تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

نظرية التطور.. حقيقة خالدة أم نموذج عفا عليه الزمن؟

غادة الجوهري
غادة الجوهري

6 د

تعد نظرية التطور والانتقاء الطبيعي النظرية الأشهر والأكثر جدلًا في تاريخ البشر. فمنذ صدور كتاب "أصل الأنواع" لداروين في منتصف الثمانينات، والجدل والاعتراض ينتقل بين الأوساط العلمية والدينية، إلى الحد الذي جعل داروين الرجل الأشهر في زمانه. ومازال الجدل والحوار حول آراء داروين ونظرياته يتجدد باستمرار مع اكتشاف دلائل جديدة تدعم أو تدحض النظرية.

في هذا المقال، سنحاول معًا أن نروى القصة من بدايتها ونطرح مختلف الآراء الملمة، والتي قد تتمكن من الإجابة على جميع الأسئلة الهامة،  في محاولة لمنح القارئ المساحة لتكوين رأيه الخاص حول أصله وأصل المخلوقات من حوله؛ بناءًا على ما توصل إليه العلماء من نظريات، وأقره الدين من حقائق.


كيف كانت البداية لنظرية التطور؟

لطالما كان تشارلز داروين طفلًا شغوف بالملاحظة والاسكتشاف وتخيل الأشياء من حوله، لكنه لم يكن المتفوق في مدرسته، لذلك كان يقضي أوقاتًا أقل في الدراسة مقابل قضاء ساعات في مراقبة الطيور والطبيعة من حوله. وذلك ما جعله يقرر الذهاب إلى جزيرة  غالاباغوس الواقعة على جانبي خط الاستواء في المحيط الهادي. واختار داروين هذه الجزيرة كي يتمكن من مراقبة الطيور والحشرات التي يزدحم بها ذلك الأرخبيل قبالة ساحل الإكوادور.

هناك راقب داروين طائر الفينش أو الشرشور عن كثب، ومن خلال الملاحظة المستمرة وجد داروين أن كل جزيرة تحتوي على طيور تختلف مناقيرها عن طيور الجزيرة الأخرى حسب نوع الغذاء الموجود عليها. فالطيور التي تتغذى على الحشرات كان لها مناقير صغيرة ومدببة حتى تتمكن من التقاطها، والطيور التي لا تجد إلا الفواكه الصلبة للنجاة، تمتلك مناقير حادة وكبيرة لتلتقط بها الطعام. ومن هنا بدأت رحلة داروين في كتابة وتأليف كتاب أصل الأنواع الذي وضع فيه أشهر نظرياته وأكثرها جدلًا في الأوساط العلمية.


التطور والانتقاء الطبيعي.. المفاهيم المهمة في كتاب أصل الأنواع 

يبني داروين نظريته على أسس ومصطلحات رئيسة تشكل مفهوم التطور، ومن أهم تلك المصطلحات:


الطفرة Mutation

وإليها تركن نظرية التطور بأكملها. فالطفرات هي التغيرات التي تطرأ على الجينات والمعلومات الوراثية، إما بواسطة مؤثرات خارجية كالإشعاع أو خلل داخلي في نسخ الحمض النووي وانقسامه داخل الخلايا. إذ ينشأ عن الطفرات أنواع وأجناس مختلفة من الفصيلة أو الكائن نفسه، ومن خلالها يتطور المخلوق إلى نسخة أكثر تكيف وملائمة.


الانتقاء الطبيعي Natural Selection

الانتقاء الطبيعي أو مبدأ البقاء للأقوى، هو المبدأ الذي يشرح فناء الكائنات التي لا تمتلك مقومات النجاة أو التكيف مع البيئة على حساب الأنواع الأخرى التي تمتلك هذه المقومات. على سبيل المثال: استطاعت الزرافات التي تمتلك أعناق ورقاب طويلة على مر العصور للنجاة وتمكّنها من الوصول لأوراق الأشجار العالية والتغذي عليها، فيما لم تتمكن باقي الأنواع الأخرى التي لا تمتلك تلك الصفة الوراثية من النجاة في النهاية. 


التنوع Variation

آمن داروين كباقي العلماء بفكرة الاختلاف بين كافة الحيوانات حسب البيئة والهيكل ونوع الحيوان، وقد كرس 4 سنوات من حياته في كتابة مجلد "تنوع الحيوانات والنباتات تحت ظل التأنيس" The Variation of Animals and Plants under Domestication، والذي تضمن وصف دقيق لكل الحيوانات والنباتات وتنوعها واختلافها من جيل إلى جيل حسب البيئة. إذ أرجع داروين تطور الأنواع إلى أجيال أكثر تكيفًا وتوافقًا مع المناخ وظروف المعيشة من عصر إلى عصر إلى الطفرات والانتقاء الطبيعي.


التطور الصغروي microevolution

وهو التطور الذي ينشأ في الكائن الواحد، ويسمى أحيانًا "تواتر الإليل" أو "تواتر الجين"، أي التغيرات البسيطة التي تطرأ على الكائنات على مستوى أقل من النوع في التسلسل الهرمي لتصنيف الكائنات الحية.


