نادين عبد الحميد
نادين عبد الحميد

د

الأمل الذي أفقدني عقلي

أدرس الطب منذ عدة سنوات حيث أضافت هذه التجربة بُعدًا جديدًا لكياني، قد أحلل الأمور لأجد روابط بين أي شيء قد أمر به وبين عرض لمرض درسته من قبل، ومن هنا كانت بداية كل شيء، قد يعاني أحدهم من هلاوس سمعية أو بصرية فيتصور أشياء لا يراها أحد غيره بينما هي عالقة في ذهن صاحبها واضحة كما تعلن الشمس عن ذاتها في يوم من أيام الصيف، هكذا بدأ الأمر فأنا أشك في عقلي وأشكك في نفسي وفي مصدر أفكاري ومن أين أتت وإلى أين قد تأخذني يومًا، أؤمن إيمانًا تامًا أن عقل الإنسان من الممكن أن يقوده إلى الضلال إذا لم يدرك كل شيء من حوله أو يقيد ذاته بنظام يخضع لما هو مقبول وما هو غير مقبول، أما عن الانجراف وراء أفكارك بحجة اختبارها فقد يدفعك نحو هاوية لا نعرف كيف ننقذ أنفسنا منها.

أظن أنني مصابة بعلة أشد أعراضها التفكير، الذي يدور بي دومًا في فلك يوازي حياتي، حتى ضعت تمامًا في فِكري وأفكاري، أصابني الشك بها، لم أعد أعلم هل هذا هو عين الصواب أم أنني فقط أتخبط بين كل شيء؟ أشعر أنني أخشى مواجهة نفسي بالحقيقة وأن كل ما هو عدا ذلك مجرد محاولة كي أتشتت وأهرب من حقيقة واضحة لا فرار منها.

تقول أفكاري أن الحياة أساسها التعب والبذل، تعدني بالمشقة وتقتل كل بذور الأمل بداخلي، تخبرني ألا أنتظر شيئًا من هذا العالم، أن أمرر الأيام، وأن أكتفي فقط بمرورها، وما أخشاه حقًا أنني أصبحت مؤخرًا حبيسة في سجن هذه الأفكار، ولكنني لا أريد أن تُسرق أيامي وأنا أحاول في طريق لا نهاية له، أن تتلاشى جهودي وتتطاير طاقتي في الهوا كأنها ذرات غبار، رغم كل شيء لدي أمل بسيط ولكن يمنعه الكثير من الخوف والألم، الخوف من الغد، أما الخوف الأكبر فهو الخوف من الأمل.

لن أبالغ أبدًا إذا ما قمت يومًا بدراسة لأعرف ما هي مخاوف الإنسان، لأنني أثق أنه حتمًا سيكون أهمها الخوف من الأمل، ذلك الحلم الرقيق الذي يعدك بكثير من الأشياء الحلوة الزائفة التي لن تحدث أبدًا لأنك تتمناها، هذا إذا ما سمعنا الوصف على لسان أحد المتشائمين أما في حقيقة الأمر أكاد أجزم أن من يخاف الأمل قد مر بكثير من الطرق الوعرة الموحشة حتى أفقدته الحياة كل شيء وعلمّته درسًا قاسيًا عنوانه كيف تصبح آمالك هي مصدر تعاستك الأول في الحياة.

في النهاية قد تفقد بوصلتك اتجاهها الصحيح، وتبدأ في الابتعاد عن وجهتك ثم تتعثر وتفقد أحب الأشياء إلى قلبك، قد تخسر آمالك وقد تحلم بأشياء جديدة، وتبقى عالقًا بين حلم جديد وكابوس قديم، وتنتهي ضالًا بين جميع الوحوش التي تتصارع بداخلك، إذا انتهى بك الحال إلى هنا يومًا فقد يكون هذا عرضًا جانبيًا لخوض هذه الحياة، لكن دعني اخبرك بحقيقة أشك في صدقها ولكن مازال في قلبي شيء يؤمن بها أن أفضل أيامك لم يأت بعد وربما هذا المجهول قد يبدو سببًا مقنعًا لنعيش يومًا جديدًا وسنوات مديدة في محاولة لإثبات أن هناك شيء يستحق الحياة.