تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

ما هو مستقبل الرعاية الصحية في العالم؟ .. تفاقم الأزمة النفسية للأطباء تُهدد هذا المستقبل

ما هو مستقبل الرعاية الصحية في العالم؟ .. تفاقم الأزمة النفسية للأطباء تُهدد هذا المستقبل
منة الله سيد أحمد
منة الله سيد أحمد

8 د

تاريخيًا كان الطب مهنة شديدة التوتر، وقد واجه الأطباء على مدى عقود من الزمن مخاطر أعلى من الاكتئاب والإرهاق مقارنةً ببقية السكان، كما أن الوباء أدى إلى تضخيم هذا الخطر، بالإضافة إلى التحولات الكبرى في بيئات ممارسة العديد من الأطباء والتي تعني أن لديهم سيطرة أقل على كيفية عملهم ومقداره، مما يؤدي إلى المزيد من الاضطراب العقلي والضيق المرتبط بالعمل.

وفي الوقت الذي تتفاقم فيه أزمة الصحة النفسية للأطباء، من غير المرجح أن يطلب الأطباء العلاج لمخاوف الصحة العقلية لعدة أسباب من بينها الوصم، وكل هذا يؤدي إلى وضع سيئ لكل من الأطباء والمرضى، فلماذا يعاني مقدمو الرعاية الصحية من هذه المعدلات المرتفعة من ضائقة الصحة العقلية؟ وما هي قصتهم مع الوصم؟ وكيف يؤثر ذلك على المرضى؟ وكيف يمكن تحسين الصحة العقلية للأطباء؟


كيف يعاني الأطباء من مستويات عالية من الاضطراب العقلي؟


تتطوع إليسا إيلي -الطبيبة النفسية من منطقة بوسطن- مرتين أسبوعيًا في خط مساعدة مجهول في الولايات المتحدة للأطباء الذين يواجهون الأزمات، والمكالمات التي تتلقاها غالبًا ما تكون من أطباء يعانون من نوبات الهلع، أو يتعاطون الكحول، أو يواجهون الطلاق أو العزلة عن العائلة والأصدقاء.

فبالإضافة إلى أن الطب مهنة شديدة التوتر، قد أدى الوباء أيضًا إلى تضخيم هذا الخطر، ففي 24 أكتوبر نشر مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) تقريرًا يشرح بالتفصيل "مستويات الأزمة" لإرهاق العاملين الصحيين، ويشير إلى أنه مقارنة بالعاملين الآخرين الذين شملهم الاستطلاع بين عامي 2018 و2022، شهد العاملون الصحيون انخفاضًا أكبر في الصحة العقلية وكانوا أكثر عرضةً للإبلاغ عن تدهور ظروف العمل.

ولم يميز التقرير بين الأنواع المختلفة من العاملين في مجال الرعاية الصحية، ومع ذلك تشير دراسات استقصائية أخرى إلى أن الأطباء يعانون من بعض أسوأ مخاوف الصحة العقلية المتعلقة بالعمل، ففي إحدى الدراسات الاستقصائية الوطنية لعام 2021، زادت نسبة الأطباء الذين يعانون من مظهر واحد على الأقل من مظاهر الإرهاق بنسبة 43% مقارنةً بعصر ما قبل كوفيد-19، ويبدو أن هذه الاتجاهات ستستمر في عام 2023.

يموت الأطباء أيضًا بسبب الانتحار بمعدلات أعلى من عامة السكان، وتبلغ خطورة الانتحار لدى النساء ضعف الرجال، وفي استطلاع أُجري عام 2022، قال واحد من كل 10 أطباء إنه فكر في الانتحار أو حاول الانتحار، وليس كل الأطباء معرضين لخطر متساوٍ، فمن المرجح أن تعاني الطبيبات من الإرهاق بمعدلات أعلى من الأطباء الذكور.


لماذا يعاني مقدمو الرعاية الصحية من هذه المعدلات المرتفعة من ضائقة الصحة العقلية؟

لمعرفة الأسباب التي أدت إلى تفاقم أزمة الصحة العقلية لدى الأطباء، قالت منى مسعود -الطبيبة النفسية التي أسست الخط الساخن لدعم الأطباء حيث تتطوع إليسا- إن الإجابات تقع تحت مظلتين كبيرتين، إحداها هي الثقافة المهنية التي تقدر الكفاءة والكمال والتضحية بالنفس، والسبب الآخر هو الضرر الأخلاقي أي الآثار الضارة الناجمة عن مشاهدة أشياء لا تتوافق مع القيم التي تدفع الناس إلى ممارسة الطب، أو المشاركة فيها، أو الفشل في منعها.

