لماذا سرعة الضوء مهمة جدًا في حياتنا؟ .. تعرف على تاريخنا مع سرعة الضوء

إن سرعة الضوء هي إحدى الظواهر الفيزيائية الأكثر إثارة وأساسية في العلوم الطبيعية، فهي تمثل الحدود العليا للسرعة في الكون وتلعب دورًا بارزًا في فهمنا للعالم من حولنا، ويمتلك هذا المفهوم أهمية هائلة في مجموعة متنوعة من المجالات، بدءًا من الفيزياء وصولًا إلى التكنولوجيا وتطبيقاتها والاستكشاف الفضائي وحتى في حياتنا اليومية، ومن خلال فهم أهمية سرعة الضوء، يمكننا أن ندرك أنها ليست مجرد ظاهرة فيزيائية بل هي جزء حاسم من تفاعلنا مع العالم من حولنا، وتحمل أعباء الكثير من الاكتشافات والتقنيات التي تشكل حاضرنا ومستقبلنا.

تعرف معنا بين أجزاء المقال على إجابات وافية لكل ما يخص سرعة الضوء وتاريخها وتطبيقاتها المختلفة.

لعدة قرون من الزمان احتاج العلماء إلى فهم مصطلح "سرعة الضوء" والتعامل معه على أنه موجود بالفعل باختلاف نظرات كل منهم إلى ذلك المفهوم فمنهم من وجّه نظره إلى سرعة الضوء بصورة فلسفية ودينية، ومنهم من وجّه نظراته بصورة فيزيائية بحتة مثل العالم حسن ابن الهيثم والذي كان أول علماء المسلمين الذين تحدثوا عن الضوء.

العالم حسن ابن الهيثم كان رائدًا في علم البصريات، وقد عرّف الضوء بعدة صور وطرق ولكن كل نظرياته كانت تحت أساس واحد وهو أن "الضوء يسير بطريقة لحظية ولكنه لازال يحتاج الى بعض الوقت لكي يتحرك من النقطة A إلى B"

أول شخص اشتهر ببراعته في هذا المجال هو عالم الفلك الدنماركي أولي كريستنسن رومر في سبعينيات القرن السابع عشر، إذ اكتشف رومر اكتشاف مثير للاهتمام بعد أن أثبت أخطاء العالم نيوتن بسبب عدم توفر الأدوات اللازمة لقياس سرعة الضوء بدقة في هذا الوقت.

فكرة رومر الرئيسية كانت قياس الزمن اللازم للضوء لقطع مسافة معروفة، نظرًا لأن الضوء يسلك المسافات على نحو سريع للغاية ولا يمكن قياسه بواسطة الساعات التقليدية، ولذلك قرر رومر النظر إلى السماء في الليل لحساب وتقدير هذا الزمن، وبطريقة فيزيائية معقده توصل رومر إلى طريقته في قياس سرعة الضوء عام 1675، عندما لاحظ أن المدة الفاصلة بين خسوفين متتالين لأي قمر من أقمار المشترى المرئية تتغير بتغير بُعد الأرض عن المشترى أثناء دورانهما حول الشمس، وأن هذه المدة تكون أكبر ما يمكن عندما تكون الأرض أبعد ما يمكن عن المشتري، وتكون أصغر ما يمكن عندما تكون الأرض أقرب ما يمكن من المشتري، وحين تكون الأرض في الوسط بين هذين الموضعين، تكون المدة الفاصلة (الحقيقية) مساوية نصف مجموع المدتين السابقتين، وفي النهاية توصل العالم رومر الي سرعة الضوء التقريبية وهي 225.000 كيلومتر في الساعة.

في عام 1729 أكد العالم برادلي أن سرعة الضوء التي قاسها العالم رومر كانت تحمل شيئًا من الخطأ، وذلك بسبب طريقة قياسها إذ قاس العالم رومر سرعة الضوء دون تطوير المُعدات اللازمة لذلك، وهو ما أدى إلى أن حساب السرعة تكون أقل بقليل من السرعة الحقيقية، ولهذا السبب قاس العالم برادلي سرعة الضوء بطريقة أخري، عن طريق قياس التغير في مواقع النجوم، وتوصل إلى أن الضوء ينتقل بسرعة 298 ألف كيلومتر في الساعة.

