تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

ما هي الجاذبية؟ وما الذي لازلنا لا نعرفه عنها؟

غادة الجوهري
غادة الجوهري

7 د

الجاذبية، القوة التي تمتلك ذلك التأثير الهائل على حياتنا اليومية ومركزنا من الكون، تبقينا قريبًا من الأرض، وتمنح الكواكب الثبات والاستقرار اللازمين لملئ المدارات والمجرات بمختلف النجوم والأجسام، فهي إحدى العوامل الهامة التي ساهمت في اتساع السماء بالشكل الذي تبدو عليه الآن، وعلى الرغم من أنها حولنا وفي كل مكان، إلا أنها لا تَفقد أبدًا غموضها وقدرتها على إدهاش علماء الفلك والفيزياء من حين إلى أخر، وفي هذا المقال، سوف نسلط الضوء -قليلًا- نحو تأثيرات الجاذبية الخفية في حياتنا اليومية.


ما هي الجاذبية؟ ومن أين نشأت؟


حسنًا، ككل شئ غامض يسعى العلماء لتفسيره، يختلف المصطلح العلمي من عالم إلى أخر، وذلك حسب طريقة تناول كل منظور علمي، ففي الفلك مثلًا تُفسر نظرية الانفجار العظيم نشوء الجاذبية كإحدى القوى الأربعة الطبيعية التي جاءت نتيجة انفجار نواة الطاقة الهائلة المُكونة للكون، وذلك يعني أن الجاذبية تفرقت عن كتلة هائلة جمعت الطاقات الأربعة التي شكلت الكون، وهن: الطاقة الكهرومغناطيسية، الطاقتين النووية العظمى والصغرى، وبالطبع الجاذبية. 

أما عن علم الفيزياء، فقد فسر ألبرت أينشتاين الجاذبية -في نظرية النسبية- بكونها خاصية تكتسبها المادة أو الجسم بفعل اختراقها للزمان والمكان، أي أن الجاذبية هي نتيجة انحناء للبعدين الزماني والمكاني، وبالطبع يتطلب ذلك المفهوم بحث أوسع -لم يصل إليه العلماء بعد- لإثبات ما يظنه أينشتاين عن الجاذبية، ولكن تظل النظرية قائمة ومحل دراسة من قبل العلماء. 

ولكن كيف كانت الأفكار الأولية عن انجذاب الأجسام؟ وما هي التصورات التي أوحت للأب الروحي للجاذبية -اسحاق نيوتن- بأفكاره وقوانينه المؤسسة لعلم الحركة؟


تأملات إسحاق نيوتن في علم الجاذبية


بعيدًا عن قصة التفاح المشهورة، فقد كانت الفكرة المسيطرة في ذهن نيوتن عن الجاذبية أنها طاقة كونية مُسيطرة ومُهيمنة على الكتل والأجسام، فما يُبقى الكواكب في مداراتها هو نفسه ما يُبقينا على سطح الأرض، وبكثير من التجارب العلمية الطموحة والمعلومات الفلكية التي قدمها علماء مثل غاليليو غاليلي وويليم جاسكوين، استطاع نيوتن كتابة قوانين الحركة والجاذبية القائمة إلى يومنا هذا في كتابه الشهير المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية Philosophiæ Naturalis Principia Mathematica.

استطاعت تلك القواعد المبدئية لتصورات الحركة والجاذبية، من تفسير حركة الكواكب والنجوم في مدارات منتظمة في الفضاء، كما تمكنت من تفسير قوى الجذب المؤثرة على البشر في اتجاهين متعاكسين، ولكنها لم تستطع تفسير الكثير مما كان في جعبة الجاذبية من أسرار في الفضاء.


ألبرت أينشتاين والمنهج الحديث في تناول الجاذبية



الفرق بين قوانين إسحاق نيوتن ونظريات ألبرت أينشتاين

ينص قانون نيوتن للجذب العام (قانون التربيع العكسي) أن الجاذبية بين جسمين تتأثر بثلاثة عوامل: كتلة الجسم الأول، وكتلة الجسم الثاني، والمسافة بينهما.

