري REI: وتعني بالأدب والثقافة والاحترام وهي من أفكار الكونفوشيوسية، فعلى محارب الساموراي أن يكون مثاليا ليس في ساحة المعركة فقط ولكن يجب أن يكون نموذجا يُحتذى به من قبل المواطنين الآخرين.
  • قاعدة ماكوتو MAKOTO: وتعني الصدق الذي كان أكثر أهمية للمحاربين الساموراي من الآداب والسلوك، ويعتبر الكذب خيانة عظمى.
  • قاعدة مييو MEIYO: وتعني الشرف، فكان العار أسوأ من الموت، وغالبا ما كان محارب الساموراي ينتحر إذا لحقه العار.
  • قاعدة تشوجي CHUUGI: وتعني الولاء والإخلاص التامين للسيد ويأتي الإخلاص من داخل القلب مباشرة مع ولاء لا ينتهي.

الكاتانا.. فن السيف الذي شكّل روح وعقل وشرف الساموراي

استخدم الساموراي الكثير من الأسلحة مثل الخناجر والرماح والعصا وغيرها، ولكن يظل السيف هو روح وعقل هؤلاء المحاربين، فلم يكن مجرّد أداة للقتل والدفاع والهجوم، بل كان رمز الشرف والوضع الاجتماعي فضلًا عن تأكيد ارتباطهم بالبوشيدو.

وقد نشأ فن الكاتانا في اليابان في القرن الـ13 عندما أتقن الحدادون صنع سيوف منحنية وحادة وقوية وذات شفرات رقيقة وخفيفة، تجعل إزالتها من غمدها أكثر سرعة من السيوف السابقة مع زيادة الحماسة في القتال. وعلى مرّ القرون تطوّر فن الكاتانا ليتم تعليم الكثير من الحركات التي تعتمد على المراوغة وسرعة الهجوم بالإضافة إلى المبارزات سواء الفردية أو في مجموعات.

وكانت تقنية إياجتسو التي تعتمد على فن الضرب السريع بحركة واحدة من أكثر ما يميز الكاتانا، كما اهتم هذا الفن بالانضباط والتركيز خلال القتال. وقد تغلغل فن الكاتانا في الروح والثقافة اليابانية عموما، مع إتقان الكثير من المحاربين تأملات الزن والتي تسمح لهم بتطوير اتصال أعمق بين الأسلحة والروح.


كيف انتهى زمن الساموراي ولماذا؟

خلال فترتي كاماكورا التي امتدت من 1185 إلى 1333 وفترة موروماتشي والتي امتدت بين 1336 و1573، اكتسب الساموراي قوة عسكرية وسياسية غير مسبوقة مع تأسييس الشوغون، وهي الحكومات العسكرية التي يرأسها الساموراي. إلى أن بدأت فترة سينغوكو من 1467 إلى 1603 التي اتسمت بالحروب الكثيرة والاضطرابات السياسية والصراع العسكري المستمر. وهو الوقت الذي زاد فيه الطلب على مهارات قتال الساموراي، وظهرت فئة النينجا وهم مقاتلين من نوعية شديدة الخصوصية والكفاءة. وكان هذا هو وقت اختبار الولاء الحقيقي للساموراي الذي انتقل من الإمبراطور إلى اللوردات الإقطاعيين.

ثم جاءت فترة حكم توكوغاو الشوغونية من 1603 إلى 1868 والمعروفة باسم فترة إيدو، التي تميزت بالسلام النسبي وتراجع الاهتمام بالمهارات القتالية، مع العزلة الأكبر عن العالم الخارجي. وهنا بدأت أدوار الساموراي التقليدية في التآكل، مع زيادة اهتمامهم بالفكر والثقافة والفن والعمار. وعلى الرغم من عدم إهمالهم لصقل مهارتهم القتالية، ولكن في فترة الإمبراطور ميجي وثورته الاجتماعية حدث الكثير من التغيرات.


فترة ميجي.. انتشار التعليم واندثار طبقة الإقطاعيين

كان للإقطاعيين دور كبير في ازدهار الساموراي، ولكن مع فترة إيدو المتأخرة وانتشار التعليم والثقافة بين اليابانيين بدأ عصر الإقطاع في الاندثار، وجاء تحول خارجي آخر سهّل هذا الأمر مع وصول الأمريكيين إلى جزيرة اليابان عام 1853، ذلك مع أسلحة حديثة ومدافع أكدت للسكان أن أسلحة الساموراي التقليدية لن تنافس هذه الأسلحة الحديثة، فكان هذا الحدث بمثابة الانفتاح لليابان وانتهاء عزلتها بعد تعرضها للتكنولوجيا الغربية التي غيّرت وجه الحروب بشكل جذري.


كما أدى التدخل الغربي إلى انطلاق روح الوعي الوطني، والمطالبة باستعادة سلطة الإمبراطور، وإلغاء نظام الشوغون العسكري. لتبدأ فترة إصلاح ميجي عام 1868 التي تعتبر من فترات التحول الحقيقي في التاريخ الياباني، وشهدت نهاية عصر الساموراي. فقد سعى الإمبراطور إلى تحويل اليابان إلى دولة قومية صناعية قوية قادرة على الوقوف في مواجهة القوى الغربية، وألغى عام 1869 نظام هان الذي كان أساس السيادة الإقطاعية. وأقنعوا الإقطاعيين بإعادة أراضيهم إلى الإمبراطور. مما أنهى تمامًا الحكم الذاتي الإقليمي الذي عزز مكانة الساموراي.

وفي عام 1871 تم حل طبقة الساموراي بموجب مرسوم رسمي، وحظر حمل السيوف في الأماكن العامة مما جرّد الساموراي من هويتهم، وفي عام 1873 سنت الحكومة قانون التجنيد الإجباري لتنشئ جيشًا حديثا وفقا للطراز الغربي. مما جعل الجميع في صفّ المحاربين وينتهي دور الساموراي كقوة محاربة. ويبدأ عصر ازدهار حقيقي لليابان مع الانفتاح على العالم الخارجي.

ذو صلة

الساموراي جزء لا يتجزأ من هوية الثقافة اليابانية، ومن أكثر الفترات التي أثرت في وجدان الشعب حتى الآن. فطريق المحارب أو البوشيدو لا يزال موجودًا في القيم اليابانية، ورغم تمرّد قادة الساموراي على التغيير. إلا أنهم سريعًا ما استجابوا له وتكيفت العائلات ووجدوا لهم أدوارا مختلفة غير عسكرية. بل إن بعضهم لعبوا أدوارًا قوية في إدارة حكومة ميجي. مستفيدين من مهاراتهم البيروقراطية التي طوروها في فترة السلام أو فترة إيدو.

فمتى ستقوم الدول الأخرى بترك الأسلحة وتوجيه اهتمامها نحو التنمية الإنسانية، خصوصاً مع وجود نموذج ملهم وفريد مثل اليابان أمام العالم؟

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة