الزهايمر: بحوث متواصلة وجهود حثيثة .. لكن هل حققنا المطلوب؟!
7 د
يُعتبر النسيان لدى الكثيرين نعمة تجعلهم يتوقفون عن التفكير في المشكلات التي تعترضهم وتؤثر على حياتهم، وهو ما يمكن أن يكون صحيحاً بعض الشيء، لكنها ليست الحال نفسها لدى طلاب المدارس والجامعات الذين تعترضهم “نعمة” النسيان في أوقات حرجة لا يُحسدون عليها!
أقول أن النسيان الاعتيادي غير المرضي أمر طبيعي لا يُخشى منه، فعقل الإنسان ليس حاسوباً أو كتاباً، إلا أنه عندما يتعدى النسيان حدوده ليصل إلى درجة ينسى فيها أحدنا أسماء أفراد عائلته وأصدقائه، والمهارات الأساسية التي تعلمها خلال حياته، ويصعب عليه حل المشكلات والتعبير، فلا شك أنه أصبح مرضياً يخشى من تأثيراته المتزايدة، وهو ما ندعوه بمرض “الزهايمر” المعروف.
إذا أردتم أن تتخيلوا مدى انتشار هذا المرض، فهل كنتم تعلمون أنه كل 68 ثانية يصاب شخص على هذا الكوكب بهذا المرض الشنيع؟! هل أخذتم فكرة عن ضخامة هذا الأمر؟!
باختصار الزهايمر هو مرض يشمل ضياع الملكات الفكرية (الذاكرة أولاً، ومن ثم مهارات التفكير والتحليل، حل المشكلات… إلخ)، وذلك بشكل متدرج إلى أن تصبح شبه معدومة، أي حتى الوصول إلى مرحلة يصبح فيها الشخص عالة على المجتمع لا يستطيع أن يقدم ضراً ولا نفعاً.
يعود اكتشافه إلى الطبيب الألماني (Alois Alzheimer) عند مريضة لديه قام بتشريح جثتها بعد الوفاة فلاحظ انكماشاً في حجم دماغها، ومن هنا بدأ وصف المرض، كان هذا عام 1906.
جذب المرض انتباه الأطباء، وتتابعت النشاطات في المئة سنة التالية لاكشافه، فتم إنشاء مراكز البحث وتطوير الأدوات المستخدمة، وتبين أنه يؤدي مع مرور الوقت إلى الاكتئاب، الارتباك، تصرفات غريبة، صعوبة في الكلام والتفكير وإصدار المحاكمات السليمة، التواصل، البلع، الشم، وحتى المشي!
وهي نتائج متتالية لما يحدث في الدماغ من تخرب تدريجي، يصل في مرحلته الأخيرة إلى تخرب شديد في القشرة الدماغية، والحصين المعروف بدوره الكبير والرئيسي في تخزين الذكريات الجديدة.
يعتبر التقدم بالسن أحد أهم العوامل المساعدة على ظهوره، حيث يظهر بشكل كبير لدى الناس فوق عمر 65 سنة، لكنه يصيب الفئات العمرية الأصغر (40-50 سنة) بما يسمى (الزهايمر المبكر).
لكن ما هو السبب العجيب الذي يقف وراء ذلك كله؟!
يتألف دماغنا البشري من حوالي 100 بليون خلية عصبية، وهي تتصل مع بعضها في شبكات أو مجموعات معقدة متداخلة، وكل مجموعة موكلة بمهمة خاصة (التفكير، التعلم، التذكر، السمع، الرؤية…)، وخلال تأدية هذه الوظائف تعمل المجموعات المذكورة وكأنها معامل مجهرية، فهي تأخذ المؤن والمعدات اللازمة، تولد الطاقة، تنشئ المواد التي تأخذ دوراً أساسياً في المحافظة على المؤهلات العقلية السليمة، وتتخلص أخيراً من الفضلات الناتجة عن ذلك كله.