بعد تطوير ذلك القانون رياضيًا، وتطويعه لخدمة ناسا ورحلات الفضاء، استطاعت قوانين إسحاق نيوتن إرسال رواد الفضاء إلى القمر على متن رحلات عديدة كان أشهرها أبولو 11، واصل العلماء تطوير مفاهيمهم عن الجاذبية كونها خاصية تؤثر على الأجسام بفعل كوكب الأرض الذي يسحبنا إليه فيما تقاوم كتلتنا -وليس الوزن- تلك القوة بأخرى معاكسة تسمى القوة العادية. 

حتى جاء أينشتاين بنظرياته التي أحدثت تغييرًا جذريًا في مفهوم العلماء عن الجاذبية، ذلك أن قوانين نيوتن ما كانت إلا تفسيرًا لأثر الجاذبية، دون الإبحار عميقًا في آلية عمل هذه الطاقة وكيف يختلف التأثير الخاص بها في الفضاء -ولا ينعدم- كما يظن الكثير من العلماء.


مبدأ التكافؤ: يتساوى التسارع والجاذبية في السقوط الحر


وصف أينشتاين ذلك المبدأ بكونه "أكثر أفكاره بهجة" ذلك أن الشخص عندما يسقط سقوطًا حرًا بالقرب من الغلاف الجوي يتلاشى تأثير كتلته، أي أن تأثير القوة العادية يُصبح معدومًا، ولا يوجد قوى معاكسة لجاذبية الأرض، ولكن ما الذي يجعل رواد الفضاء يطفون في الفضاء؟ 

يحدث ذلك نتيجة قوى الجاذبية، فعلى الرغم من أنها تشكل %90 من تلك الموجودة على سطح الأرض، إلا أنها تبقى المركبات في مدارات ومسارات دائرية حول الأرض تتحرك فيها المحطات من نقطة إلى نقطة في عملية دائمة من السقوط الحر، وتلك الحركة قد يشبهها البعض بمصعد يتحرك دون أسلاك من الأعلى، أي أن محطات الفضاء تشبه في حركتها مصعدًا يطفو في السماء.


النظرية النسبية والجاذبية 


أوحى مبدأ التكافؤ بين التسارع والجاذبية -لأينشتاين- بأفكاره الجدلية عن النسبية، والتي عرّف فيها الجاذبية بالتفاف أو تعرج في نسيج الزمكان، مفسرًا بذلك قدرة الجاذبية في التأثير على الأجسام عن بعد، الأمر الذي لم يستطع نيوتن تفسيره.

وكأجسام تتصادم بنسيج ترامبولين، كلما زادت كتلة الجسم على النسيج، كلما زاد أثر التعرج الذي يحدثه، والذي يؤثر في الأجسام الأخرى من حوله. 

تطلبت تلك التصورات المذهلة عن الجاذبية والأبعاد المكانية نوعًا خاصًا من المعادلات الرياضية، كان أينشتاين لازال قليل الخبرة به آنذاك، وهي ما يسمى بـ" رياضيات الفضاء المنحنى" أو ما يعرف بالهندسة المكانية Spatial Geometry، وهو علم تمكن من خلاله العلماء الاستمرار على خُطى أينشتاين في تطوير النظرية النسبية.


هل يوجد دلائل تثبت صحة النظرية النسبية؟


رغم اندهاش المجتمع العلمي بمفهوم الجاذبية الذي قدمته النسبية، إلّا أن كثيرًا من العلماء يعتقدون أنها قابلة للتصديق، وذلك لأن فكرة تأثر الضوء وانحنائه عند مروره بجسم ضخم كالكواكب والنجوم كانت قائمة ولوحظت عام 1919م في حادثة كسوف كلي، وهو ما يثبت الأثر الزمكاني لكتل الأجسام كما تنص عليه النسبية، ويوجد أيضًا مثال المجرات البعيدة والتي تشكل عدسة سميكة ينكسر الضوء من خلالها.

كما أن ظاهرة الانحراف المداري الخاصة بكوكب عطارد، والتي استطاعت النسبية التنبؤ بمقداره تنبؤ شبه دقيق، زاد كثيرًا من مصداقيتها في وصف جاذبية الكواكب. 


الخلاصة 

تمكنت نظريات أينشتاين من التفوق على قوانين نيوتن في تفسير جاذبية الكواكب والنجوم تفسيرًا مفصلًا، وإثبات وجود أثر للجاذبية على نفسها، الأمر الذي لم يكن من الممكن لنيوتن قط ملاحظته أو الانتباه إليه من خلال قواعده البسيطة مقارنةً بما تشتمل عليه النسبية.