أحد الأمثلة على الضرر الأخلاقي هو الكم الهائل من الوقت الذي يقضيه الأطباء في التعامل مع التراخيص المسبقة وشركات التأمين، وتَلَقي اللوم من قبل المرضى على الضغوط المالية الناجمة عن نظام التأمين الصحي المُعطل في الولايات المتحدة، ففي إحدى الدراسات قال 61% من الأطباء إن السبب الرئيسي لإرهاقهم هو "الكثير من المهام البيروقراطية" ووجدت دراسة أخرى أجرتها مؤسسة الأطباء أن تقليل الأعباء الإدارية كان الحل الأكثر فعالية لتحسين صحة الطبيب.


كما يلقي الأطباء اللوم على عوامل أخرى في الضغط العاطفي، وأبرزها عدم احترام زملاء العمل، وساعات العمل الطويلة، والأجور غير الكافية، لكن تأثيرها الإجمالي أقل بالمقارنة، وقد يلعب سوء المعاملة أثناء العمل أيضًا دورًا غير معترف به في دفع تدهور الصحة العقلية بين الأطباء، ففي تقرير مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها المنشور حديثًا، أبلغ العاملون في مجال الصحة عن أكبر زيادة في التحرش في مكان العمل لجميع أنواع العمال الذين شملهم الاستطلاع، بغض النظر عن مصدرها -سواء كان الزملاء أو المرضى أو أسر المرضى الذين يرتكبون الانتهاكات- فإن التحرش في مكان العمل يزيد بشدة من احتمالات قلق العاملين الصحيين أو الاكتئاب أو الإرهاق.


الوصم يمنع الأطباء من الحصول على المساعدة والعواقب تصل للمرضى أيضًا


من المفارقات الفظيعة أنه بالنسبة لمهنة تخضع للكثير من الضغوطات، توجد أيضًا العديد من العوائق التي تحول دون الحصول على الراحة، ومن غير المرجح أن يطلب الأطباء العلاج لمخاوف الصحة العقلية لعدة أسباب أحدهم هو أن طلب رعاية الصحة العقلية للأطباء يظل موصومًا للغاية.

توضح منى مسعود أن مهنة الطب تَصم طلب رعاية الصحة العقلية بين الأطباء، ففي استطلاع مؤسسة الأطباء، كان لنحو نصف الأطباء نظير لا يرغب في طلب رعاية الصحة العقلية، واتفق أربعة من كل خمسة على وجود وصمة عار كبيرة حول الحصول على رعاية الصحة العقلية ضمن مهنتهم.

هذه الوصمة ليست مجرد خوف متخيل، ففي الواقع تعاقب الممارسات المؤسسية الأطباء على طلبهم الرعاية، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى عواقب وخيمة، فقبل أن تموت طبيبة طب الطوارئ لورنا برين بالانتحار في وقت مبكر من جائحة كوفيد-19، كانت مثقلة بالعمل إلى حالة شبه جامدة، ولم تكن قادرة على الحركة أو التحدث.

وبعد أيام قليلة من العلاج -وهي المرة الأولى التي تتلقى فيها برين رعاية الصحة العقلية- أعربت عن خوفها "من أنها الآن بعد أن حصلت على علاج للصحة العقلية، فإن هذا سيدمر المهنة التي عملت بها طوال حياتها"، واعتقدت عائلتها أن مخاوفها لا أساس لها من الصحة، لكن بعد وفاتها علموا أن برين كانت على حق جزئيًا، فمعظم مجالس التراخيص الطبية بالولاية تطلب من الأطباء الكشف عن الرعاية الصحية العقلية الحالية أو السابقة، وتطلب العديد من المستشفيات نفس الشيء قبل اعتماد الطبيب لممارسة المهنة هناك، وفي حين أن هذه المعلومات قد لا تستخدم لمنع الطبيب من ممارسة المهنة، فإن مجرد التصور بأنها قد تكون مصدرًا للوصم يجعل الأمر خطيرًا.

لم تكن برين وحيدة، إذ كان حوالي 40% من الأطباء في استطلاع مؤسسة الأطباء إما خائفين أو يعرفون طبيبًا آخر كان خائفًا من طلب رعاية الصحة العقلية بسبب أسئلة حول الترخيص الطبي، ووثائق الاعتماد، وتطبيقات التأمين.
بالنسبة للأطباء فإن ضغوط الصحة العقلية المرتبطة بالعمل تُنبئ بقوة برغبتهم في ترك المهنة، وكلما زاد عدد الذين يغادرون زاد عبء العمل على الأطباء الذين تركوا وراءهم، وزاد خطر تعرضهم للإرهاق، لذلك إذا تُركت هذه الأزمة دون معالجة، فإن الظروف التي تسبب الإرهاق والاكتئاب، وتخلق حواجز أمام الوقاية والعلاج، يمكن أن تؤدي في النهاية إلى تفريغ مهنة الطب.

كل هذا يؤدي إلى وضع سيئ لكل من الأطباء والمرضى، فبما أن مقدمي الخدمة لديهم مستويات متزايدة من الاضطراب العقلي، فمن المرجح أن يتركوا الممارسة الطبية، وهذه نتيجة سيئة خاصةً عند النظر إلى النقص الخطير في عدد الأطباء الذي يواجهه نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة بالفعل، مما سيؤثر على المرضى أيضًا.


