مشاعل الغنيم
مشاعل الغنيم

د

ضحيةُ حرب

طنينٌ شديد توقفت أذناي بسببه عن السمع لمدة ثلاثين ثانية حاسمة في حياتي، لم تكن الصورة واضحة أمامي لاشئ سوى عتمة غير واضحة المعالم تنفستُ غبار الاسمنت الذي اصطبغ على يديّ وملابسي، استحالت الألوان في عيني إلى رماد لم أعد أميز ماأرى هل مايحدث حقيقة أم أنه مجرد خيال؟ سحبتُ يدي اليمنى وبدأتُ أتحسس نبضات قلبي أنا موجود، حمدلله لم أمُت بعد أخذت ضربات قلبي بالانقباض لم يكن حلمًا كان حقيقة، تعالت أصوات الصراخ والبكاء ممن حولي أطفال ونساء وكبارٌ في السن، لم يكد باستطاعتي تمييز الوجوه فجميع من رأيت كان يتهأوه ويأن، مطروحة أجسادهم على الأرض، انشل لساني عن الحديث وتقلصت عضلات معدتي، أمسكتُ بقميصي وأخذتُ أعصرهُ بقبضة يديّ صرخات تتدافع بداخل روحي وعبراتي بدأت تخنقني حتى ظننتُ أني سأختنق، صرختُ بأعلى صوتي: أنا حيّ!

لم يستوعب من حولي ماتفوهتُ به ولكنهم انشغلوا بجروحهم ودمائهم التي سُفكت على هذه الأرض الطاهرة، لا وجود لجانٍ ولكن هناك جرائم ترتكب وتتجلى أمامنا وهناك جثث ومعتدى عليهم كثر، لم يقترفوا ذنبًا سوى أنهم انتموا لهذه الأرض وعاشوا من خيراتها ولها يعملون كل يوم.

طويتُ برجليّ الأرض التي لطالما لعبتُ تحت شجرها وتعلمتُ على يديها حتى قتلتُ شيطان الجهل بسلاح العلم، مسحتُ على وجوه العابرين وأنا أتذكرُ كلمات أبي عن الوطن التي لطالما خلّد أمجادها: “أن العدو لن يقوى ولو رمى وأن الظالم لن يعيش طويلاً ولو طغى وتجبر”، لم أستطع إبصار وجوه عائلتي ولكنني قفزتُ درجات السلم نزولاً بحثًا عن حياة تحت قبوٍ اجتمعنا به أنا وثلة من الناجين الأحرار، غير أنه لا يوجد مايهيئ للعيش هناك يومًا إضافي.

أغلقتُ عينيّ وأنا لا أريدُ من الحياة حياة، استسلمتُ للموت وأنا أسندُ راحة يديّ على الأرض بلمسة واحدة علها تذكر أني واحد من البشر الذين عاشوا هنا بين جنباتها وقاوموا الموت على أرضها بتفانٍ على أن يفضلوا العيش هربًا كفارين من الحرب.

بدأت ضربات قلبي بالانخفاض شيئًا فشيئًا حتى سمعتُ أصواتًا ألفتها أذناي كثيرًا، بدأ الضوءُ يتسلل على جفنيّ وصوت أمي يتردد على مسمعي وكأن شيئًا لم يكن مانعتُ نفسي حتى أفتح عيني، ولكنني استفقتُ على سقف غرفة منزل !                                   لقد كان حُلمًا وكنتُ ضحية حرب