التطور الكبروي Macroevolution

في التطور الكبروي، يتم دراسة الطفرات على نطاق أوسع، حيث يتناول هذا النوع التغير في السلالات الجينية في أعلى مستوى من الأنواع. 


وجهات النظر المتباينة في نظرية التطور


نظرية التطور لا يمكن إثبات صحتها

في عالمنا العربي، أقام الكثير من العلماء الحجة على مبدأ الارتقاء، كونه مخالف لما جاء في الأديان. فعندما سُئل الداعية العالمي ذاكر نايك، لماذا يخالف القرآن ما جاء في نظرية التطور إذا كان الدين لا يتعارض مع العلم؟ أجاب نايك قائلًا: "التطور نظرية، أما القران فهو حقائق، لذلك هما أمران مختلفان، والإنسان لم يعرف له في التاريخ إلا أربعة أسلاف، لم يثبت العلم في أي منهم وجود سلف مشترك بين الإنسان والشمبانزي"  

أما الطبيب والعالم مصطفى محمود، فقد أرجع فشل نظرية التطور إلى عدم قدرتها على تقديم دلائل كافية لإثبات صحتها. فإذا كانت النظرية تفسر تطور الأنواع حسب الأقوى، فبم تفسر تطور الأنواع للفصائل الأجمل أو الأعقد في تركيبها، كتطور الحصان من الحمار، أو امتلاك الطاووس لأجنحة كبيرة وخلاقة لا تفيده في البقاء وإنما هي من عظيم صنع الخالق.

كما صرح العالم بصحة بعض من أفكار داروين كفكرته عن أن أصل المخلوقات من ماء كما جاء في القرآن، ولكن ليس بالضرورة جميعها، واصفًا مراحل اختلاف المخلوقات على مر العصور "بالتطوير وليس التطور" فكلمة تطوير توحي بوجود خالق ومبدع وراء تنوع المخلوقات الحية، وليس أمرًا تلقائي وعشوائي كما يصوره داروين.


نظرية التطور هي الماضي والمستقبل المنطقي 

تتبنى جميع المنصات الإعلامية والجامعات والموسوعات العالمية نظرية التطور، ويدّرس كتاب أصل الأنواع في جميع الجامعات الغربية باعتباره مصدر أساسي لدراسة نشوء الكائنات الحية، كما خُصص له قسم خاص في الموسوعات العالمية كبريتانكا Britannica و مكتبة جامعة كامبردج.

يؤمن الأغلبية العظمى من العلماء بصحة نظرية التطور، فيوجد %98 من العلماء في أمريكا ممن يتبنون صحة نظرية التطور كمعتقد أو مرجع في أعمالهم. ولكن لا يعني الإيمان هنا إنكار وجود الإله بالضرورة، ففي استطلاع رأي للبالغين عام 2018 في أمريكا، وجد أن %82 من الشعب الأمريكي يؤمن بنظرية التطور، ومن تلك النسبة يوجد %48 ممن يؤمنون أن ذلك التطور نشأ عن وجود الرب أو قوى عظمى.


لماذا يتعارض التطور مع الإسلام والدين؟

يبتعد الكثيرون عن التطرق لنظرية التطور كونها ثاني أكثر نظرية علمية موسومة بالإلحاد بعد نظرية الانفجار العظيم. والحقيقة أن معظم الآراء الإسلامية والعلمية الهامة التي نفت أو قللت من صحة التطور اعتمدت رأيها بناءًا على مخالفتها للعلم والعقل وليس للدين بالضرورة. وهو الأمر الذي يتفق معه بعض علماء الغرب أيضًا، حيث يوجد الكثير من المبادئ الأساسية في النظرية لم تثبت بدليل قطعي قط، ومنها مبدأ " الإنسان أصله قرد" الذي ولد انطباع الإلحاد المرتبط بالتطور لدى الكثيرين.

وفي الإسلام، نجد أن الله عز وجل قال في كتابه العزيز:

"وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (9)

ذو صلة

وفي المقابل، يرى العلماء أن نظرية التطور سعت لإثبات أصل الإنسان المادي وقدرته على البقاء، ولكنها لم تتمكن من تفسير رُقيه عن باقي الكائنات الأخرى وامتلاكه الأخلاق والمشاعر الراقية والقدرة على التمييز والإدراك. كما لم يستطع داروين تفسير الصفات الجمالية والحسية التي تختلف باختلاف أنواع البشر، فهل كانت الأخلاق أيضًا ضرورة للبقاء في الغابة؟ أشك في صحة ذلك.

في النهاية عزيزي القارئ، وبعد استعراض القدر الكافي من المعطيات حول تلك المسألة التي لا تزال تثير الجدل بين الأوساط العلمية والدينية، سيظل الحكم الأخير لك في تكوين الرأي حول أصلك وأصل أجدادك.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة