زُهرة غُمَاني
زُهرة غُمَاني

د

ألكس وغابي أصدقاء طفلتي الأثرياء من عالم اليوتوبيا

يبدو أن غابي ذات الأربع سنوات وأخوها ألكس الأكبر منها بسنة واحدة يعيشان الحياة المثالية في خيال كل طفل.   

تقضي غابي يومها في اللعب بأحسن وآخر موديلات وأشكال الألعاب المتواجدة في السوق تحصل عليها كهدية من والدتها التي تبدو مرتبة الشكل والهندام دائمًا، متفرغة لطفليها وهادئة على نحو غير طبيعي!

 فهي على ما يبدو وجدت تلك المعادلة الصعبة التي تبحث عنها بمشقة كل أم في وقتنا الحالي، ولكن كل هذا لا يهم بقدر ما يهم أنها متاحة طيلة اليوم للعب مع ألكس وغابي بأجمل الألعاب وأفضلها. 

أسطورة الأم والمنزل المثالي

حسنًا، لا أستطيع أن أمنع نفسي من التعليق على نقطة أخرى في كل هذا؛ هذه الأم المميّزة التي يحلم بها كل الأطفال تعود لتؤكد أنه لربما كانت الخُرَافَة حقيقية في النّهَايَة. 

خرافة أَوهمونا بها لزمن طويل كون عقل المرأة يتميز بخاصية تعدّد المهام بخلاف الرجل! خذلتني كلماتي ولن أجد طريقة للتعبير هنا سوى هذا الإيموجي الذي يُشقلب عينيه كرد فعل على أسطورة أمهات اليوتيوب الخارقات اللواتي يفعلن كل شيء كما هو مفترض ويبقى منزلهن بالرغم من ذلك نظيفًا ومنظمًا دائمًا مع الكثير من الألعاب بطبيعة الحال فمن دونها ليس هناك شيء لمتابعته أساسًا.

يا إلهي أريد ان أعود الى الواقع قبل أن أضيع في أرض الأحلام مثل أليس في أرض العجائب ولكن بدون أي حكمة أو دروس أتعلمها حينها سيكون الضياع بطعم السذاجة والغباء وما أكثره في عالم السوشيال ميديا والترندات.

ألكس وغابي هما طفلان ‘كيوت’ وأمهما الشقراء ممشوقة القوام التي تصلح أن تكون عارضة أزياء بامتياز، هم أشخاص حقيقيون ولكن مختلفون قليلًا عنا لأنهم ينتمون إلى أُسر حصدت الثراء لأنها تقضي وقتها في تصوير الفيديوهات التي تعود عليها بالملايين المقنطرة التي قد تتراوح بين 400 ألف و 60 مليون دولار في السنة الواحدة من اليوتيوب؛ مغارة علي بابا التي تفتح بابها لكل من أراد أن يُشارك بعضًا من حياته الخاصة أمام الملأ مع بعض المكياج، فريق عمل متكامل، وبعض التمثيل حيث يبدو كل شيء مثاليًا إلى درجة أن طفلتي ذات السنتين أصبحت مدمنة على جرعتها اليومية من هذه الفيديوهات بل وبدأت تقلد حركات، همسات وسكنات غابي حتى بتّ أتخيل أحيانًا أنني أعيش داخل قناة يوتيوب للألعاب خاصة بي… من دون أرباح!

ففي هذه السيناريوهات اليوتوبية إن صح التعبير نسبة إلى عالم اليوتوبيا أكثر منه إلى اليوتيوب، الإغراء مرتفع جدًا للأطفال الذين يتابعونها حول العالم وهي لا تبدو مضرّة أو لها أي تأثير سلبي عليهم بل قد تكون تقدم خدمة للآباء عن طريق إلهاء أولادهم لبعض الوقت دون أن يضطروا للقيام بأي مجهود تسليتهم أو الترفيه عنهم.

مصائب قوم عند قوم… ملايين من الدولارات

ففي الأثناء التي تصارع أم بشكل يومي لتحقيق معادلة التوازن الرهيبة بين العمل، رعاية الأطفال ومهام المنزل وتحس بالذنب لأن خرافة تعدد المهام لا تتحقق في عالمها بالسهولة المفترضة وأحيانًا تكون مستحيلة مهما فعلت تجد أخرى في ذلك موردًا حقيقيًا لدر مبالغ الأموال الطائلة من خلال إنشاء قناة للألعاب على اليوتيوب وتسلية أطفال أمهات أخريات. 

إنه مبدأ سنّه بنو البشر منذ القدم؛ أن تنهض أمم على أنقاض أخرى. ولكننا هنا لسنا أمام أمم، إننا أمام أطفال صغار أصبحوا أثرياء بين ليلة وضحاها عبر صناعة الزيف بمساعدة وتحت إشراف أولياء أمورهم.

