آلاء عمارة
آلاء عمارة

د

نحن أمة التضامن فقط.. وا معتصماه!

يُحكى أنّ..

كانت هناك سيدة في كامل مشمشها، تأتي لأبنائها بطيب الطعام، وتُنعمهم برغد العيش. كان أطفالها يلعبون وتعلوا أصواتهم حولها، وما إن يحين وقت النوم، توفر لهم الأمان والسلام. يستيقظ الأطفال في الصباح بعد ليلة مملوءة بالأحلام السعيدة، وتكون أقصى طموحهم التغيب من المدرسة فقط للعب والهروب من الالتزامات البسيطة. ولكن..

في تلك الليلة، جاء أحدهم وقيدها، أطلقت صرخة مدوية، وقف الأطفال مرعوبين، لا حيلة لهم ولا يمتلكون من أمرهم أو أمرها شيئًا. طرقت كل الأبواب حولها وهتفت أغيثوني..أغيثوني..هموا إليها، لكن سرعان ما خمدت عزيمتهم. هنا وقف المعتدي ساخرًا وقال: “باعوكِ وانتهى أمرك”، صرخت وقالت: “وا معتصماه”..ربما لم يصلها خبر وفاة هذا الرجل الكريم منذ قرون عدة. 

حسنًا، لنعود إلى حديثنا. من أين نبدأ؟

#حلب_تحترق 

منذ عدة سنوات، رفعنا هذا الهاشتاج إعلانًا للتضامن مع سوريا العزيزة. أتذكر، كانت وسائل الإعلام تغطي أحداث تلك الأرض المباركة على مدار الساعة. فجأة، إذا بأهل سوريا حولنا في أغلب الدول العربية. زادونا شرفًا وصاروا أهلًا لبلادنا (حقيقة). لقد عبر كثير من الناس عن تضامنهم مع القضية السورية، وكانت اللقطات المحزنة تغزو شاشات التلفاز ومن فرط قسوتها، غزت قلوبنا وأصبحت سوريا حديث المدينة كما يقولون. ماذا بعد؟ 

#إلا_رسول_الله

رُفع هذا الوسم أيضًا قبل فترة، تضامنًا مع النبي محمد – صل الله عليه وسلم – إعلانًا للتمرد على الفِكر الفرنسي المُدعي للحرية، والأدهى من ذلك، أنّ الفرنسيين أعلنوا تمسكهم بفكرتهم، لقد أداروا ظهورهم. وما زال هذا الوسم يُرفع، حتى اللحظة التي أكتب فيها (رمضان 1442). ماذا بعد؟ 

#أنقذوا_حي_الشيخ_الجراح

حديث الساعة، هاشتاغ منتشر في التعليقات ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي. ولا داعي لذكر قصته لأن كلنا نعلمها، مع ذلك، أتساءل..ماذا بعد؟ 

تضامن ووحدة..ماذا بعد؟ 

هاشتاغات..هاشتاغات..هاشتاغات، لقد صارت حياتنا افتراضية بحتة، كبرنا على حب أشخاص معينين، وكره بعض الفئات. إنها العنصرية التي بُرمجنا عليها منذ نعومة أظافرنا. نحن أمة التضامن والعواطف الجياشة التي تحترق لمعاناة أحد أبنائها. لكننا نتعاطف ولا نفعل. 

للأسف الشديد، يشهد التاريخ على تفريطنا في أراضينا بأيدينا، ليس أبناء هذا الجيل، وإنما السابقون الذين خانوا خبز هذه البلاد وسلموا أراضيها. والأدهى من ذلك، تشويه التاريخ لبعض الشخصيات التي استماتت حتى لا تقع سيدتنا الكريمة فلسطين في أيدي الاحتلال..

برمجة العقول 

قراءة الفكرة ونظيرتها

كم هو مرهق البحث عن المعلومة والتقصي جيدًا، وهذا يتعارض – وبشدة – مع طبيعة النفس البشرية الكسول، التي اعتادت على التلقين، ولا أخفي عليك، إنها طريقة مريحة جدًا..كما نقول في مصر: “مين يلاقي راحة وميرتحش”. 

اعتدنا على تلقي المعلومة والوثوق بها دون البحث في وجهات النظر الأخرى، على الأقل للوصول إلى خط الحيادية. وهذه ثغرة قاتلة. استخدمها أغلب الظلمة على مر التاريخ. (ولا أدّعي هذا، يمكنك العودة إلى صفحات التاريخ وترى كيف وظف الظالمون جهل الشعوب لصالحهم). 

هل تريد تخريب أرض؟ لأرشدك إلى أسهل طريق، فقط اذهب وانشر كلامًا سيئًا وافتراءً عن أخلص الناس لهذه الأرض. وشاهد كيف سيتخلص الشعب من هؤلاء المخلصين ثم يدقون الطبول للقوم الظالمين، الذين سرعان ما يكشرون عن أنيابهم ويعيثون في الأرض خرابًا. 

(استراتيجية فعّالة..ها؟ ) 

هذا ما حدث مع كثير من البلدان، والتاريخ خير شاهد. ربما ستنتظر السيدة معتصمها الذي سيحررها ويشد من أذرها كما أرادت. مع ذلك، هل سنتعظ؟ كلا، صدق مَن قال: “التاريخ يعيد نفسه”. 

لماذا نتعاطف ولا نفعل؟ 

تربينا على حب أراضينا العربية كلها. لكن كما يقولون، ما باليد حيلة. لا تستطيع الشعوب فعل شيء، إلا التضامن بالهاشتاغات أو بالقلوب..لماذا؟ لأن الخوف أكبر من الحب. لا تستطيع مواجهة الذئب، لكن ستتعاطف مع فريسته التي يقطعها أمامك، ولن يتجرأ أحد على الذئب سوى معتصم الزمان. كلنا ننتظر هذا المعتصم..وتجاهلنا أنه اختبار إلهي، أراد رب العالمين رؤية ماذا سنفعل مع أرض الأنبياء..هل سنتخلى عن ثوب التعاطف الذي لا يغني ولا يسمن من جوع ونتحول إلى أسودٍ، تقتل الذئب بنظرة؟ 

على هذه الأرض..سيدة الأرض..كانت تُسمى فلسطين..صارت تسمى فلسطين..سيدتي، أستحق لأنك سيدتي..أستحق الحياة..

درويش

فلسطين: للأبد؟

الشعب العربي: ماذا؟

فلسطين: ستَشدون من أذري؟

الشعب العربي: حتى ينعم كل طفل من أبنائك بالطمأنينة ويعودون من المدرسة وتعلوا أصواتهم في الشوارع بأمان وتكون صرخاتهم فقط لأنهم وقعوا أو تعرضوا لحادث بسيط أثناء اللعب لا بسبب غدر الاحتلال..حتى ينظرون إلى الماضي وكأنه حلم أو كابوس مرّ مرور الكرام، ويكبرون ويدرسوا لأبنائهم حب الوطن ويعتبرون من الماضي الأليم..حتى تشرق شمسك من جديد ولا يشقى ابنائك وترتسم الضحكات على وجوههم..حتى نوظف لكِ أمهر الأطباء ليضمدوا جراحك..حتى نقول: عادت فلسطيننا لكامل مشمشها وأناقتها..وقتها فقط، ربما..ربما نطمئن عليكِ ونتركك في سلام..