خديجة مطاعي
خديجة مطاعي

د

لماذا لا تبدو نهاية العالم سيئة كما كنّا نعتقد؟!

أعلم بأنّه من المُبكر جدًا أو ربما من غير اللائق التحدث عن “نهاية العالم” في مثل هذه الظروف التي نمر بها جميعًا بسبب تفشي فيروس كورونا في بلدان العالم بأسره. فحتى لو بدا الوضع مشابهًا لما اعتدنا على رؤيته في أفلام ومسلسلات الخيال العلمي؛ من حجرٍ صحيٍ وحظرٍ للتجوال، تهافت على شراء وتخزين السلع الاستهلاكية، انتشار الجيش، إغلاق المطارات، توقف حركة النقل، خُلوّ الشوارع من المارّة والسيارات وشلل يصيب مظاهر الحياة في أصغر القرى وأكبر المدن -حتى تلك التي كانت تفتخر يومًا بأنها لا تنام- إلاّ أنّ هذا لا يعني أبدًا بأنّ نهاية العالم قد حلّت، وإن كانت هذه هي النهاية حقًا، فإنها لا تبدو سيئة كما كنّا نعتقد!

لا تبدو سيئة لأنّ..                                       

نحن نـألف فكرة النهاية ونتعامل معها بشكل دائم لأنها ملازمة لوجودنا، ففي كل يوم من حياتنا نواجه نهاية أو خسارة من نوع ما؛ كأن نشعر بأن عالمنا قد انهار أو توقف إذا مرضنا، أو خسرنا عملنا، تغربنا عن بلدنا، فقدنا أو فارقنا شخصًا نحبه ويحبنا. لنكتشف بعد أن نفيق من حزننا العميق بأنّ العالم قد استمر بالدوران من دوننا، وبأنّ وسائل الإعلام والجهات الرسمية والمنظمات العالمية لم تكترث لأمرنا أو تواكب آخر تطورات حالتنا؛ لقد اعتدنا على التعامل مع الخسارة والألم لوحدنا بشكل شخصي وعلى نطاق ضيق وليس على نطاق واسع لذلك تبدو نهاية العالم قريبة ومخيفة وسيئة، بينما هي في الواقع ليست كذلك.

لا تبدو النهاية سيئة لأنه لا توجد نهاية فعلية فكل نهاية هي شكل آخر وشكل جديد للبداية، ولا يهم إن كانت النهاية جيدة أو سيئة لأنها في كل حالاتها تعني الخفة والتحرر والراحة؛ فأنت الآن وصلت لآخر النفق تقف وجهًا لوجه أمام الحل والخلاص، لم تعد محكومًا بالانتظار أو مُثقلًا بالتفكير في المجهول. إنها تخلصك من كل الأعباء التي كنت تحملها طوال حياتك وتجعلك تواجه نفسك، فتمنحك القدرة على إعادة شحن طاقتك، ممارسة هواياتك، الاستمتاع بوقتك، وتقييم مبادئك واختياراتك، تصحيح أخطائك وإعادة التواصل مع ذاتك الحقيقية لأنّنا كأفراد نفقد ذواتنا وسط الحشود ولا نستعيدها إلاّ عندما نواجه ما يهدد بقاءنا.  

إنّ نهاية العالم لا تبدو سيئة كما كنا نعتقد لأننا نسيطر على الوضع هذه المرة -نوعًا ما-  فهي ليست حربًا نووية أو كارثة طبيعية، ليست غزوًا فضائيًا أو هجومًا للزومبي وحتى الآن لم تنهر الحضارة الإنسانية وركائزها الاقتصادية والتقنية ومقوماتها الثقافية والأخلاقية والدينية والقانونية. والأهم من كل ذلك بأنها ليست المرة الأولى التي يواجه فيها العالم مثل هذه الأمراض والأوبئة الفتاكة وكل ما في الأمر بأنّ الأطباء والباحثين يحتاجون للمزيد من الوقت لإنتاج لقاح مضاد لفيروس كورونا وعلينا نحن في المقابل البقاء في المنزل للحد من انتشار وانتقال هذا الفيروس… لذلك خليك في البيت وإلاّ حلّت نهايتك أنت لا نهاية العالم.