تٌعد سرعة الضوء ثابتة طبقًا لنظرية أينشتاين، وهي واحدة من افتراضين أساسيين بنى عليهما أينشتاين نظريته الثورية عن المكان والزمان، ولكن في الواقع، سرعة الضوء ليست ثابتة تمامًا في الطبيعة، ولكنها تعتمد على ثوابت أساسية أخرى، مثل "ثابت البنية الدقيقة" الذي يحدد قوة التفاعل بين الضوء والمادة، ولو كان هذا الثابت مختلفًا، فإن سرعة الضوء مختلفة أيضًا.

من المثير للدهشة أن الأمر يبدو مختلفًا منذ وقت طويل، إذ يُحدد ثابت البنية الدقيقة الطول الموجي المميز للضوء المنبعث من الذرات ولكن ليس هذا الغريب حقًا، الغريب هو أن من المفترض أن تكون تلك القيم ثابتة، ولكن عند مقارنة تلك الأطوال الموجية بأخرى منذ 10 مليارات سنة، كانت القيم مختلفة وهذا يعني أن سرعة الضوء كانت مختلفة وقتها، حتى الآن لم يُثبت أحد أن الملاحظات خاطئة أو تمكن من تقديم تفسير مرضٍ حول سبب تغير قيم الثوابت الأساسية.

لفهم هذه النظرية تخيل معي أنك كنت تقود على الطريق السريع، وسِرت جنبًا إلى جنب مع سيارة أخرى بنفس السرعة، ستبدو السيارة الأخرى كأنها ثابتة، إن تنبؤات قوانين الحركة التي وضعها جاليليو ونيوتن تقول بأنه إذا كنت تسير جنبًا إلى جنب مع موجة ضوء، يجب أن تبدو ثابتة، ومع ذلك لا يوجد شيء مثل موجة كهرومغناطيسية ثابتة وفقًا لنظرية الكهرومغناطيسية لجيمس كليرك ماكسويل.

أثار هذا التناقض فضول ألبرت أينشتاين وعمل على حله، عندما كان في سن السادسة عشرة، تخيل ألبرت أينشتاين نفسه وهو يركب جنبًا إلى جنب مع شعاع ضوء -الضوء هو موجة كهرومغناطيسية تموج في حقول القوى الكهربائية والمغناطيسية التي تملأ الفراغ-فِعل أينشتاين الشجاع كان في التخلي عن أعمال جاليليو ونيوتن واعتناق نظرية كليرك ماكسويل، وقال أينشتاين لن تستطيع أبدًا ملاحقة شعاع الضوء، لأنه إذا فعلت ذلك، سترى شيئًا مستحيلًا، وهو أنه سيبدو كل شيء وكأنه ثابت.

بالطبع، سرعة الضوء ليست في الواقع لا نهائية، ولكن إذا لم يوجد شيء يمكنه السفر بسرعة أكبر منها، فإنها تلعب دور السرعة اللانهائية في كوننا.

في الختام، يمكننا القول إن سرعة الضوء لها أهمية كبيرة في علم الفيزياء وفهمنا للكون، فهي ليست مجرد قيمة ثابتة، بل هي جزء لا يتجزأ من النسيج العميق للزمان والمكان والعوالم الكونية، فهي تحدد القوانين التي تحكم حركة الأشياء وسلوك الجسيمات وتفاعل الضوء مع المادة، وبفضل اكتشافات علماء الفيزياء والعلماء الفلكيين، وندرك اليوم أهمية سرعة الضوء وكيف تلعب دورًا أساسيًا في تشكيل واقعنا وفهمنا للكون من حولنا.

باختصار يمكننا القول بثقة أن سرعة الضوء مهمة للغاية لأنها تمثل لنا حدودًا في الكون، وتلعب دورًا أساسيًا في فهمنا للعالم من حولنا، إنها ليست مجرد ظاهرة فيزيائية، بل هي جزء حاسم من تفاعلنا مع العالم، وهي تسهم بشدة في التقدم العلمي والتكنولوجي والاستكشاف الفضائي، وتؤثر حتى في حياتنا اليومية.

 سرعة الضوء هي رمز للمعرفة والاكتشاف، وهي تفتح أمامنا أبوابًا لا نهائية من الإمكانيات في استكشاف أعمق وفهم أفضل للعالم الذي نعيش فيه.