انطلاقاً من هذا المفهوم، يعتقد العلماء أن مرض الزهايمر يمنع بعضاً من العمليات السابقة أن تأخذ مجراها الطبيعي مؤدياً إلى أذيات غير قابلة للعكس، لكنهم ليسوا متأكدين بعد من أين تنشأ هذه المشكلة بالتحديد.
على المستوى الخلوي، هناك صفائح بروتينية تدعى (Amyloid) تتجمع بين الخلايا العصبية للدماغ، وألياف بروتينية (tau) تتوضع ضمنها لتسد القنوات التي تنتقل فيها المغذيات، مما يساهم في موت الخلية، بالإضافة إلى منع النواقل العصبية من الانتقال بحرية، لتسبب ضعفاً إجمالياً في فعاليات الدماغ المختلفة.
هذه البروتينات تتشكل لدى كبار السن بشكل طبيعي، وينجم عنها الضعف النسبي في القدرات العقلية لديهم، لكنها تكون زائدة عن حدها لدى المصابين بالزهايمر، حيث تبدأ في المناطق المسؤولة عن الذاكرة لتمتد إلى غيرها مسببة ضعف التواصل بين مجموعات الخلايا التي تفقد دورها الفعال عند ذلك، ويحدث من التأثيرات ما ذكرنا.
الزهايمر والموت..
صُنف هذا المرض العُضال السادس من بين الأسباب العشرة الأولى للموت في الولايات المتحدة، فطبيعته التدريجية تجعل من الفترة الفاصلة بين الإصابة الفعلية والتشخيص تصل إلى حوالي 8 سنوات، حيث لا يذهب المريض إلى الطبيب إلا عند ملاحظة الأعراض الواضحة التي ذكرنا منها صعوبة البلع المسببة لدخول الطعام إلى الرئتين، وحدوث الالتهاب فيهما، وهو من أشيع أسباب الموت بهذا المرض، فضلاً عن أن كثرة الجلوس بسبب صعوبة المشي تؤدي إلى ظهور البثور والضمور العضلي، وهناك التهابات المثانة التي تصاحب سلس البول المرافق لتدهور المهارات الحركية بمجملها، ولا ننسى صعوبة تشخيص هذا كله لدى المريض الذي لا يستطيع وصف حالته وآلامه.
أخيراً قد يتسبب المرض بالموت في حالة نادرة، وهي وصول قدراته التخريبية في الدماغ إلى مراكز التنفس مؤدياً إلى الموت خنقاً أمام أعين الأطباء العاجزين عن فعل أي شيء، حيث لم تصل الإجراءات المتخذة إلى لقاح أو علاج جذري حتى الآن، على الرغم من مرور من 15 سنة على البحث المستمر بهذا الشأن.
الزهايمر والنساء..
أظهرت نتائج الأبحاث أن المرأة معرضة لمرض الزهايمر بنسبة تفوق الرجل بحوالي 50%، وأن احتمالية إصابتها هي 1 من بين 6 نساء، فهي تزيد عن احتمالية إصابة الرجال وهي 1 من بين 11 رجل.
كما ظهر من خلال الإحصاءات أنه من بين 5 ملايين حالة إصابة بالزهايمر في الولايات المتحدة هناك 3.2 مليون بينهم من النساء، وقد نسب البعض هذا إلى الحقيقة التي تقول بأنَّ النساء يعمرون أكثر من الرجال، وبما أن المرض مرتبط بالسن، لذلك تُرشح المرأة له أكثر.
لكن هذا ليس كل شيء، فلا بد من تحري السبب البيولوجي وراء ذلك، حيث تم إنشاء دراسة في جامعة ستانفورد مؤلفة من 8000 آلاف شخص لدراسة جين معين يدعى ApoE-4، وتبين أنه يزيد من احتمالية الإصابة بالمرض إلى 50% لدى النساء الذين يملكونه، فيما كان أثره ضئيلاً لدى الرجال، وهذا يعود حسب اعتقاد العلماء إلى تأثير الهرمون الأنثوي (الأستروجين) على تفاعل وتعبير الجين عن نفسه.
هل من علاج؟!
للأسف لم تتوصل الأبحاث رغم ضخامتها إلى حل، لكن ربما كانت العقاقير أملاً مساعداً في التخفيف عن المرضى..
مثبطات الكولين أستيراز Cholinesterase inhibitors (أنزيم دماغي) هي واحدة من الأدوية المستخدمة، كما أنDonepezil Rivastigmine، Galantamine كلها عقاقير تستخدم لتحفيز النواقل العصبية، رغم أنها تسبب تأثيرات جانبية غير مرغوبة.
هذه العقاقير يجب أن تستخدم في مراحل التشخيص المبكرة للمرض، فقد تستطيع تأخير تقدمه، أما استخدامها في مراحل متأخرة لا يرجى منه أي فائدة.
Memantime هو الدواء الوحيد المستخدم في الحالات المتقدمة للمرض، لأنه أثبت فعالية لا بأس بها في حماية الخلايا من تأثير الناقل العصبي (غلوتامات) الذي يؤدي دوراً ضاراً لدى مرضى الزهايمر (عكس الأشخاص الطبيعيين)، فيسبب زيادة نفوذية أغشية الخلايا العصبية معيقاً سير عملياتها، مسبباً موتها في النهاية.
طموح البحث العلمي من كل هذا هو الوصول إلى عقار يمكن أن يثبت جدارته في تحطيم الصفائح والخيوط البروتينية المتشكلة في أدمغة المرضى، والتي تعد المساهم الأكبر في تطور الزهايمر.
التكاليف المادية الهائلة
ذكرت أن الزهايمر كان ولا يزال من أهم عشرة مسببات للموت في الولايات المتحدة، ويتبع الخطورة في ضخامتها تكاليف إجراء الأبحاث وتقديم العناية التي وصلت في أمريكا وحدها إلى 203 بليون دولار، فلا مرض يعلوه بالكلفة سوى النوبات والاحتشاءات القلبية 264 بليون دولار.
لهذا يجب أن يحظى البحث العلمي حول المرض بالمزيد من الاهتمام، لأننا إذا بقينا على الوضع الحالي من المعرفة، ستزداد حالات الإصابة به، وسترتفع معها التكاليف لتبلغ أضعاف ما هي عليه الآن.
ساهم في إبعاد المرض عن نفسك
كما يُقال “درهم وقاية، خير من قنطار علاج” نعم، أنت قادر على بذل الجهد في إبعاد المرض عن نفسك، فهذا التدهور الحاصل في الدماغ لدى مرضى الزهايمر يعود في جزء منه إلى عدم استخدام عقولنا بالشكل المطلوب، وخصوصاً عند التقدم في السن، فنجد أحدنا عندما يُحال إلى التقاعد بعد سن الستين يجلس دون عمل، يقبع في منطقة “الراحة القاتلة”، فلا يمارس النشطات التي تحفز دماغه، ويبقى معظم وقته وهو يشاهد التلفاز أو ينشغل بالأحاديث التي لا جدوى منها، متناسياً أن العقل البشري كالعضلة إذا لم تواظب على تمرينه فإنه يفقد قدراته شيئاً فشيئاً، وهذا ما يعد من أقوى العوامل المساهمة في زيادة احتمالية الإصابة بالزهايمر.
إذا كنت ترغب أن تبقى في حالة عقلية سليمة، فعليك بالقراءة، تعلم أشياء جديدة كل يوم في مختلف المجالات، أبق نفسك مشغولاً، ومارس الألعاب الذهنية التي تعطي روح المنافسة والمتعة إلى جانب الفائدة الفكرية الكبيرة، لا تهمل هذا الجانب أبداً، فلعلك تأمن شر العته والخرف المبكر، حافظ على كنزك (العقل السليم) مهما كلفك ذلك من جهد، ولتكن عضواً فاعلاً منتجاً على الدوام مهما كانت إمكانياتك.
المصادر: 1،2،3،4،5،6،7،8
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.