تخبرنا النسبية أن الجاذبية في كل مكان بالفضاء!

على عكس ما يعتقد البعض، أن الفضاء يخلو من الجاذبية، تمحي النسبية تلك التصورات عن بكرة أبيها، فذلك لأنه ومنذ نشوء الكون، كانت الجاذبية هي العامل الأساسي في تشكيل المجرات والنجوم واتساع الفضاء، وتفسر النسبية ذلك بروعة، كونها تخبرنا أن الفضاء أو النسيج المُكون له (المادة السوداء) مرن للغاية وقابل للتمدد والاتساع -أو حتى الانكماش- إلى ما لا نهاية.

ولم يتمكن العلماء من اكتشاف تلك المادة السوداء إلا من خلال تفسيرات النظرية النسبية، كذلك الأمر بالنسبة للثقوب السوداء، التي تُعد مقبرة نجمية نشأت من انضغاط نجم قديم على نفسه إثر قوة الجاذبية العالية التي تفوقت على قواه الطبيعية العكسية.

تَكُون الجاذبية أكبر ما يمكن داخل الثقوب السوداء، جاذبةً بذلك جميع الأجسام والنجوم القريبة إلى مركزها المُخيف والمجهول، حتى الضوء نفسه لا يمكنه الهروب والنفاذ من خلال ثقب أسود.


موجات الجاذبية


كما أن للمجال الكهرومغناطيسي موجات تسبح فيها الالكترونات إلى أعلى وأسفل في أجهزة الراديو والتلفاز، يوجد للجاذبية موجات تحدثها كتل الأجسام خلال النسيج الزمكاني، وتنبأ أينشتاين بتلك الموجات، ولكن وبما أن الجاذبية هي قوى ضعيفة فمن الصعب علينا التقاط هذه الموجات، ولكي يحدث ذلك ينبغي أن تنبعث تلك الموجات من أجسام ذات جاذبية عالية جدًا تمامًا مثل الثقوب السوداء. 

اُلتقطت هذه الموجات لأول مرة عام 2015، من خلال تجربة ليجو LIGO، وهي تجربة اُستخدم فيها مستشعرات غاية في الدقة، قد يؤثر أي اهتزاز على كوكب الأرض -من اهتزاز العربات في الشوارع إلى صوت ارتطام الأمواج- على نتائجها. لذلك لم تٌلتقط تلك الموجات إلا متأخرًا، أثناء ملحمة جاذبية هائلة اندمج فيها ثقبين أسودين ببعضهما البعض.


هل يمكن اعتماد النظرية النسبية كحقيقة علمية؟

لا، ما زال الوقت مبكرًا بالنسبة إلى ذلك، فعلى الرغم من أن النسبية فسرت ظواهر الجاذبية تفسيرًا يمكن وصفه بالدقيق، إلا أنها تحوي بعض من التناقضات فيما يخص أمورًا كالثقوب السوداء ووصف الكون قبل الانفجار العظيم، كما تتعارض النسبية تعارضًا واضحًا مع ميكانيكا الكم، إذ تختلف الظاهرتين الفيزيائيتين في نظرياتهما اختلافًا جدليًا، ويأمل العلماء يومًا ما في إيجاد إحدى الافتراضات فيما يخص ميكانيكا الكم، والتي من الممكن أن تتفق مع نتائج النظرية النسبية، ولكن هذا اليوم لم يأتي بعد.


قوى الجاذبية طبيعية ولا يمكن إيقافها

ذو صلة

من المعروف أن الجاذبية هي طاقة تعمل في اتجاه واحد وهو الجذب، على عكس طاقات أخرى كالكهرومغناطيسية مثلًا، فلا يمكننا إيقاف الجاذبية -من خلال عامل مضاد- عن استكمال مساراتها، وإلا لتمكنا من استحداث طاقة هائلة إثر ذلك التصادم.  

في النهاية، لا تنفك الجاذبية عن إبهار العلماء من حين إلى أخر، فهي ورغم محاولة الكثير من العلماء لإنكار وجودها في الفضاء، إلا أنها أصل يُرجع إليه لدى كل اكتشاف جديد يتصادف به العلماء هناك في ذلك الكون الفسيح. 

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة