نادين عبد الحميد
نادين عبد الحميد

د

القناعات: بين ما نكتسبه وما ينتقل إلينا من الآخرين

نحن قوم نعتز كثيراً بما نؤمن به، ونعتنقه سواء كان له علاقة بالأديان أو بالأفكار الحرة التي يتبادلها البشر جميعاً، حتى أننا يصعب علينا أن نبدل من قناعاتنا أو مجرد الاعتراف بصحة رأي آخر تُعتبر مهمة ذات عبء ثقيل على أنفسنا، لا نسمح لشيء أن يجعلنا نعترف بأننا بشر ونخطئ بل ونصر على أننا على صواب حتى وإن كلفنا الأمر الوقوع في جريمة نشر فكر فاسد ومعلومات مزيفة، لدينا قناعة خاطئة أن التمسك بفكر خاطئ لا فائدة منه خير وأفضل من محاولة تغييره والسعي نحو تقبل شيء جديد.

هل الأنا هي التي تقودنا نحو ذلك أم معتقدات تتعلق بأسلوب التربية؟

في جلسات النقاش والحوار، يسعى البعض للانتصار لنفسه، معتبراً أن الفكرة التي ذُكرت عن طريقه وكأنها ممثلاً كاملاً لشخصيته وكيانه أمام الجميع، وأي رفض لها يُعد رفضاً له هو شخصياً، ومن ثم يبدأ الغضب والجدال دون فائدة، ليتحول أي نقاش إلى حرب يسعى كل طرف فيها لإثبات نفسه أمام محاوريه، ولا ينجو من تلك الحرب إلا من تحلى بثقة في نفسه واستطاع جيداً أن يضع كل أمر في حجمه الطبيعي، فالفائدة من النقاش تكمن في الخروج بأفضل النتائج والوصول إلى فكرة واحدة يتفق الجميع على صحتها، ليس لتتويج أحدهم ملكاً على غيره لأنه جاء بفكرة جيدة، ولا أعرف لماذا يتحول الأمر في نهاية كل مناقشة إلى خلاف شخصي يسعى أحد طرفيه إلى هدم صورة الطرف الآخر أمام الآخرين حتى وإن اضطر لاستخدام أساليب ملتوية ترفضها القيم.

لا أحد يفعل ما يقول..

وبعد أن يتمسك الجميع برأيه، رافضاً أي تعديلات تُعرض عليه من الطرف الآخر، دون سعي منه لأن يسمع ما يحدث على الجانب الآخر، وكأن كل منا قد أحاط بكل شيئاً علماً وليس بحاجة لأن يسمع صوتاً إلا صوت نفسه، الغريب في الأمر أنك قد تجد شخصاً ما ينصحك بأن تتناول طعاماً صحياً وتمارس الرياضة بشكل دوري، ثم يتركك ويذهب لتناول وجبة دسمة قد تؤدي إلى هلاكه. ما السبب في ذلك إذن؟ ولما ننادي بشعارات لا نلتزم بها وليس لها وجوداً حقيقاً بيننا على أرض الواقع!

إننا نتمسك بالقناعات والأفكار دون محاولة لتحليلها، أو مشاركتها مع الآخرين للوصول لمزيج نهائي يجمع أفضل ما طرحته الألسنة وجاءت به العقول، لا نسعى لمراجعة أنفسنا خوفاً من الوقوع في فجوة مظلمة نجد فيها أنفسنا بمفردنا مع أفكارنا التي ستأخذنا يميناً ويساراً حتى تستقر أخيراً على أحد الجانبين، ينبغي على الواحد منا أن يشعر بالراحة تجاه ما يؤمن به عقله ويصدقه، وكذلك أن يتوافق فكره مع فعله، الكثير والكثير من البشر يسيرون بعقول لا تمت لهم بصلة! نعم، فقد جمعوا أشلاء فكر من كل ناحية، واستخلصوها من جميع الأفراد الذين مروا عليهم في حياتهم، ليجدوا أنفسهم يواجهون أعظم موجات الصراع الداخلي، ما بين ما يميلون إليه وما يصدقونه حقاً وما يمليه عليهم الآخرون! فقد يواجهون أنفسهم بأفكارها في محاولة منهم لتحليلها، فيفاجئوا أنهم لا يعرفون متى أصحبوا يحملون تلك الفكرة إذ أنهم حتى لا يعرفون مصدرها! نعم، نحن مسئولون عن أفعالنا أمام أنفسنا أولاً وأمام الناس ومحاسبون عليها أمام الله – جل جلاله- لذا لن تنفعنا الأعذار إذا مرت الأيام ونحن نعيش طبقاً لخريطة وقواعد لم نتخيرها يوماً أو نُصر على اعتناقها، ولا يوجد ما يفرض علينا أن نفعل شيئاً لا نرغب في فعله أو أن ننشر ثقافة بين الناس لمجرد أنه يُقال أنها الأفضل، فالامتزاج والتوافق بين ما نفكر به وما نفعله هو الطريق الأول نحو الراحة النفسية والسلام الداخلي، فما أكثر من يلبسون وجوه عدة لتناسب الظرف الحالي، ويتلونون بلون من يخالطونهم حرصاً على أن يلقوا إعجاب من حولهم، ولكنهم في حقيقة الأمر بلا هوية حقيقية تُعبر عنهم ويرجعون إليها عندما يبحثوا عن أنفسهم!

لتكن أفعالك هي صوتك دائماً!

إننا نعيش حياة واحدة، وسنقف أمام رب العالمين بمفردنا دون أحد معنا، سيتخلى عنك الجميع، وسيتركك من سرت خلفه دون تفكير، فمن الآن فكر جيداً ماذا تريد حقاً في هذه الحياة ولا تدع تداخل الأصوات من حولك يشتتك عن مقصدك الأسمى، لا حاجة لك بأن تدعي موافقتك على آراء الجميع أو أن تسعى كل السعي لإثبات أن رأيك هو الأصح دائماً، فقط دع كل شخص يفعل ما يراه صحيحاً و اجعل كامل تركيزك على نفسك، لأنك ستصل حتماً إلى الوجهة التي لطالما كنت تبحث عنها وترى فيها ذاتك الحقيقية إذا كانت البداية من هذا الطريق..