في مقال على بيزنس إنسايدر في يوليوز/تموز الماضي، تمّ رصد بالأرقام مبالغ ضخمة كعائدات حالية يجنيها عشرة أطفال من حول العالم عبر قنواتهم على اليوتيوب، هذه بعضها:

  •  Maya and Mary الأرباح السنوية المقدرة: 409,400 دولار إلى 6.5 مليون دولار، المشتركون: 5.3 مليون.
  • Boram Tube Vlog الأرباح السنوية المقدرة: 601,800 دولار إلى 9.6 مليون دولار، إجمالي المشتركين: 31.2 مليون.
  • Beam Copphone الأرباح السنوية المقدرة: 635,100 دولار إلى 10.2 مليون دولار، المشتركون: 2.9 مليون.
  • Toys And Little Gaby الأرباح السنوية المقدرة: 899,500 دولار إلى 14.4 مليون دولار. المشتركون: 13.1 مليون.
  • TwinRoozi الأرباح السنوية المقدرة: 1.2 مليون دولار إلى 18.8 مليون دولار، المشتركون: 3.7 مليون. 

ما لفت انتباهي في معظم هذه القنوات هو سيطرة الأسر المنحدرة من أصول روسية وكأنها مافيا ما على اليوتيوب! كان ذلك واضحًا من خلال اللكنة الروسية الغالبة على إنجليزية ألكس وغابي؛ أصدقاء ابنتي من عالم اليوتوبيا. 

كما أن المتتبع لهؤلاء سيلحظ أمرًا آخر وهو توفر القناة بلغات مختلفة منها اللغة العربية وهي أيضًا تحظى بعدد كبير من المتابعين، تجارة مربحة بدون شك حتى أنني بدأت أفكر جديًّا بإنشاء قناة ألعاب على اليوتيوب!

ليس بالأمر الجلل أن يشاهد طفلك بعضًا من هذه الفيديوهات بين الفينة والأخرى، الخطورة تكمن في الإدمان على مشاهدتها أو إدمانك أنت كأب أو كأم على الاعتماد عليها كوسائل لشغل وقت طفلك وتسليته كونك لا تستطيع أن توفر له وقتًا للعب الحقيقي والهادف بين انشغالات وزخم يومك.

لغات الحب عند الأطفال تُغنيك عن قنوات الألعاب

قد ينسى العديد من الآباء في هذا العصر أن علاقتهم مع أطفالهم لا تتمحور حول توفير الاحتياجات الأساسية فقط، فهذا أمر مفروغ منه، الشيء الذي يخلق فرقًا كبيرًا في حياة طفل هو نوعية وجودة الوقت الذي يقضيه في أحضان أسرته.

 تكثر الأسباب التي تجعل من الأب أو الأم أو كلاهما غير قادر على تحقيق ذلك أولها مَفهومهما غير المكتمل عن معاني الأبوة أو الأمومة، يتكلم بعض أخصائي التربية والنمو عن الحضور الواعي حين يكون أحد الأبوين حاضرًا بكل جوارحه، مستمعًا ومستمتعًا باللحظة التي يلاعب فيها طفله فلا ينشغل بهاتف، برنامج أو شيء آخر حيث يكون ذاك الانتباه التام والتقبل الذي يأتي مع الحب غير المشروط. سويعة من ساعات نهارك أيها الأب أو أيتها الأم لن تحتاجوا فيها إلى قنوات ألعاب على اليوتيوب أو حتى إلى أن تنفقوا أموالًا لشرائها.

أول علامة تدل على أنك لا تقضي وقتًا كافيًا من النوعية الجيّدة مع طفلك هي إساءته التصرف بشكل مستمر لاسترعاء انتباهك، قد تكون موجودًا معه طوال الوقت ولكنك لست حاضرًا بكامل وعيك وانتباهك معه. في أحد الأجزاء المميزة لسلسلة لغات الحب الخمس للكاتب غاري شابمان، واحدة من لغات الحب التي يمكن للآباء التحدّث بها مع أطفالهم هي تقديم نوعية جيّدة من الوقت.

هناك العديد من الأفكار الإبداعية التي تتيح للآباء قضاء وقت ذو جودة مع أطفالهم وخلق ذكريات طفولة دافئة ومحببة في ذاكرتهم. فليس هناك شيء أهم في حياة هؤلاء الصغار من لحظات التواصل الحقيقي والتعبير عن ذواتهم مع أقرب الناس إليهم، فلا تعود قنوات الألعاب على اليوتيوب أو غيرها لتكون طاغية على تفكيرهم واهتماماتهم.