كيف يمكن تحسين الصحة العقلية للأطباء؟


إن الحد من اكتئاب الأطباء وإرهاقهم بشكل ملموس يتطلب تمهيد الطريق لرعاية الاضطرابات النفسية، ولكن أيضًا معالجة أسبابها الجذرية، فقد يكون الحصول على أي نوع من الرعاية الصحية أمرًا معقدًا في الولايات المتحدة، لكن الشركات التي توظف أطباء يمكنها اتخاذ خطوات لجعل الوصول إلى رعاية الصحة العقلية أسهل قليلًا، كما يعد تغيير أو إزالة الأسئلة حول الصحة العقلية عندما يتقدم الأطباء للوظائف أو التراخيص أمرًا أساسيًا لتحسين الوصول إلى الرعاية.

فبعد وفاة برين أسست أختها وصهرها مؤسسة الدكتورة لورنا برين للأبطال، وذلك للدعوة إلى هذه التغييرات، ونتيجة لعملها، أزال أكثر من 25 مجلس ترخيص بالولاية الأسئلة المتطفلة حول الصحة العقلية من طلباتها، ويوجد 11 مجلسًا آخر بصدد القيام بذلك، وقد قالت إيلي الطبيبة النفسية التي تعمل في الخط الساخن لأزمات الأطباء:"هذا أمر جيد، لكن هذا لا يزال بعيدًا عن نصف البلاد التي يعيش أطباؤها في خوف".

بالإضافة إلى ذلك تحدد منى مسعود أداتين رئيسيتين لتحسين الصحة العقلية للطبيب، الأولى هي دعم الأقران والتي يمكن أن تأتي في شكل خطوط ساخنة مثل تلك التي تديرها منى مسعود، ومجموعات شعبية مثل Physician Coach Support ، والبرامج التي تديرها أنظمة الرعاية الصحية، فالهدف من هذه البرامج هو إشراك الأطباء في تحديد وتقديم الدعم للاضطرابات العقلية بين الزملاء.

بينما قال ريك فان بيلت الذي يقود مبادرات تحسين الجودة في جامعة ألاباما برمنغهام: "إن برامج دعم الأقران هذه يمكن أن تساعد أيضًا في تقليل ظروف العمل غير الآمنة التي غالبًا ما تسبب الضرر في البداية ، فببساطة العمل في مكان أكثر أمانًا للأطباء يعد أيضًا أكثر أمانًا للمرضى."

وتشير منى مسعود إلى أن الأداة الرئيسية الثانية هي إشراك مقدمي الخدمات في حل العمليات الملتوية وغير الفعالة التي تهدر معظم وقت الأطباء.، ويدرس فان بيلت أحد الأساليب المتبعة في هذا الصدد، والذي يتضمن إنشاء "فرق رعاية مسؤولة" (ACTs) تعمل معًا لتحديد وحل مشاكل رعاية المرضى التي تؤدي إلى نتائج أسوأ لكل من الأطباء والمرضى.

بالإضافة إلى ذلك يجب على مؤسسات الرعاية الصحية بذل المزيد من الجهد للحد من مضايقة الموظفين، والتي أصبحت حاليًا "وبائية حقًا" كما قال إل. كيسي تشوزوود -خبير الصحة المهنية في NIOSH- وهذا يعني زيادة التدريب والموارد للأشخاص الذين يتعرضون للتحرش، وأخذ شكاوى التحرش على محمل الجد، والتحلي بالشفافية مع الموظفين عند حدوث التحرش.

ذو صلة

ويعد إصلاح العمل هو أحد الطرق الرئيسية لزيادة الصحة العقلية الأساسية للعاملين في مجال الرعاية الصحية، وقد قالت إيلي:"يجب علينا أن نحاول، ففي النهاية كل ما نقوم به يأتي من أجل المصلحة الذاتية" وأضافت:"إذا لم نعتني بالأطباء، فلن يتمكنوا من الاعتناء بنا."

في النهاية، كل هذه الدراسات والإحصائيات كانت في إحدى أكثر البلاد تقدمًا في الرعاية الصحية وهي الولايات المتحدة الأمريكية، التي يعمل فيها الطبيب ساعات عمل آدمية، ويحصل على حقوقه كاملة، ويتحصل على مرتب جيدًا للغاية مقارنةً بأقرانه على مستوى العالم، فما بالك بالمشكلات الصحية والنفسية وحتى المادية التي يتعرض لها الأطباء في بلادنا، فهم يعملون لأوقات طويلة غير آدمية، ومرتباتهم لا تمثل 1% من مرتبات الأطباء في أمريكا، والظروف الاقتصادية صعبة للغاية عليهم، فتخيل كم المعاناة النفسية التي يعانون منها، وهم من وجهة نظر الناس السبب في فشل الرعاية الصحية على الرغم من عدم توافر أساسيات الرعاية الصحية في المستشفى.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة